لا تزال بعض الأحكام المنافية للدستور وللدين تصدر في تونس في حق الأبرياء من المثليين تطبيقا للفصل230 من القانون الجنائي واعتمادا على فحصٍ شرجي هو خزي شرعي وعار ديني.
بقلم فرحات عثمان
الفصل الجائر المذكور من مخلّفات الاحتلال والعهد البائد، ومناقضته لدستور البلاد لا شك فيها؛ كما أنه يخرق الدين، إذ ما حرّم الإسلام قط المثلية، بما أنها فطرة في بعض البشر وجنس شائع في الطبيعة. رغم ذلك، لا يزال القضاء يصدر أحكاما على منطوق هذا الخزي بواسطة فحص شرجي يجد من الأطباء المكلّفين به الشراكة اللازمة في عارٍ لا تجرؤ السلط على إبطاله.
مشاركة الأطباء في عار الفحص الشرجي:
من الضروري التذكير أن الأحكام في المثلية لا تصدر غالبا إلا اعتمادا على تقريرٍ طبي يُخضَع فيه الموقوف لفحص شرجي مذل. ورغم ما صدر أخيرا من طرف عمادة الأطباء، فالطبيب الشرعي يأتمر دوما بتسخير القاضي ولا يعارضه، مخالفا بذلك أخلاقية المهنة وقسمه الذي لا يسمح له بالمس من كرامة الناس. فبيان العمادة لا يرفض المشاركة في الخزي الحالي، إذ ليس فيه أي رفضٍ لفحصٍ شرجي لا تقرّه الأخلاق المهنية بتاتا.
لقد تنصلّت عمادة الأطباء من مسؤوليتها باسم ضرورة احترام أمر القاضي، معلّلة ذلك بأن الطبيب لا يقوم بالفحص إلا بعد إعلام المعني بالأمر بحقه في الرفض. ورب عذر أقبح من ذنب! فالجميع يعلم أن الموقوف لا خيار له إلا قبول الفحص المهين، لأن رفضه له يعني عند القضاء الاعتراف بذنبه؛ وكأن القبول بطبيعةٍ جعلها الله فيه كانت يوما من الإجرام ! فمتى نكف عن ظلم الناس؟
لذا، لا بد للأطباء من رفض الفحص الطبي لحمل القاضي على الكف عن اللجوء إلى مل هذا العار، ما من شأنه المساعدة على تطوّر الوضع بإبطال الفصل 230 جنائي. فالفحص الشرجي ليس فقط خزي ثابت شرعا لمخالفته لقسم أبقرط، بل هو أيضا عار ديني إذ يخالف تعاليم الإسلام في احترام الذات البشرية.
وبما أن الدليل الشرعي والديني يؤكد عدم مشروعية الفحص الشرجي بببلدنا، متى يتم إبطاله ؟ ومتى تتكلم وزيرة الصحة في ذلك؟ بل متى يأمر وزير العدل النيابة العمومية بعدم اللجوء لمثل هذا العار في بلد يطمح لدولة القانون؟
الدستور والإسلام يحرّمان الفحص الشرجي:
إن اللجوء إلى الفحص الشرجي لإثبات المثلية، إضافة لأخلاقية المهنة والقسم الطبيين، يناهض مناهضة قطعية الحقوق المضمونة في الدستور، ومنها خاصة احترام الذات البشرية؛ وهو أيضا يخالف الإسلام نصا وروحا.
فنحن نعلم أن الدين الإسلامي يمنع الحكم بالظنة ويطلب الفعل الثابت الذي لا شك فيه ولا اختلاف. فقواعد الشهادة متشددة في حرصها على عدم ظلم الناس. من ذلك، مثلا، ضرورة إثبات ولوج الذكر في الدبر عند إقامة الحد علاوة علي رباعية الشهادة؛ والفحص الشرجي لا يثبت هذا.
ثم إن الإسلام يمنع منعا باتا التنقيب في قلوب الناس؛ لهذا قبل بالمنافقين رغم خطورة تمويههم في الدين. فكيف يقبل الإسلام ورسوله من ينافق في عقيدته ولا نقبل نحن اليوم من ينافق في سلوكه ما دام يتخفّى عن أعين الناس؟ من الواضح البيّن إذن أن المنع من التقيب في القلب في الإسلام، والذي لا يختلف فيه الفقهاء، يمنع أيضا بدون أدنى شك وبصفة قطعية التنقيب في الشرج. بذلك، ليس الفحص الشرجي فقط من الظلم والجور، بل هو أيضا المسخ الفظيع لتعاليم الإسلام الذي هو عدل قبل كل شيء.
إنه من الضروري اليوم الامتناع عن عار الفحص الشرجي والكف عن هتك عرض الناس في تصرفهم في قرارة حياتهم الخاصة. فلتكف السلط، إن كانت تريد احترام الإسلام ودولة القانون، عن اللجوء إلى فحوص الخزي ولتمنعها بالبلاد التونسية انتصارا للدين وللأخلاق، علاوة على القانون!
*المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .
شارك رأيك