بقلم فرحات عثمان
الإسلام دين عقلاني، علميّ التعاليم؛ فمن قواعده الفقهية أن درء المفاسد يتحتم خاصة مع ما هو غير ثابت من مفاسد لاعتقادها خطأ حراما من طرف عقلٍ بشريٍ قاصر عن الحكمة الإلهية التي لا مجال لبلوغها لاتساع مداها.
في حديث سبق، بيّنا أن الشريعة لا غاية لها إلا مصلحة العبد، إذ مناط التشريع الإسلامي حفظ المصلحة ودرء المفسدة. وبعد أن بيّنا كيف يتجلّى هذا في القرآن والسنة الصحيحة بخصوص الخمرة، حيث المنع لا يتعلق ببنت العنب، بل بالسكر، نبيّن اليوم أن الجنس المثلي في دين القيمة من الفطرة البشرية؛ فلا تحريم في الإسلام ولا تجرم للمثلية.
اللواط حرام في اليهودية والمسيحية لا في الإسلام!
التحريم الذي يعتقده أهل الإسلام اليوم من أحكام الله ليس هو إلا استنباط فقهاء زمن كان متخيّلهم مُشبعا بالتعاليم اليهودية والمسيحية، إذ بالكتاب المقدس، في عهديه القديم والجديد، التحريم الصريح لما عدّه علاقة جنسية مخالفة للطبيعة.
أما القرآن فلم يأت بحكم في الغرض، ولا السنة الصحيحة، إذ لم يثبت أي شيء عن الرسول الأكرم؛ فكل ما يستشهد به كارهو المثليين هو من المنحول على رسول الله. إنه لا حديث في اللواط في البخاري ومسلم، أصح الصحاح؛ فهل يُعقل هذا في ما عُد جزافا أفحش الفواحش؟
لقد اجتهد فقهاء الزمن الغابر وأصابوا في ما يفرضه الإسلام بحرف ونصه ومقاصده، أي التماهي مع مصالح البشر ومقتضيات مقاصد الشريعة؛ لذا، وجّهوا تأويل قصص قوم لوط إلى تحريم اللواط أخذا بالتعريف الذي كان شائعا في العالم أجمع تقريبا. إلا أن هذا لم يعد ممكنا اليوم بعد أن بيّن العلم صراحة أن المثلية طبيعة لا مرضا. وهذا خاصة باسم الإسلام وعملا بأحكامه وروحه.
لذلك، حسب أحكام دين القيمة الصريحة، لا بد من الإجتهاد مجددا في الموضوع أخذا بفتوحات العلم؛ وحسب روحه، علينا درء المفسدة، وهي ظلم الأبرياء، بما يُعتبر غلطا مفسدة لم تعد ثابتة، إذ هي الظلم الفاحش للناس، بينما الإسلام عدل!
المثلية فطرة في بعض البشر مُشاعة في الطبيعة
العالم المتحضر يعلم اليوم أن المثلية، رغم شذوذها، فطرة عادية في قلة من البشر، شائعة في الطبيعة. إلا أن هذا المعطى لم يثبت علميا إلا في السنوات التسعين من القرن الماضي رغم ثبوته في الإسلام منذ البداية، إذ كان سباقا للحداثة. لذا، في قرننا الحالي، لا مجال للشك أن المثلية فطرة بشرية في البعض من عباد الله خلقهم البشر مختلفين في الطباع والعادات.
وليست المثلية مرضا كما يدّعيه البعض، ومنهم العديد من المتطفلين على العلم والطب، بل المرض في من يكره المثليين! وهذا خطر على الدين، خاصة عندما يتعلل الفقهاء بتعاليمه ولا يعالجوا أنفسهم الأمّارة بالسوء من الداء الذي ينخرها! هذا، ومعلوم اليوم أن الجنس الطبيعي، كما نراه عند كل المخلوقات، لا يفرّق عموما بين الذكر والأنثى، إنه ما يُسمّى اليوم ثنائي bisexuel؛ وتلك صفته عند العرب والأمازيع والمجتمعات القديمة، كما كان الحال في الحضارة الإغريقية.
الإسلام عدل، فلا مجال لظلم الأبرياء فيه
إن المفسدة الثابتة اليوم هي ظلم المثليين والاعتداء على حقوقهم الخاصة في حياة آمنة حسب الطبيعة التي جعلها الله فيهم. فكيف نعتدي على حرمة الحياة الخصوصية باسم الإسلام الذي قدّسها إلى حد أننا رأينا الخليفة عمر يقيم الحد على من كشف عورة غيره للتشنيع به في ما عدّه نقضا للدين لشربه في بيته الخمر؟
لذا، بعد ما حدث أخيرا من مداهمة الشرط بيت أحد السينمائيين وإيقافه مع من جامعه راضيا، وذلك عملا بأحكام الفصل 230 جنائي الذي ثبتت دناءته، من المتحتم إخلاء سبيل المظلومين حالا والشروع في إجراءات إبطال تجريم المثلية.
ولقد عرض المجتمع المدني مشروع قانون توافقي في الغرض يبطل الفصل اللعين باسم القانون والدين معا، فلتعتمده السلط وكل من حسن إسلامه لتخليص البلاد من خزي كراهة المثلية !
*المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .
شارك رأيك