من الجزائر : عمار قردود
استدعت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية،أمس ، سفير تونس لدى الجزائر، عبد المجيد الفرشيشي، لتقديم توضيحات بخصوص تصريحات منسوبة لوزير الشؤون المحلية والبيئة التونسي رياض المؤخر بخصوص الجزائر.
و قد أثارت تصريحات أدلى بها وزير البيئة التونسي رياض المؤخر خلال مشاركته في الملتقى الدولي “تونس أمل المتوسط”، الذي نظم مؤخرًا بالعاصمة الإيطالية (روما)، إنه عندما يُسأل: أين تقع تونس؟ يفضل القول إنها تقع تحت إيطاليا، على القول إنها تقع بين ليبيا بلد القذافي والجزائر الدولة الشيوعية،غضبًا كبيًرا وردود أفعال قوية من قبل ناشطين ومثقفين وإعلاميين وشخصيات سياسية جزائرية بارزة.
واعتبر عدد من الجزائريين أن تصريحات المسؤول التونسي هي “إساءة لا يجب السكوت عليها و ترك هذا يمر مرور الكرام” و أنها ” مساس خطير بسمعة الجزائر بلد المليون و نصف المليون شهيد” و أن “الجزائر لم تكن يومًا شيوعية بل هي إسلامية القلب و القالب” و طالبوا السلطات الجزائرية بالإسراع في الرد الرسمي على هذه التصريحات المهينة في حق الجزائر و الجزائريين و مطالبة المسؤول التونسي بالاعتذار السريع عما بدر منه في حق الجزائر دولة و شعبًا.فيما فتحت الصحافة الجزائرية النار على الوزير التونسي و وصفت تصريحاته الخطيرة باللامسؤولة.
و رغم أنه لم يصدر حتى الآن رد فعل رسمي من المسؤولين الجزائريين لانشغالهم بالانتخابات التشريعية التي جرت يوم الخميس الماضي،إلا أن مصدر دبلوماسي جزائري مطلع كشف لــــ”أنباء تونس” أن وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية طلبت من سفيرها لدى تونس عبد القادر حجار بالتحرك الفوري و الاستفسار عن فحوى هذه التصريحات و التأكد من صحتها قبل اتخاذ الموقف المناسب،و أن السفير الجزائري لدى تونس يكون قد اتصل يوم الجمعة الماضي بمسؤولين تونسيين بارزين لطلب توضيحات في هذا الموضوع.كما أن وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية ستستدعي غدًا الأحد أو يوم الإثنين المقبل كأقصى تقدير السفير التونسي لدى الجزائر لاستفساره حول الموضوع.فيما طالب بعض السياسيين و البرلمانيين الجزائريين من الحكومة الجزائرية منع دخول الوزير التونسي إلى الجزائر و عدم التعامل معه بأي شكل من الأشكال.
أما في تونس فقد أعلن حزب نداء تونس الحاكم، أمس الجمعة، إن التصريحات المنسوبة إلى وزير البيئة التونسي رياض المؤخر والتي وصف فيها الجزائر بالدولة الشيوعية، لن تؤثر على علاقات البلدين المتينة. وحسب بيان لحزب نداء تونس منشور على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي”فايسبوك”، فإن “العلاقات التونسية – الجزائرية والعلاقات التونسية – الليبية هي علاقات أخوة وشراكة استراتيجية تندرج ضمن رابطة الهوية المغاربية والعربية الإسلامية …و لا يمكن أن تمس من متانتها أي تصريحات كلامية عابرة مهما كان قائلها”.
وأوضح “إن تونس متشبثة بمشروع التكامل المغاربي وشراكتها مع أشقائها من أجل مواجهة تحديات المستقبل معا، وترى حركة نداء تونس أن الأفق المغاربي هو الأفق الطبيعي لمشروع تونس الحضاري والمحدد الأساسي لسياستها الخارجية”.
من جانبه سارع الوزير التونسي الذي أدلى بهذه التصريحات المثيرة للجدل إلى نشر على صفحته الرسمية على “فايسبوك”، توضيحًا بشأن هذه التصريحات المنسوبة إليه، أكد فيه أنه تم إخراجها عن سياقها الحقيقي .
وأوضح “استغرب لتوظيف البعض لتصريحي ومحاولة الإساءة لمتانة العلاقة الأخوية بين تونس والجزائر الضاربة في التاريخ. وهو موقف ثابت لتونس حكومة وشعبا”.
وحسب رواية الوزير التونسي الذي ينتمي لحزب “آفاق تونس”، فإن ما قاله هو “أن ما تم نشره بشأن الشقيقة الجزائر والذي ورد في إطار الطابع الودي الذي ميز أشغال الندوة، يأتي كتفاعل مع دعابة وردت على لسان وزير الخارجية الإيطالي الذي قال انه من شرفة بيته يرى تونس”.
وأضاف “فقد علقت على هذه الدعابة بتصريح مفاده عدم إلمام بعض الأمريكيين في فترة التسعينات بالموقع الجغرافي لتونس، حيث أنه عندما كنت أقدم نفسي كوافد من تونس “Tunisia ” يقولون اندونيسيا، وعندما أقول إن تونس تقع على الحدود مع الشقيقة ليبيا يعلقون بان ليبيا بلد يعيش ديكتاتورية معمر القذافي وأما بالنسبة للشقيقة الجزائر يردفون أن الجزائر بلد شيوعي ويتساءلون هل تونس يحكمها نظام شيوعي؟”.
و يبدو أن ردود الفعل القوية و الغاضبة من طرف الجزائريين أزعجت الوزير التونسي و لم يكتف بنشره لتوضيحات على صفحته الرسمية على “الفايسبوك” و أوضح رياض المؤخر في تصريح لموقع نسمـــة أنه تم إخراج كلامه من سياقه، مشيرا إلى أن عديد الصحفيين كانوا على عين المكان سيؤكدون أنه وقع التلاعب بتصريحاته
وأفاد المؤخر أن وزير الخارجية الإيطالي قال مداعبا بأنه يسكن في جنوب إيطاليا وبإمكانه رؤية تونس من منزله فأجابه بأنه، لما كان طالبا في أمريكا، كان يضطر للقول بأن تونس تقع تحت إيطاليا لأن الأمريكيين يعتقدون أن الجزائر بلد شيوعي ولا يعرفون ليبيا إلا عبر القذافي، مضيفا عندما أقول لهم أن تونس تقع في إفريقيا يسألونني دائما لماذا لون بشرتي ليس أسمر.
وقد أثارت تصريحات وزير البيئة التونسي رياض المؤخر جدلاً واسعًا في تونس كما الجزائر و ليبيا،و ذهب بعض التونسيين إلى حد مطالبة رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد بإقالة هذا الوزير الذي قد يتسبب في خلق أزمة ديبلوماسية بين تونس و الجزائر و ليبيا في حال عدم الإسراع لتدارك الأمور.
حيث أصدر الاتحاد العام التونسي للشغل بيان من توقيع أمينه العام نور الدين الطبوبى جاء فيه “شكلت التصريحات الأخيرة لوزير الشؤون المحلية والبيئة في إيطاليا مسّا من مكانة الشقيقتين الجزائر وليبيا، وَإِنَّ المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشّغل، إذ يدين مثل هذه التصريحات غير المسؤولة التي تكرّرت سابقا، فإنّه:
يذكّر بمكانة هذين البلدين في قلوب التونسيات والتونسيين وبالعمق الجغرافي التاريخي والحضاري وبالمصير المشترك بينهما وبين تونس.
يعتبر الإساءة الى الجزائر هي أضرار بمصالح تونس وإلى علاقتها الأخوية العريقة معها.
يؤكّد أنّه كان على الحكومة التونسية أن تلعب دورا رئيسيا في إخراج ليبيا من محنة الاحتراب والاقتتال بمبادرات فعّالة وحاسمة تتعاون مع الجزائر في الدفع إلى حلّ للأزمة اللّيبية.
يدعو إلى اتّخاذ إجراءات كفيلة بتجاوز مثل هذه التصريحات، وإلى بناء استراتيجية ناجعة لتطوير العلاقة مع الشقيقتين الجزائر وليبيا.
يتوجَّه بالشكر إلى اتحاد عمَّال الجزائر على مبادرته تشجيع إخواننا الجزائريين على زيارة تونس والتوجُّه إليها لقضاء عطلهم، وعلى مبادرة إقامة المنتدى الاقتصادي المشترك خلال شهر سبتمبر ويعتبر ذلك مساهمة نقابية وشعبية هامة في تمتين العلاقة بين البلدين ودعم التعاون الثنائي”.
وفي تعليق له عبر صفحته الرسمية على “الفايسبوك”، اعتذر القيادي في حركة النهضة عبد اللطيف المكي من الشعب الجزائري “نحن معتزون بانتماء بلادنا العربي الإسلامي الإفريقي وخاصة بجارتينا الشقيقتين الجزائر وليبيا حيث تجمعنا أخوة التاريخ والحاضر نتقاسم الأفراح والأتراح وحيث التداخل الأمني والاقتصادي والاجتماعي وحيث وحدة المستقبل.. ولن يغير هذه الحقائق أي ريح فما بالك بالسهام الطائشة. ونحن متمسكون أيضا بالانفتاح على العالم خاصة منه القريب منا أي دول المتوسط فمعذرة لإخواننا الجزائريين والليبيين إن صدر ما يجرح مشاعرهم”.
في حين قال شاكر بوعجيلة المكلف السابق بالإعلام لدى رئاسة الجمهورية التونسية، إن هذا التصريح يمكن أن يخلق أزمة بين تونس والجزائر وليبيا.
وكتب المفكر التونسي سامي براهم الآتي عبر صفحته الرسمية بــــ”الفايسبوك” : “تونس تحت إيطاليا !!! ، من يعرف الخريطة يعلم أنّ إيطاليا في شكل حذاء ، و من يعرف التّاريخ القديم يعلم أنّ صقليّة كانت جزء من تونس ، و أنّ إفريقيّة كانت تمتدّ إلى الجزائر و ليبيا و من يعرف التّاريخ الحديث و المعاصر يعلم أنّ المغرب العربي حلم شعوب المنطقة و أملها للانعتاق من مخلّفات الاستعمار و من يفهم في السياسة قليلا يعلم أنّ تصريحا بمثل هذا الغباء الجيوستراتيجي يشوّش على حزب سياسي و يدمّر مسار رجل سياسة”.
وزراء و مسؤولون تونسيون أدلوا بتصريحات مسيئة للجزائر
و ليست هذه هي المرة الأولى التي يدلي فيها وزراء تونسيين بتصريحات مثيرة و خطيرة و غير لائقة في حق الجزائر،حيث سبق لوزير الدفاع التونسي أن اعتبر في احدى تصريحاته للصحافة الدولية في أكتوبر2015 . ان الإرهاب في تونس مصدره الجزائر وليبيا.
وأكدت وزارة الدفاع التونسي وقتها أن تصريح الوزير فرحات الحرشاني كما جاء في صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية لم يتضمن أية إشارة لا من قريب أو من بعيد إلى أن الجزائر تصدر الإرهاب إلى تونس. وأضافت الوزارة في بيان توضيحي أن علاقات الاخوة الثنائية بين تونس والجزائر وبين الجيشين التونسي والجزائري أعمق من أن تعكر صفوها تعاليق خاطئة لا تمت للحقيقة بصلة.
وشدد البيان على أن الحكومة التونسية ووزارة الدفاع الوطني خصوصًا ما فتئت تثمن في التصريحات الرسمية لمسؤوليها التعاون المشترك التونسي الجزائري في المجال العسكري سواء المتعلق منه بتأمين الحدود المشتركة أو بتبادل الخبرات والتدريبات.
من جهة أخرى اعتبر البيان أن وزير الدفاع فرحات الحرشاني تطرق في تصريحاته خلال لقائه بمجموعة من الصحفيين إلى التهديدات القادمة لتونس من الجنوب بدرجة أولى ثم إلى الخطر الذي تمثله المجموعات الإرهابية المتمركزة بالمرتفعات الغربية للبلاد والمتاخمة للحدود مع الجزائر والتي وصفها بالأخطار الخارجية الداخلية نظرًا لأنها مجموعات تتنقل بين تونس والجزائر خاصة بعد ضغط القوات التونسية والجزائرية كل من جهته.
وأضافت وزارة الدفاع أن هذه المعطيات ليست جديدة وأنه تم تقديمها عديد المرات في السابق ولم تحدث حولها تجاذبات.
غير انه في رده على تصريحات وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني ، قال رئيس الحكومة التونسية الأسبق حمادي الجبالي ان التصريحات التي نسمعها بين الفينة والأخرى وتتحدث عن الجزائر، من شأنها أن تؤزم العلاقات التي تجمعنا مع الجزائر.
مطالب جزائرية بإقالة الوزير المؤخر كترضية للجزائريين
و يُطالب الجزائريين بإقالة وزير الشؤون المحلية و البيئة التونسي رياض المؤخر بسبب تصريحاته المسيئة للجزائر،مثلما تمت إقالة وزير الشؤون الدينية التونسي محمد بن سالم، من مهامه، غداة تصريحه في البرلمان التونسي بأن الوهابية هي سبب التكفير والإرهاب، حيث قام رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد بإقالة عبد الجليل بن سالم، والذي برره بأنه لـ”عدم احترامه لضوابط العمل الحكومي وتصريحاته التي مست بمبادئ وثوابت الدبلوماسية التونسية”، و هو محاولة لإرضاء السعودية.و لهذا يرى الجزائريين أنه في إقالة وزير البيئة رياض المؤخر إرضاء للجزائر لأن السعودية ليست أفضل من الجزائر حسبهم.
شارك رأيك