بقلم فرحات عثمان
قضيّة الأطروحة الجامعية في سطحية الأرض، والتي تتبجح بمناقضة ما وصل إليه العلم بخصوص مركزية الشمس بأدلة دينية، تبيّن بما لا يترك مجالا للشك سوء نية الإسلامويين بتونس في نزاهة الأخذ بالديمقراطية.
.
لقد سقط القناع ورُفعت ورقة التوت التي حاول ويحاول الإسلام السياسي التونسي أن يغطّي بها عورة التزمت فيه. ما دامت الثوابت العلمية محل نقاش ومناقضة اعتمادا على أدلة دينية، فما بالك بالمباديء المدنية والسياسية؟ إنها أولى عند أهل التزمت بالاستهجان والنقض والرفض باسم الدين!
عندما يهجّن الإسلامويون الجامعة والعلم
قضية الأطروحة، علاوة على انحطاط مستوى التعليم العالي ببلادنا، تبيّن أنه لم يعد اليوم أدنى شك في أن أهل الإسلام السياسي لا يمتهنون الديمقراطية بنزاهة، فهي مجرد مطيّة لأسلمة البلاد حسب معتقداتهم الضالة التي تشين الدين وتفسده. ولا غرابة في ذلك إذا علمنا أن الدغمائية الإسلاموية داخلت جميع مؤسسات البلاد، بما فيها المؤسسة التعليمية؛ وهي اليوم ساحة الوغى للتحكّم في الأذهان وغسل الأدمغة.
ليست الأطروحة إلا مثالا بيّنا على هذه الاستراتيجية الماكيافيلية. وهذا هو الدليل العلمي القاطع على سوء نية الإسلامويين في تعاطي السياسة. هكذا إذن بان جليّا أن ليس همّهم إلا الاحتيال والمراوغة لفرض رؤياهم الهجينة للإسلام على كل شيء، بما فيه ما ثبت من الفكر العالمي. أي دليل أعظم من هذا؟
عندما يتصدّى الدين للثوابت العلمية
ليس هدف هذا العمل اللاعلمي إلا الزج بالمرفق الجامعي في لعبة أيديولوجية غايتها تفكيك ثوابت العلم بترّهات لا علاقة لها بالإسلام، إذ لا دخل للدين في مجال العلم، لأن علميته تتمثّل في منهجية تعاليمه وموضوعية الإيمان فيه، لا في ولوج ميدان البحث العلمي في للظواهر الطبيعية التي لا تهم العقيدة، ولا علاقة لها أصلا بالتقوى، مناط الإيمان الأوحد.
ليس هذا بالجديد في ميدان الأديان، إذ لطالما تصدّت الكنيسة المسيحية للبحث العلمي، الشيء الذي أخّر فتوحاته؛ فرغم ما وصل إليه العالم البولوني كوبونيك من حقائق بخصوص مركزية الشمس، تأخّر طويلا الأخذ بنظريته لرفضها من طرف رجال الدين النصارى، إذ واصلوا قمع العلماء القائلين بها، كما حدث مع غاليلي.
وها نحن نرى البعض من أهل التزمت في الإسلام يحاكون ما نبذته المسيحية اليوم. طبعا، هذا لن يعطّل التقدم العلمي، إذ لا علم لنا؛ إنما الهدف هو محاولة إكساب بعض الشرعية لمقولة دينية تشينه حقيقة، إذ ليس للدين التدخل في مجال غير مجاله، كما أن مجال العلم وحقائقه لا يمتّان بصلة بحقائق الإيمان.
ضرورة حماية الدين من مغتصبيه
فضيحة هذه الأطروحة الدعيّة على العلم وعلى الدين لا تشرّف لا الجامعة ولا الإسلام خاصة، إذ تسيء إليه كل الإساءة. فأي خدمة لدين علمي التعاليم في ترّهاتٍ علموية تعود به إلى ظلمات القرون الوسطى بأوروبا وقد كانت قرون حضارة وعلوم وتقدم فكري وثقافي في بلاد الإسلام؟
القول اليوم بأن الأرض مسطحة استنادا لتأويل يدّعي احترام الدين ليس إلا من التهريج العلمي والديني، لأن ديننا يأخذ بكل الفتوحات العلمية ولا يناقضها لعلمية منهجها ومنهجه وموضوعية الإيمان فيه المستقل عن العلم. فليس الإسلام كالكنيسة المسيحية التي عارضت التقدم العلمي، إذ هو يشجّع كل المستجدات وكل النظريات العلمية العليمة، أيا كانت تجلّياتها وتداعياتها؛ فهي لا تتعارض مع الإيمان بما أن نسق التفكير والمنهجية يجمعهما ويؤلف بينهما.
لذا، باسم العلم والدين، من واجب الدولة التونسية وضع حد لمثل هذا الانسياب الفاحش للمرفق الجامعي حماية له ودفعا عن الدين الصحيح كل من دأب على اغتصاب روحه العلمية بتزمته وجهله المدقع، العلمي أو الديني على حد السواء.
شارك رأيك