وجدي مساعد
من المنتظر ان يلقي رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بعد غد الأربعاء خطابا يتوجه به إلى الشعب التونسي عله يخفف به وطأة التطورات الخطيرة التي أضحت تعيش عليها البلاد خلال السنوات الماضية.
و يتساءل الملاحظون و المتتبعون للشأن السياسي والأمني عندنا و حتى التنموي بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى ما عساه يكون حاملا في طياته هذا الخطاب من إجراءات مصيرية تغير سير الأحداث و تضع البلاد من جديد على سكة الانعتاق و الإنقاذ الحقيقي دونما غوغاء و بعيدا عن البيانات السياسوية التي لم يجن منها المواطن إلا الشقاء و الخصاصة.
و إذ يحدونا الأمل في أن يتصف خطاب رئيس الدولة بالواقعية و أن يكون مثقلا بإجراءات جريئة و عملية تقطع مع السهولة وتؤسس للصرامة اللازمة و المطلوبة، فقد ارتأينا أن نضع بين يدي سيادة الرئيس و كامل فريق المستشارين من حوله جملة الاستنتاجات التي اهتدى إليها احد الخبراء الأجانب عند تقييمه للوضع الراهن في بلادنا بما هو وضع معقد و متضارب، وضع ازداد تعقيدا و انفلاتا و تأزما مند ما اصطلح على تسميته بثورة الحرية و الكرامة، ثورة الياسمين المبشرة بالربيع العربي و أي ربيع هذا الذي أكمل نهاية الجغرافيا العربية بعد أن شرع الغرب الغاشم في تفتيتها منذ أواسط القرن العشرين.
الخبير الذي نقصد هو ألماني الجنسية، ممثل مؤسسة “كونراد أدينوار” في تونس المدعو هولجر ديكس الذي حاول النظر إلى المشهد المتاح بعين أجنبية هي قريبة أكثر ما يمكن من التجرد والموضوعية.
الرجل خرج من معاينته باستنتاجات أربعة تناولها بالتفسير والتحليل مؤخرا في فضاء خير الدين. تحدث الرجل وفي نبراته شيء من الاستغراب و الدهشة من شعب لم يحسن استغلال الفرصة التاريخية التي توفرت له، فرصة الانعتاق و التحرر قصد التاسيس لمنظومة سياسية جديدة و لمنهج آخر للحكم قوامه الديمقراطية و حرية التعبير والاختيارو عمادها مؤسسات الجمهورية التي وإن أقيم صرحها منذ استقلال البلاد سنة 1956 فإنها لم تتمكن من الاضطلاع بوظيفتها و مهامها على الوجه المطلوب.
أولى هذه الاستنتاجات هو أن قدومه إلى تونس في بدايات شهر جانفي 2017 تزامن مع احتفالات الشعب التونسي بعيده الوطني ذكرى 14 جانفي 2011 . فما كان منه إلا تقديم التهاني للتونسيين بهذا العيد فتأتيه الإجابة بشكل من الغرابة غير منتظر= “لم نؤمن بذلك بعد حقيقة”. عندها تساءل في قرارة نفسه عما يمكن فعله لشحذ العزائم و تحريكها إذا ما ظل الفكر شاردا غير قادر على التأقلم والمتابعة.
و تعلق الاستنتاج الثاني بالمسؤولين السياسيين الذين وجدهم يلهثون وراء التوافق وهو ما يتعارض صراحة مع روح دستور الجمهورية الثانية الذي يؤسس للتنافس بين التشكيلات السياسية. فعوض التباري و التنافس على الحكم والاحتكام إلى صناديق الاقتراع وفق برامج انتخابية مضبوطة و مدققة فإنهم قد هرعوا إلى التوافق الذي قتل فيهم ملكة القدرة على اتخاذ القرار.
و بالفعل يرى المحلل الألماني –في استنتاجه الثالث – أنه بالرغم من وجود المؤسسات الدستورية الثلاثة وهي مجلس نواب الشعب و رئاسة الجمهورية و رئاسة الحكومة فقد انتفت القدرة على اتخاذ القرار ناهيك و أن أعضاء مجلس النواب و هم مصدر القرار ينتظرون من الحكومة وهي السلطة التنفيذية بلا منازع أن تقرر في مكانهم بحيث ظل المواطن المتعود على النظام الرئاسي ينظر دوما إلى قصر قرطاج على أنه مصدر كل القرارات على الرغم من وجود النظام البرلماني أو شبه البرلماني الذي يحد يشكل واضح و كبير من صلاحيات رئيس الجمهورية.
أما الاستنتاج الرابع و الأخير فيتعلق بالبحث من قبل الحكام في تونس عن المزيد من الدعم الأجنبي إذ يلاحظ ممثل مؤسسة كونراد اديناورأن الدعم الأجنبي لتونس بلغ أقصاه على الصعيدين السياسي و المالي و أن أغلب ما تعدها المؤسسة التي يمثلها من برامج تنجز لفائدة تونس. غير أن المشكل يكمن في عدم القدرة على استعمال هذا الزخم من الدعم والمساعدة الأجنبية. فقد قالها صراحة هذا الخبير الألماني ” ينبغي التوصل إلى الاستعمال الأفضل للإمكانيات المتاحة قبل المطالبة بالمزيد من الدعم”.
و تساءل في خاتمة كلامه عن القيم والمبادئ الكفيلة بإكساب المجتمع التونسي المزيد من الصلابة و القدرة على الصمود و رفع التحديات و كسب الرهانات.
و إذ لم يجد لسؤاله هذا إجابة واضحة وضافية فإنه بقي على يقين من أن وجود مجتمع مدني بمكونات ثرية و فاعلة يشكل قوة ضاربة بها يمكن للتونسيين تحقيق طموحاتهم في شتى المجالات ولا سيما طموحات الشباب في السيطرة على معضلة البطالة.
شارك رأيك