من الجزائر : عمار قردود
حقوقيون جزائريون و أجانب يشيرون إلى تزايد أعداد القتلى في صفوف الجيش الجزائري و مستاؤون من تكتم السلطات الجزائرية عن ذلك.
و قد كشف جزائريون ناشطون في حقوق الإنسان لــــــ”أنباء تونس” أن الحرب التي أعلنتها الجزائر على الإرهاب و الجماعات الإرهابية قد كبّدتها خسائر بشرية معتبرة خاصة في الآونة الأخيرة،حيث يتم تسجيل بشكل يكاد يكون يومي مقتل عدد من الجنود و العسكريين دون الحديث عن الجرحى و المصابين و يلومون السلطات العسكرية الجزائرية على انتهاجها غير المبرر لأسلوب التكتم عن سقوط ضحايا في صفوف قوات الجيش الجزائري.
و معروف أن وزارة الدفاع الوطني في الجزائر لا تشير في بياناتها اليومية التي تصدرها سواء عبر موقعها الرسمي على الأنترنت أو من خلال إبلاغ وسائل الإعلام المحلية أو عبر مطبوعتها الرسمية الشهرية “الجيش”-التي تعتبر لسان حال القيادة العسكرية الجزائرية-إلى سقوط قتلى في صفوف قوات الجيش الجزائري،رغم إشارتها للقضاء على عدد من الإرهابيين في اشتباكات مسلحة بين الطرفين،و لا تتحدث حتى عن تعرض جنودها أو عسكريوها إلى جروح و هو أمر غير منطقي و غير مقبول أثار استياء الكثير من الجزائريين،مع الإشارة إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي تتناقل يوميًا تقريبًا أسماء و حتى صور الجنود الذين قتلوا خلال العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات الجيش الجزائري ضد الإرهابيين.
و بحسب هؤلاء الحقوقيون فإنه تم رصد تزايدًا لافتًا و مخيفًا في نفس الوقت في أعداد القتلى في صفوف الجيش الجزائري في الآونة الأخيرة ، وكشفوا عن حصيلة جديدة-و إن كانت غير رسمية و غير دقيقة بالقدر الذي كانوا يتمنوه- بناء على تقارير و أدلة جمعتها عدة جمعيات حقوقية جزائرية و أخرى أجنبية، في ظل التكتم الجزائري الرسمي عن الخسائر البشرية في حربها على الإرهاب و تشير هذه الأدلة التي تم جمعها إلى أن عدد القتلى في صفوف قوات الجيش الجزائري في حربه على الجماعات الإرهابية منذ بداية السنة الجارية 2017 بلغ الآن 25 قتيلاً و المئات من الجرحى ناهيك عن الخسائر المادية المقدرة بملايين الدولارات.
و أظهرت إحصائيات أجراها عدد من الحقوقيين في كل من الجزائر،فرنسا و بريطانيا و بلجيكا أن أعداد القتلى في صفوف قوات الجيش الجزائري الذي يشن حربًا حقيقية ضد الجماعات الإرهابية عبر كامل التراب الوطني خلال الفترة 2010 و2016 حوالي 1500 عسكري و وتشمل الأرقام أعداد القتلى من الجيش و الدرك والشرطة. رغم أن التوقعات تشير بأن يكون عدد القتلى أكثر من هذا بكثير لا سيما في ظل الإعلان اليومي و الرسمي من طرف وزارة الدفاع الوطني عن تمكن قوات الجيش الجزائري من القضاء على إرهابيين في الجزائر.
ونادرًا ما تكشف السلطات الجزائرية خاصة العسكرية منها عن أعداد القتلى خلال العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الجزائري ضد الجماعات الإرهابية خشية أن يشكل ذلك دفعًا معنويًا للتنظيمات الإرهابية التي تنشط بالجزائر أو تأثيرًا على معنويات الجيش الجزائري و حتى الرأي العام الجزائري.
و كان آخر إعلان عبر وسائل الإعلام الجزائرية عن سقوط ضحايا في صفوف قوات الجيش الجزائري في شهر جويلية 2015 عندما أقدمت مجموعة إرهابية مجهولة العدد على اغتيال 11 عسكريًا من مختلف الرتب في كمين تم تنصيبه على مستوى منطقة تيفران التي تبعد ب 40 كلم عن مقر بلدية طارق بن زياد في ولاية عين الدفلى-وسط الجزائر-و ذلك ليلة عيد الفطر المبارك. فيما أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية بتاريخ 19 جويلية 2015 مقتل 9 جنود وإصابة اثنين آخرين إثر تعرضهم لإطلاق نار من “مجموعة إرهابية” بولاية عين الدفلى.
وجاء في البيان، أنه “على إثر عملية بحث وتمشيط بمنطقة جبل اللوح بسوق العطاف بولاية عين الدفلى بإقليم الناحية العسكرية الأولى” تعرضت يوم 17 جويلية “مفرزة للجيش الوطني الشعبي لإطلاق نار من طرف مجموعة إرهابية”، مضيفة أنه “فور وقوع هذه الجريمة، تم تطويق المنطقة ومباشرة عملية تمشيط واسعة ومطاردة هؤلاء المجرمين واكتشاف مخابئهم وتدميرهم”. و الملفت للانتباه أنه حتى وسائل الإعلام الجزائرية المختلفة لا تتجرأ على ذكر عدد الجنود الجزائريين الذين قُتلوا أو حتى أصيبوا.
القضاء على 35 إرهابيًا و توقيف 18 آخر في الجزائر خلال الثلاثي الأول من سنة 2017
و حسب إحصاء قامت به “أنباء تونس” فإن قوات الجيش الجزائري تمكنت من القضاء على 35 إرهابيًا في مناطق متفرقة من الجزائر و إلقاء القبض على 18 إرهابيًا آخر و اعتقال العشرات من أفراد ينتمون إلى شبكات دعم و إسناد الجماعات الإرهابية و حجز و استرجاع كميات هائلة من مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة و الثقيلة و الذخيرة الحية و تدمير 134 مخبأ للإرهابيين و ذلك خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية 2017.
فقد تمكنت قوات الجيش الجزائري، من القضاء على 5 إرهابيين وتوقيف 5 آخرين، إلى جانب اعتقال العشرات من أفراد ينتمون لشبكات الدعم والإسناد للجماعات الإرهابية، في عمليات متفرقة عبر مختلف ولايات الوطن خلال شهر جانفي الماضي.وأوضحت وزارة الدفاع الجزائرية في حصيلة لنشاط قوات الجيش الجزائري بشأن مكافحة الإرهاب خلال شهر جانفي المنصرم،أنه تم العثور على جثتي إرهابيين وتوقيف 28 عنصر دعم للجماعات الإرهابية وتدمير 46 مخابئ للإرهابين.
كما تم أيضا في نفس السياق، استرجاع 23 كلاشينكوف و39 بندقية من مختلف الأصناف، بالإضافة إلى استرجاع 52 صندوق ذخيرة و5 مخازن ذخيرة و1599 طلقة من مختلف العيارات و4 مقذوفات وقذيفتين صاروخيتين ومدفعين من نوع هاون وتوقيف تاجر أسلحة وكذا كشف وتدمير 36 قنبلة تقليدية الصنع، خلال نفس الفترة.
و خلال شهر فيفري الماضي،تمكنت وحدات الجيش الجزائري من القضاء على 19 إرهابيًا وتوقيف 9 آخرين إضافة إلى نفس العدد من عناصر دعم وإسناد الجماعات الإرهابية تم ضبطهم في مناطق متفرقة من الوطن.
وأوردت مجلة “الجيش”-لسان حال الجيش الجزائري- حصيلة بالعمليات النوعية والناجحة للجيش الجزائري في حربه على الإرهاب عبر مناطق مختلفة من الوطن، كما جاء ذكر المجهودات الجبارة والسعي الحثيث لأجهزة الجيش في وأد العناصر الإرهابية والقضاء على أنشطتها الإجرامية ،وقد سمحت عمليات التمشيط التي تقوم بها الوحدات العسكرية المنتشرة على الأرض باكتشاف 46 مخبأ لعناصر الإجرام، واسترجاع كميات كبيرة من المخدرات كانت معدة للتهريب.
و تمكنت قوات الجيش الجزائري خلال شهر مارس الماضي من القضاء على 11 إرهابيًا وتوقيف 4 آخرين واسترجاع كمية من الأسلحة والذخيرة، كما سلم خلال نفس الفترة إرهابي نفسه للسلطات وتم العثور على جثة إرهابي وإيقاف 22 عنصر دعم للجماعات الإرهابية بالإضافة إلى كشف وتدمير 42 مخبأ للإرهابيين.
وبخصوص الأسلحة المسترجعة، فقد تمكنت قوات الجيش الشعبي الوطني من استرجاع رشاش ثقيل من عيار 5ر14 مم ورشاش ثقيل من نوع FMPK و59 مسدس رشاش من نوع كلاشينكوف وقاذف صواريخ من نوع RPG-7 وبندقية سيمونوف و4 مسدسات آلية و3 بنادق صيد وثمانية مقذوفات RPG-2 ومقذوفتين RPG-7 و78 مخزن ذخيرة.
كما تم استرجاع 3523 طلقة من مختلف العيارات وكشف أكثر من عشرة (10) قناطير من المواد الكيمياوية لصنع المتفجرات و150 لتر من حمض النتريك بالإضافة إلى كشف وتدمير 27 قنبلة يدوية و9 قنابل دخانية و10 ألغام تقليدية الصنع ومدفعين تقليدي الصنع.
إحصاء 15 جنديًا جزائريًا قتل في ظرف شهر واحد في اشتباكات مع الإرهابيين
و رغم أن حصيلة القضاء على الإرهابيين معتبرة خلال فترة وجيزة،هي 3 أشهر فقط،و رغم تثمين هؤلاء الحقوقيين للعمل الجبار الذي تقوم به قوات الجيش الجزائري في مكافحة الإرهاب إلا أنهم يتساءلون عن الأسباب و المبررات التي تحول دون “تنوير الرأي العام الجزائري” بعدد قتلى الجيش الجزائري في هذه العمليات العسكرية المتواصلة،و يجزمون أن العدد كبير و قد يكون صادم و ينصحون السلطات العسكرية بكشف أوراقها و ذكر حصيلة الجنود الجزائريين الذين قُتلوا في عمليات مطاردة فلول الجماعات الإرهابية بشفافية و دون تعتيم لأننا أصبحنا في عالم ضيق جدًا و كل ما يحدث حولنا نعلم به عكس سنوات تسعينيات القرن الماضي،عندما كان الشعب الجزائري تنفذ في حقه مجازر فظيعة في صمت و في جنح الظلام.
و أشار الحقوقي الجزائري “عبد العالي مزراق” لـــــ”أنباء تونس” أنه و في ظرف شهر واحد فقط و استنادًا إلى محادثات تمت مع أصدقاء وأقارب القتلى وتدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي ومسؤولين في مقابر عبر عدة مدن جزائرية تم التحقق من مقتل 15 جنديًا جزائريًا من أواخر شهر فيفري إلى أواخر شهر مارس.و أضاف أن طريقة مقتلهم تختلف و تتعدد بين تلقي رصاصات أو في انفجار قنابل يدوية و ألغام أرضية خلال الاشتباكات مع الإرهابيين أثناء عمليات المداهمة و التمشيط.
ولا تعترف المؤسسة العسكرية الجزائرية بشكل رسمي بوجود أو تسجيل ضحايا في صفوف الجيش الجزائري ولا تكشف عن أرقام الخسائر في صفوفهم خلال عمليات مطاردة و تعقب الإرهابيين. رغم أن ذات المؤسسة العسكرية ممثلة في وزارة الدفاع الوطني لا تتوانى في ذكر و بشكل يومي حصيلة القضاء على الإرهابيين،رغم أن عمليات القضاء على الإرهابيين يقوم بها جنود و عساكر و من المستحيل الحديث عن سقوط ضحايا في صفوف الجماعات الإرهابية دون الحديث عن سقوط ضحايا آخرين في صفوف الجيش الجزائري.
والعدد الإجمالي الرسمي لقتلى الجيش الجزائري منذ شروعه في محاربة الجماعات الإرهابية سواء خلال فترة الأزمة الأمنية ما بين 1992-2000 أو ما بعدها غير معروف و لكن المؤكد أنه كبير و مخيف .و تجدر الإشارة إلى أن خسائر الجيش الجزائري البشرية و المادية تعتبر من أسرار الدولة و أنها من الخطوط الحمراء الممنوع التطرق إليها.
أمهات و آباء مفجوعين دفنوا “فلذات أكبادهم” في صمت؟
“أنباء تونس” التقت عدد من أقارب و أهالي الجنود الجزائريين الذين قُتلوا في اشتباكات مع الإرهابيين خلال عمليات التمشيط و المداهمة و المطاردة و التعقب ينتشرون في عدة ولايات جزائرية،من بينهم “محمود.ك” الذي ينحدر من مدينة عين مليلة بولاية أم البواقي-شرق الجزائر-و هو أب فقد 3 من أبناءه كانوا منخرطين في صفوف الجيش الجزائري ،قال و الحسرة و الحزن باديان على محياه:” ما حزّ في نفسي كثيرًا هو أن أبنائي الثلاثة الذين استشهدوا فداء للوطن لم يتم الحديث عنهم أو الإشارة إليهم و كأنهم “كلابًا” و حتى عندما أردنا أن نقيم لهم جنازة و مأتم تم منعنا تلافيًا للبلبة” و أضاف و الدموع تنهمر من عينه :” من حق الدولة أن تفعل ما تريد لكن ليس من حقها أن تتدخل في كيفية دفن أبنائي و تحذيري من مغبة إقامة جنازة و مأتم”.
أما الحاجة “زليخة.ط” المنحدرة من مدينة سدراتة بولاية سوق أهراس-شرق الجزائر-فقد أخبرتنا أن ابنها قُتل في أعالي جبل الوحش بقسنطينة-شرق الجزائر-بعد إنفجار لغم أرضي أفضى إلى وفاته في عين المكان و أنه لم يُسمح لها القاء النظرة الأخيرة على فلذة كبدها و هو الوحيد لها لأنه كان مجرد أشلاء و من الصعب رؤيته و التعرف عليه لأن انفجار اللغم الأرضي جعله أشلاء متناثرة و تم جمعها بصعوبة كبيرة،و تم دفنه و أنها تذهب بشكل يومي للمقبرة للترحم عليه و إحساس يخالجها مفاده أن هذا القبر ليس لابنها و قالت أنه أثناء عملية دفن ابنها طلبوا منها عدم القيام بأي جنازة أو مأتم أو عزاء لدواع أمنية محضة.مشيرة إلى أنه من الصعب الاقتناع و التسليم بأن الذي دفنته هو ابنها لأنها لم تشاهد جثته.
الناشط الحقوقي عبد العالي أوضح لـــ”أنباء تونس” أن معظم أهالي و أقارب الجنود ضحايا العمليات الإرهابية لم يتم إبلاغهم من طرف السلطات العسكرية الجزائرية بأي معلومات تذكر بشأن كيفية وفاة الجنود و كل ما تم إعلامهم به هو أنهم “استشهدوا في سبيل الوطن” أو “ضحايا الواجب الوطني”.
شارك رأيك