التصويت الصاخب يوم 28 مارس 2017 على ما سمي “بالمبادرة التشريعية “لتنقيح القانون الاساسي المتعلق بالمجلس الاعلى للقضاء والتي قدت كالثوب على قياس واضعيها .
بقلم أحمد الرحموني
لم يكن ليمر بنتائجه” الوخيمة “دون ان يرسخ لدينا جملة من الحقائق اقلها ثلاث :
الاولى- ان مبادرات من هذا القبيل قد اصبحت معتادة من جانب حركة النهضة وبدعم قوي من حركة نداء تونس .وليس بعيدا عن الذاكرة الصيغة الاصلية لمشروع الدستوربتاريخ 1 جوان 2013(ومحاولات حركة النهضة فرض فقرة ثانية للفصل 103 تقترح التسمية المباشرة في الوظائف القضائية العليا من قبل السلطة التنفيذية )ومشروع القانون الاساسي المتعلق بالهيئة الوقتية للقضاء العدلي المقترح على عهد وزير العدل السيد نور الدين البحيري الذي عرض من بين احكامه تنصيب وزير العدل رئيسا للهيئة وجهة رسمية للمصادقة على الحركة القضائية!.
***
وعلى نفس المنوال كانت الجهود المتضافرة للسيدين عبادة الكافي ونور الدين البحيري- في اطار لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب – لاعادة صياغة المشروع الحكومي للمجلس الاعلى للقضاء في اتجاه “استبدادي” ادى الى مواجهات حادة مع الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين ثم مصادقة رئيس الجمهورية على صيغة نهائية غير دستورية!.
ولذلك لايبدو غريبا تزعم حركة النهضة لمبادرة تشريعية تحت غطاء “المصلحة العامة” و”الانتقال الديمقراطي”تؤدي الى ارتهان المجلس الاعلى للقضاء والاجهاز عليه.
وعموما فان تصويت النواب المنتمين الى حركة النهضة بكثافة منقطعة النظير لفائدة تلك المبادرة (61 من جملة 69 ) ورفض اي توافق بشانها (حسبما ورد على لسان رئيس الكتلة )مع غياب اكثر من ثلث نواب حركة نداء تونس(23 من 66 ) يؤشر ان “الملف القضائي ” يبقى بصفة اصلية تحت ادارة اكثر احزاب الحكم “انضباطا” وهي حركة النهضة !.
الثانية – ان التصويت الاخير على المبادرة التشريعية – اضافة الى الممارسات الشبيهة –يكشف عن خطر حقيقي يتهدد البناء الديمقراطي في ظل وجود اكثرية عددية (من بين نواب الشعب والاحزاب الكبيرة) لاتؤمن باستقلال القضاء . كما ان التحالف بين حزبين كبيرين (النهضة ونداء تونس) وممارسة الهيمنة (السياسية ) على الشان القضائي يؤذن بتراجع كبير لدور القضاء في حماية الحقوق و الحريات وبناء دولة القانون .
ويمكن ان نلاحظ في هذا السياق توجه المناقشات لدى هذا التحالف – عندالنظرفي القوانين المنظمة للقضاء – الى ضرب القيود على سلطته واثارة الالتباسات حول دوره والدفع الى المحافظة على امتيازات السلطة التنفيذية (مثال ذلك التوجه الى الحد من اختصاصات المجلس الاعلى للقضاء والترويج لارتباط النيابة العمومية بوزير العدل).
الثالثة – ان طبيعة نظام الحكم في الوضع الحالي (خصوصا على مستوى مجلس نواب الشعب )تتميز بغياب(او تراجع ) ما يسمى “بالديمقراطية التوافقية ” في مقابل توسع التيار المناهض لاستقلال القضاء والاعتماد في هذا الملف المصيري على مبدا الاكثرية وتهميش احزاب المعارضة(او الاقليات) .
ويمكن ان نستحضر في هذا الخصوص ان الصيغة الاصلية لمشروع الدستور- التي خضغت اساسا للهيمنة السياسية لحركة النهضة – قد وجدت طريقها للتطور بعد احداث لجنة التوافقات وامكن بذلك توسيع دائرة الضمانات في نقاط اساسية (تركيبة المجلس الاعلى للقضاء – استقلالية النيابة العمومية – دور المجلس الاعلى للقضاء في التعيينات الخاصة بالوظائف العليا..).
لكن من الواضح ان تغير الوضع السياسي (بعد انتخابات 2014 ) وبروز تحالفات جديدة قد ادى – لا فقط الى التخلي عن المنهج التوافقي – بل فتح الباب واسعا ” للانقلاب “على “المكاسب” الدستورية – ومن ضمنها بالتاكيد الباب الخامس من الدستور المتعلق بالسلطة القضائية – وافراغ المجلس الاعلى للقضاء- كمثال على ذلك الانقلاب – من اختصاصاته وسلطته و موقعه فيما يمثل “خيانة “للتصور الدستوري !.
وفي ضوء هذا الواقع يمكن تفسير الظروف الحافة بطرح “المبادرة التشريعية “الخاصة بالمجلس الاعلى للقضاء ومناقشتها و التصويت عليها .ولا يخفى في هذا الشان ان “افتعال” “ازمة التعيينات القضائية”من قبل الحكومة قد ادى الى تداعيات غير محسوبة وفجر تحت قبة البرلمان الصراع القديم (بين احزاب الحكم والاقليات ) على “سلطة القضاء “الذي وقع حسمه دون اي اكتراث بمصالح الشعب !.
* احمد الرحموني قاضى و رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء
*المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .
شارك رأيك