بقلم إيهاب غربي
شكلت الأحداث الأخيرة في تطاوين منعرجا حاسما في مسار العلاقة بين النهضة والنداء.مسار قد ينتهي إلى قطيعة تبدو منطقية في ظل التصدعات التي ما انفك يشهدها هذا التحالف بين الشيخين.
لعب اللقاء التاريخي الذي جمع الباجي والغنوشي في باريس أواخر 2013 دورا هاما في الخارطة السياسية التونسية،إذ ضمنت النهضة للباجي صعوده على كرسي قرطاج والاعتراف برموز العهد السابق والسماح لهم بالعودة إلى الأضواء في مقابل ضمان الباجي لإخوان تونس عدم محاسبتهم عما اقترفوه من أخطاء جسيمة في فترة حكم الترويكا.وقد كرست نتائج إنتخابات 2014 المسار التوافقي بين الشيخين الذي اتفق عليه من قبل.
شكلت النهضة ضلعا رئيسيا في حكومة الحبيب الصيد خلال سنة ونصف من فترة رئاسته للحكومة، ثم دعمت مبادرة الوحدة الوطنية التي إقترحها الباجي كما وقعت النهضة على وثيقة قرطاج وأيدت تعيين يوسف الشاهد رئيسا للحكومة رغم الجدل الكبير الذي حام حول تعيينه.
وأعطت حركة النهضة الإنطباع منذ 2014 على أنها حزب مسؤول يراعي المصلحة الوطنية قبل المصالح الضيقة للحركة وقد واجه الغنوشي
طيفا واسعا من القواعد بالإضافة إلى عدة قيادات كبرى في الحزب من الصقور كعلي العريض والصادق شورو وكذلك الحبيب اللوز الذين كانوا يعارضون بشدة التحالف مع نداء تونس.
لكن السياسة البراغماتية التي كان يعتمدها الغنوشي مع خصوم الأمس لم تكن سوى تمويه من رجل داهية يتقن جيدا إخفاء أوراقه.فحركة النهضة و إن كانت في الظاهر تدعم التوافق والاستقرار السياسي في البلاد ، ولكنها في الواقع كانت تعمل في اتجاه آخر.
فقبول حركة النهضة قسمة كعكة الحكم مع النداء ليس سوى نتيجة تغير المعطيات الجيوسياسية التي تبلورت في الهزيمة الساحقة لتنظيم الإخوان
المسلمين في مصر وسوريا وضعف المحور القطري التركي بالإضافة إلى تصنيف تنظيم الإخوان كتنظيم إرهابي من قبل الولايات
المتحدة.كل هذه العوامل الاقليمية والدولية ساهمت في تغير الاستراتيجية السياسية المعتمدة من قبل حركة النهضة في مواجهة خصومها السياسيين.
لقد خدعت حركة النهضة الجميع بشراكتها في الحكم مع نداء تونس إذ أن إخوان تونس كانوا أقرب إلى المعارضة منهم إلى الحكومة.
لم تتخلى حركة النهضة عن حلفائها السابقين في الترويكا،بل إنها اعتمدت على حراك تونس الإرادة والتيار الديمقراطي إضافة إلى حركة الشعب كحديقة خلفية لها في المعارضة .حيث أضحى الغنوشي يحرك هذه الأحزاب كالدمى المتحركة خدمة لمصالح النهضة ووفقا للتطورات السياسية.
لم يكن إعتصام الكامور في تطاوين عفويا ،بل إنها خطة محكمة سطرتها حركة النهضة من أجل تأجيج الوضع في الجنوب مستغلة المطالب المشروعة للعاطلين عن العمل في الجهة.حيث حضر سعيد الشلبي الوجه النهضاوي المتهم باغتيال لطفي نقض
كأبرز قيادات اعتصام االكامور كما قاد كل من ريكوبا ودغيج المظاهرة التي أقيمت في شارع بورقيبة احتجاجا على وفاة أنور السكرافي أحد المحتجين في إعتصام الكامور وهو ما يؤكد تورط حركة النهضة مع حليفها المرزوقي في أحداث تطاوين.
كما أن مطالب المحتجين في إعتصام الكامور هي نفسها المطالب التي رفعت في 2015 من خلال حملة وينو البترول التي كانت برعاية النهضة والحراك.
في 23 ماي الفارط تم إيقاف رجل الاعمال المشهور شفيق الجراية بعد عودته من سويسرا ووضع تحت الإقامة الجبرية بتهمة الفساد
والتآمر على الأمن القومي. وقد شكل إعتقال جراية حدثا سياسيا بارزا في تونس خاصة أن الأخير قريب جدا من راشد الغنوشي رغم انتمائه
لنداء تونس وقد استعمله رئيس حركة النهضة من أجل تفكيك النداء و إضعافه و قد نجح شفيق الجراية في مهمته نجاحا باهرا.
علاوة على ذلك ، ارتبط الجراية بعلاقات وثيقة مع عبد الحكيم بلحاج واخوان ليبيا وقد حضر الجراية اجتماعا في سويسرا بحضور عبد الحكيم بلحاج و قيادات اخوانية اخرى كخالد الشريف و محمد صوان.وقد كان شفيق الجراية ينوي عقد صفقات سلاح مع جون ايف اولييفيه وهو تاجر سلاح فرنسي بهدف مساعدة الميليشيات الإسلامية المسلحة التابعة لإخوان ليبيا في مواجهة الجيش الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر في المعركة المنتظرة بينهم في طرابلس.
بالتالي،فإن إيقاف الشاهد لشفيق الجراية يعد خدمة جليلة للباجي وابنه حافظ الذي تخلص من منافس شرس في الحزب ،كما أن إيقاف شفيق
جراية يعد ضربة قاصمة يوجهها الباجي للغنوشي لأهمية الجراية في المعادلة الليبية عند الإخوان .لذلك فإن حركة النهضة هي الخاسر رقم واحد في قضية شفيق الجراية.
لا يعد ملف الفساد السبب الرئيسي وراء إيقاف شفيق الجراية بل إن توتر العلاقة بين الباجي والغنوشي في الآونة الأخيرة وتورط إخوان تونس في أحداث تطاوين هي الأسباب الحقيقية التي تسببت في الإيقاع بجراية. هذا دون إغفال الأطراف الخارجية وخاصة فرنسا التي لم تعد ترغب في وجود شفيق جراية على خشبة مسرح السياسة.
شارك رأيك