تتوالى الاحتجاجات بالمناطق المهمّشة بالبلاد ولا تجد الحكومة إلا الوعود والتعهّد بتحقيقها. أما النجاح الحقيقي في مقاومة التهميش فيقتضي الجرأة في التصدّي للتهميش الخارجي الذي تعاني منه البلاد.
بقلم: فرحات عثمان
وضع تونس على المستوى الدولي ليس أقل تهميشا من وضع الشعب داخليا في المناطق المهمّشة؛ فالبلاد أصبحت مهمّشة على الساحة الدولية، إذ ترزح تحت نير فوائد قروض قديمة لم يقع إبطالها وأخرى جديدة لا فائدة اقتصادية منها، بل المزيد من الفوائض والقيود. لذا، لا تجد السلطات الحرية في التصرف في منوالها الاقتصادي والاجتماعي لما يفرضه عليها دائنوها من شروط وإملاءات.
فهلا جابهت السلط هذا التهميش للنجاح في فض مشاكل البلاد الداخلية، فالحل متوفر ولا يقتضي إلا الشجاعة؟ إننا لا نتردد في الإتيان بحكّامٍ من خارج الوطن لمباريات كرة القدم؛ فإذا لم تتوفر الثقة في الرياضة، هل هي مضمونة في السياسة، خاصة وأن المنظومة القانونية على حالها منذ الاحتلال والديكتاتورية؟
العلاقات غير العادلة مع الغرب:
العلاقات الحالية بين تونس والغرب ليست في صالح البلاد لتبعيتها للمنظومة الاقتصادية الرأسمالية؛ وقد زاد الطين بلة الهجمة التي تتعرّض لها البلاد من طرف رأس المال المتوحش في نطاق تحالفه مع متزمتي الإسلام. ولإن كان من صالح تونس عدم القطع مع الغرب لتبعيتها العضوية لاقتصاده، فلا بد من القطع مع التهميش الحالي لمصالح الشعب نظرا لعلوية المصالح الغربية.
ليس للدوّامة التي فيها البلاد، بين اقتراضٍ وتسديد خدمات ديونٍ، أن تتواصل لأن فيها الهلاك. وقد رأينا إلى أي حد وصلت الأمور في رهن القرار التونسي بسبب ديون العهد البائد، التي كان من الواجب إبطالها، والمطالب المجحفة في حق عموم الشعب التونسي التي يفرضها منطق رأسمال الغربي. خاصة وأن الشراكة الحالية مع الاتحاد الأوروبي لا تمثّل إلا ما نعته مالك بن نبي بالقابلية للاحتلال؛ وهو اليوم افتراضي، يتمثل في ارتباطٍ عضوي بالاتحاد الأوروبي وخضوعٍ لرغباته على حساب مصالح شعبنا المشروعة.
وجوب الانضمام للاتحاد الأوروبي:
بما أنه لا مناص من التبعية التونسية للغرب، فمن الواجب الارتفاع بها من المستوى اللاشكلي الحالي إلى مستوًى رسميٍ يكون أعدل، وذلك بالمطالبة بالإنضمام إلى الاتحاد الأوروبي. مع العلم أن الديبلوماسية التونسية في عهد النظام السابق توصّلت إلى الحصول على جميع امتيازات الأعضاء بالاتحاد سوى صفة العضو. هذا ما كانت عليه الحال قبل الثورة؛ لذا، من الواجب تطوّر الأمور إلى الأفضل بقفزة نوعية، هي الحصول على صفة العضو في الإتحاد الأوروبي.
طبعا، ليست من مصلحة أوروبا عرض الانضمام على بلدنا، إذ وضعيته الحالية توافق مصالحها الأنانية؛ لذا علينا المطالبة بها والحرص على تحقيقيها في أقرب الأوقات. بذلك نتحرر من العلاقة غير المنصفة الحالية مع الاتحاد الأوروبي وغيره، وخاصة صندوق النقد الدولي، فتخف الوطأة على اقتصادنا بحصول تونس على الإعانات الضرورية لتأهيل البلاد للانضمام الذي يتم في فترة من الزمن تصبح فيها التبعية الحالية مثمّنة بحقوقٍ محسوسةٍ. ولا شك أن هذا يكون بالغ الأهمية بامتداد المنظومة القانونية الغربية إلى تونس، فيصبح للقانون فيها مفعولا أكبر يسمح للدولة صاعدا التصدّي لكل الانحرافات الحالية والخروقات لدولة القانون.
في هذه الفترة الانتقالية، لا بد أيضا للسلط التونسية الإسراع بالمطالبة بفتح الحدود بآلية تأشيرة المرور تُعمّم على كل التونسيين مجّانا. فحصول الشباب التونسي على حق التنقل بحرية يكون له الوقع الكبير، ما من شأنه فتح آفاقٍ جديدةٍ له تضع حدا للإحباط الحالي الذي يعيشه داخل حدود البلاد تحت نير قوانين مجحفة تمنعه من الحقوق والحريات التي تدفع به من عيش سالم مسالم إلى المهالك.
*المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .
شارك رأيك