الرئيسية » المنظمات الارهابية في الساحل الافريقي والمغرب العربي: الحاضر والمستقبل

المنظمات الارهابية في الساحل الافريقي والمغرب العربي: الحاضر والمستقبل

بقلم بوعزي الاسعد

 

حينما تشرع في دراسة المنظمات الارهابية في منطقة الساحل الافريقي والمغرب العربي، فإنك سرعان ما تجد نفسك امام خريطة معقدة تنطوي علي مجموعات ودوائر متشابكة بحكم تشابك الاهداف التي تسعى هذه المجموعات الى تحقيقها وكذلك بحكم الفضاء الجغرافي الذي يجمعها والتحالفات الغير مستقرة التي تربطها.

هي خريطة غير ثابتة لكونها تتغير بتغير الوضع السياسي والأمني بالمنطقة وبتطور الوضع العسكري والجغراسياسي في كل من العراق والشام وأفغانستان وانعكاساته على الوضع في الشرق الاوسط وآسيا الصغرى بشكل عام، وعلى العلاقة بين تنظيم القاعدة والدولة الاسلامية بشكل خاص.

ولدراسة الجماعات الارهابية التي تنشط في الساحل ألإفريقي، لا بدّ من التذكير بظروف نشأتها بما يساعد على التعريف بها ثم شرح هيكلتها قبل الربيع العربي وبعده قبل تقديم نظرة استشرافية لما يمكن ان تؤول اليه هذه التنظيمات بعد القضاء على الدولة الاسلامية في منطقة الشرق الاوسط.

1) ظروف نشأة المنظمات الارهابية:
ولمعرفة الظروف التي ساعدت على ظهور اول التنظيمات الارهابية في المنطقة، لا بد من الوقوف في المحطات التاريخية التالية:

– بعد تولي الشاذلي بن جديد الحكم سنة 1979، شهدت الجزائر سنوات من الاضطرابات الغير مسبوقة بسبب تردي الاوضاع الاقتصادية ونتيجة لسياسة التعريب التي انتهجتها الحكومة والتي تعارضها منطقة القبائل والمفرنسين. هذا الوضع، تمخض عن ظاهرتين سوف يكون لهما تأثير كبير على شمال افريقيا ثم على منطقة الساحل الافريقي الذي يمثل امتدادها الجغرافي وبوابتها الجنوبية نحو ما تبقى من بلدان القارة السمراء:

*الظاهرة الاولى تتمثل في ظهور تيار اسلامي متشدد معادي للغرب ولكل الانظمة الشيوعية والاشتراكية بما فيها الجزائر وينادي بتطبيق الشريعة الاسلامية على غرار ما جاءت به الثورة الاسلامية في إيران،

* اما الظاهرة الثانية فهي نتاج الظاهرة الاولى وتتمثل في التحاق العديد من الشباب الجزائري بأفغانستان للجهاد الى جانب تنظيم القاعدة ضد الاتحاد السوفياتي لنصرة الاسلام في تلك الربوع وإقامة اول امارة للخلافة الاسلامية.

– وبعد الاحداث الطلابية والعمالية الدامية التي شهدتها البلاد سنة 1988، اقدم بن جديد على تعديل الدستور وإدخال التعددية الحزبية ما ادّى الى تأسيس الجبهة الاسلامية للإنقاذ بقيادة عباسي مدني وعلي بلحاج وبروزها كقوة سياسية منافسة لجبهة التحرير الوطني.

– وفي سنة 1991، بدا الصراع في البلاد بسبب الغاء نتائج الجولة الاولى من الانتخابات البرلمانية بعد الفوز الساحق والمفاجئ الذي سجلته الجبهة الاسلامية على منافسها الذي يمثل الحزب التاريخي للبلاد.
وعندما تم حضر الجبهة الإسلامية واعتقال قادتها والآلاف من أعضائها شنت المنظمات الاسلامية حملة ضد الحكومة وقامت بإنشاء جماعات مسلحة اتخذت من الجبال قاعدة لها وأعلنت الجهاد لقلب النظام وإعلان دولة الخلافة الاسلامية.

من أهم الجماعات المسلحة التي ظهرت على الساحة آنذاك، نذكر الجماعة الإسلامية المسلحة والحركة الإسلامية المسلحة والجبهة الإسلامية للجهاد المسلح وخاصة جماعة التكفير والهجرة التي شهدت عودة المقاتلين الافغان لتصبح اشد التنظيمات فتكا ودموية ما دفع بجبهة الإنقاذ الإسلامي إلى التبرؤ منها والتنديد بجرائمها.

– وفي سنة 1999، تم انتخاب عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للبلاد، فبادر بإصدار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي مهد الى حوار مع جبهة الانقاذ الاسلامي نتج عنه نزع اسلحتها ما شجع الجماعات الاسلامية على التفكك والاختفاء بمقتضى العفو التشريعي باستثناء مجموعة منشقة تسمى الجماعة السلفية للدعوة والجهاد التي بايعت اسامة بن لادن في اكتوبر 2003 لتصبح ما يعرف بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي. منذ ذلك الحين، لم تعد الجماعة السلفية للدعوة والجهاد تنظيما محليّا يسعى الى قلب نظام الحكم في الجزائر بل تنظيما اقليميا عابرا للحدود يهدف الى اسقاط كل الانظمة بمنطقة المغرب العربي وإقامة دولة الخلافة الاسلامية على انقاضها.

2) التعريف بالتنظيمات الإرهابية وبهيكلتها قبل الربيع العربي:
بادر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي منذ الاعلان عنه بزعامة عبد الملك درودكال الملقب “بأبي مصعب عبد الودود”، إلي هيكلة تنظيمه وتقوية شوكته في الجزائر بطريقة مدروسة حيث انشا ثلاثة مناطق عسكرية على الحدود الجزائرية بما يسمح له بفتح جبهات جديدة للجهاد، وتوسيع رقعته الجغرافية إلي الدول المجاورة:

• المنطقة الوسطى وتظم امارة الوسط التي تشرف على ثلاثة معسكرات، كل معسكر تتفرع منه عدة كتائب مقاتلة:

– المعسكر الأول “جند الأهوال”، ويتفرع منه ثلاث كتائب تتمركز في بعض الولايات الداخلية، وهي: “كتيبة الفتح”، وكتيبة أبي بكر الصديق، وكتيبة الأرقم. وتشهد ولاية بودمرداس الجزائرية النشاط الأوسع لكتائب هذا المعسكر بما يسمح بمهاجمة العاصمة.

– المعسكر الثاني، يعرف “بجند الأنصار”، وينبثق عنه ثلاث كتائب، تنشط كلها علي خط الحدود الشرقية للجزائر، وهي: كتيبة عثمان بن عفان، وكتيبة النور، وكتيبة علي بن طالب، وتتبع هذه الكتائب الى ولاية تيزي وزو اين يوجد المركز الجهوي للعمليات.

– أما المعسكر الثالث، فهو معسكر جند الاعتصام الذي يتكون من كتيبتين: كتيبة المهدي، وكتيبة الفاروق، وتركز هذه الكتائب نشاطها علي أكبر مساحة من الشرق الجزائري.

• المنطقة الجنوبية وتظم إمارة الصحراء التي تمتد من موريتانيا وجنوب الجزائر غربا الى ليبيا والتشاد شرقا مرورا بكل من مالي والنيجر ونيجيريا. وان اختيار منطقة الساحل للتمدد جنوبا فرضته متغيرات عسكرية وإستراتيجية نذكر من اهمها:

– تغير العقيدة الجاهدية للقاعدة التي اصبحت تهدف الى مقاتلة العدو البعيد وهو ما يعني استهداف المصالح الغربية بعدما كانت تعطي الاولوية الى محاربة العدو القريب للاطاحة بالنظام القائم،

– تغيير المجموعة السلفية للدعوة والجهاد لاستراتيجيتها للتتبنى استراتيجية القاعدة التي تهدف الى ايجاد فضاءا جغرافيا خارج ميدان عملياتها التقليدي لاستعماله كقاعدة خلفية او كملجأ بديل متى تطلب الامر ذلك،

– الاستيلاء على طرق التجارة والإمدادات الصحراوية لإيجاد موارد للتمويل والدعم اللوجستي. وهنا لا بد من الاشارة الى ان الطريق التي كانت ولازالت تستعمل في تجارة الملح والتي كانت تمثل عبر العصور شريانا للحياة يربط بين شرق القارة وغربها، اصبحت تمثل المعبر الرئيسي لتهريب السجائر والمخدرات من امريكا الجنوبية نحو اوروبا والشرق الأوسط وكذلك لتهريب الأسلحة والتجارة بالبشر. وفي ما يلي بعض الأرقام التي تعطي فكرة عن الموارد المالية لتنظيم القاعدة والجماعات المتحالفة معه:

* تشير التقديرات الواردة في التقرير العالمي حول تجارة المخدرات لسنة 2011 ان حوالي 250 طن من المخدرات تقدر قيمتها بـ 14 مليار دولار امريكي مرت بالساحل الافريقي. عشر هذا المبلغ أي ما يعدل 1،4 مليار دولار ذهب الى تنظيم القاعدة في شكل اتواة مقابل تامين العبور.

* كما اشار تقرير صادر عن الفريق التابع لمجلس الامن والمكلف بمراقبة انشطة القاعدة، ان تنظيم القاعدة بالمغرب الاسلامي تمكن، منذ انشائه سنة 2007 الى حدّ 2011، من اختطاف 35 فردا من 12 جنسية مختلفة تمت مقايضتهم بفدية قدرها 70 مليون “أورو” أي بمعدل مليونيي “اورو” للفرد الواحد.

وتعد كتائب امارة الصحراء من أشرس كتائب معسكرات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وأكثرها عنفا ودموية بسبب شراسة قائدها “موسي أبو داوود” الملقب بـ “أمير الصحراء”. ويتكون التنظيم العسكري في هذه المنطقة الاستراتيجية من ثلاثة كتائب رئيسية، وهي:

– كتيبة الفرقان التي يقودها جمال عكاشة الملقب بـ ” أمير السلاح”، وهذا الرجل يعد من أخطر عناصر تنظيم القاعدة، وهو مقرب من “مختار بلمختار”، قائد تنظيم “المرابطون”، الذي كان يعول عليه في التزود بالسلاح من بعض الدول الإفريقية.

اختصت كتيبة الفرقان في التجنيد والتدريب وهي تنشط في منطقة الصحراء الجنوبية، وتتحرك علي الحدود بين المغرب والجزائر.

– الكتيبة الثانية في إمارة الصحراء، تعرف بكتيبة الملثمين، التي كانت تحت قيادة “مختار بلمختار” وأصبحت جزءا من تنظيمه الجديد الذي يحمل اسم “الموقعين بالدم” وذلك اثر طرده من تنظيم القاعدة بالمغرب الاسلامي، وتنشط هذه الكتيبة في جنوب غرب ليبيا وخاصة في المثلث الحدودي بين تونس وليبيا والجزائر. وتجدر الاشارة الى ان مختار بالمختار من مواليد ولاية غرداية الجزائرية وهو ما يفسر تأقلمه مع البيئة الصحراوية خاصة وانه انصهر في قبائل الطّوارق وصاهرها لتصبح حاضنته الشعبية.

– أما الكتيبة الثالثة، فهي كتيبة “طارق بن زياد”، وأميرها عبد الحميد أبو زيد، الملقب بـ “عبيد المكني”. وهي تصنف الاقوى والأكثر تسليحا من بين كتائب الامارة الصحراوية وتنشط شمال مالي، خصوصا في منطقة تمبكتو وتمتدّ عملياتها حتى الحدود المغربية شمالا والحدود النيجيرية جنوبا.

• وأخيرا الامارة الثالثة وهي الإمارة الشرقية التي تعدّ من أضعف إمارات تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي بسبب نجاح قوات الأمن الجزائرية في شل حركتها واختراقها، فأصبحت محدودة الإمكانيات العسكرية ليقتصر انتشارها على الشرق الجزائري وبالتحديد في ولاية تبسّة خاصة بعد تفكك غالبية شبكاتها السرية في ولايتي قسنطينة وجيجل.

ان نجاح الاجهزة الامنية الجزائرية في تفكيك اهم الكتائب القتالية في هذه الامارة الى جانب المجهود الامني التونسي في ما يتعلق بتامين الحدود هو الذي ساعد على احتواء خطر الارهاب في بلادنا والحّدّ من تسرب الارهابيين عبر حدودنا الغربية قبل 2010، وهو ما جعل العمليات الارهابية التي استهدفت بلادنا انطلاقا من التراب الجزائري تقتصر على عملية تمغزة حيث تمّ الهجوم على المركز الحدودي المتقدم للحرس الوطني يوم 11 فيفري 1995 ما اسفر عنه استشهاد 6 اعوان بمن فيهم رئيس المركز.

وتجدر الاشارة في هذا المجال الى ان الارهابي التونسي سيف الله بن حسين الملقب بابي عياض، كان قد قاتل الى جانب اسامة بن لادن ضمن كتيبة مقاتلة كونها بنفسه في تسعينات القرن الماضي واطلق عليها اسم “الكتيبة التونسية المقاتلة بافغانستان” غير ان هذه الكتيبة لم تتمكن من العودة الى تونس بحكم تفككها بعد اعلان الولايات المتحدة الحرب على القاعدة وطالبان سنة 2001.

وان لم تتمكن القاعدة من نشر تنظيمات مقاتلة في تونس على غرار ما تم في الجزائر، فانها نجحت في تكوين خلايا نائمة استعملتها في مناسبتين لزعزعة النظام وشلّ الاقتصاد الوطني عبر ضرب السياحة:

– الهجوم الاول استهدف المعبد اليهودي بجربة سنة 2002 وخلف 19 قتيلا و30 جريحا معظمهم من السيّاح الأجانب. نفذ الهجوم ارهابي تونسي يدعى نزار نوّار كان قد تدرّب في معسكر للقاعدة بمدينة كراتشي الباكستانية.

– أما الهجوم الثاني فهو تمثل في الاحداث الدامية التي جدّت في منطقة سليمان أوائل 2007 والتي دارت بين القوات الأمنية التونسية وكتيبة “جند أسد بن الفرات ” التي يقودها الأسعد ساسى الذي قاتل في كلّ من البوسنة وأفغانستان. أودت هذه الأحداث بحياة 15 مسلحا كما تمّ على إثرها القاء القبض على المئات ممّن اتهموا بالانتماء للفكر السلفي الجهادي.

 

3) هيكلة التنظيمات الارهابية بعد الربيع العربي.
مثّل الربيع العربي نقطة تحول بالنسبة للتنظيمات الارهابية في منطقة الساحل الافريقي والمغرب العربي. ففي تونس، استفادت بعض التنظيمات من الفراغ الامني وضعف الدولة الذي تسببت فيه الثورة لتتسلل عبر الحدود وتعيد تنظيمها وهيكلتها، كما استفادت ايضا من العفو التشريعي العام الذي حصل سنة 2011 والذي أطلق بمقتضاه سراح بعض القادة الإرهابيين على غرار ابي عياض الذي بادر ببعث تنظيم انصار الشريعة صحبة ثلة من المتشددين المقربين منه امثال سليم القنطري (أبو أيوب التونسي) والخطيب الإدريسي الذي اصبح منظر التنظيم. وقد ساهمت المنابر الاعلامية التي منحت لهم في التعبئة ورصّ الصفوف ليفاجئوا التونسيين بعقد مؤتمرهم الاستعراضي الأول بالقيروان في شهر ماي 2012 تحت شعار “اسمعوا منّا و لا تسمعوا عنّا”.

ومنذ ظهورها على الساحة، بادرت أنصار الشريعة بإشهار عدائها للدولة وتكفير السياسيين وانساقت إلى العنف حيث قامت بعدة “غزوات” سنة 2012 كالهجوم على قناة نسمة ودار العبدلّية والسفارة الأمريكية. وفي سنة 2013 اغتالت سياسيين بارزين من القيادات المعارضة للإسلاميين والمعادية للجهاديين وهما شكري بلعيد والحاج محمد لبراهمي كما خططت لتفجير مقرات أمنية وأسواق تجارية ما دفع حكومة “الترايكا” الثانية بان تعلنها تنظيما إرهابيا بعد ضغط من الولايات المتحدة الأمريكية. ومن المرجح ان تكون انصار الشريعة ضالعة في التفجيرات التي استهدفت متحف باردو ونزل الامباريال بسوسة والحرس الرئاسي بشارع محمد الخامس.

ويذكر ان انصار الشريعة ارتبطت عضويا في وقت ما بكتيبة عقبة ابن نافع حيث تولت اسنادها في بعض العمليات التي استهدفت العديد من العسكريين والأمنيين بولايتي جندوبة والقصرين كما ساعدتها على تدريب بعض افرادها في المعسكرات الليبية التابعة لها. وللتذكير، فان كتيبة عقبة ابن نافع تنتمي الى تنظيم القاعدة وتتبع هيكليا الى مختار بلمختار الذي استفاد هو ايضا من الثورة التونسية لتسريب العديد من المقاتلين من مختلف الجنسيات الى جبل الشعانبي.

وبعد سقوط ليبيا، استغلت كل التنظيمات الارهابية الانفلات الامني وتفكك الدولة لتستحوذ على الاسلحة بكل انواعها بما فيها الصواريخ المضادة للطائرات وقامت بتخزينها في كل الدول المجاورة. اما من الناحية العسكرية فقد استفادت هذه التنظيمات من الخبرات العائدة من سوريا والعراق المتمرسة على القتال وصنع الاسلحة والمتفجرات وهو ما ساعدها على تنفيذ عمليات إرهابية ضخمة في كل من مالي ونيجريا وبوركينا فاسو. وفي هذا الاطار أوضح المركز الامريكي لدراسة الارهاب في تقرير يحمل عنوان «الإرهاب في منطقة الساحل وشمال أفريقيا سنة 2014» أن معدلات العمليات الإرهابية التي طالت تلك المنطقة عرفت ارتفاعًا منقطع النظير، حيث تعرضت لأكثر من 289 عملية إرهابية خلال 2014 وهو ما يمثل ارتفاعًا بنسبة 800%، مقارنة مع سنة 2001.

والى جانب تنظيم القاعدة الذي يبقى اهم المجموعات الارهابية المتواجدة على الساحتين المغاربية والساحل الافريقي، فان الساحة شهدت بروز سبعة مجموعات ارهابية اخرى اصبحت تقاسمه النفوذ في المنطقة وتنافسه على الانفراد بالزعامة:

• من بين هذه المجموعات التي عرفت بإثارة الرعب والمتاجرة بالبشر والتي تناولها الاعلام الغربي بصفة مكثفة برزت حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا التي انشقت عن تنظيم القاعدة غداة اختطافها لثلاثة اوروبيين كانوا يعملون في مخيم اللاجئين بتندوف يوم 23 اكتوبر 2011. ويعود هذا الانشقاق الى الصراعات الداخلية التي يشهدها تنظيم القاعدة من اجل الزعامات وتقاسم الفدية وعائدات تجارة المخدرات. تسعى هذه المجموعة الى بسط الشريعة الاسلامية في كامل غرب افريقيا بشتى الوسائل بما فيها قوة السلاح. اتخذت من شمال مالي مقرا لها وتسعى الى دعم حضورها في شرق ليبيا وجنوبها لتامين مرور المخدرات القادمة من امريكا الجنوبية نحو القارة الاوروبية والشرق الاوسط.

تحالفت مع الموقعين بالدم الذي يتزعمه مختار بلمختار لتكوّن تنظيما جديدا يسمى “المرابطون”. يظم هذا التنظيم مقاتلين من عدة جنسيات ومنهم عديد التونسيين وهو ما يفسر التنقل الدائم لهؤلاء المقاتلين بين بلدان المغرب العربي ومنطقة الساحل الافريقي.

اعلنت حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا مسؤوليتها عن عديد العمليات الارهابية التي استهدفت الجزائر منذ 2012 من اهمها اختطاف القنصل وستة من مساعديه في مدينة “قاو” المالية والهجوم على المركب الكمياوي “بعين اميناس” حيث كان غالبية المهاجمين من التونسيين اذ بلغ عددهم تسعة من بين 32 جهاديا من جنسيات مختلفة.

في سنة 2013، قررت الحركة توسيع نشاطها ليشمل النيجر والتشاد وبوركينا فاسو وانشات لهذا الغرض كتيبة جديدة تدعى “انصار السنة” واربعة سرايا وهي سرية عبد الله عزام وسرية الزكراوي وسرية ابو ليث الليبي وسرية الاستشهاديين.

• حركة انصار الدين هي ايضا من بين المجموعات الارهابية التي ظهرت على الساحة بعد الربيع العربي. تمّ انشائها على يد «إياد أغ غالي» وهو احد انصار “الدعوة والتبليغ” وابن احدى القيادات القبلية التاريخية لقبائل الطوارق التي قادت التمرد المسلح ضد القوات المالية في بداية تسعينات القرن الماضي. وبعد توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة المالية والمتمردين الطوارق عام 1992 شغل اياد غالي منصب قنصلًا عامًا لجمهورية مالي في جدة. وبعد عودته الى أزواد قام بتعبئة ابناء عشيرته من السلفيين ليعلن الجهاد على الحكومة المالية.

استفاد من عودة المقاتلين المرتزقة من قبائل «الطوارق» الذين انظموا الى حركته بعد ما فرّوا من ليبيا وهم مدججين بالسلاح ليعلن الحرب على الحكومة المدعومة من الجيش الفرنسي مطالبًا بتطبيق الشريعة الإسلامية. تسببت “حركة أنصار الدين” في ارباك تنظيم القاعدة شمال مالي وأجبرته على التحالف معها كي لا يخسر المزيد من مواقعه خاصة بعدما فقد احدى سراياه المسماة بسرية “الانصار” التي انفصلت عنه والتحقت بالحركة. تم تصنيف حركة “انصار الدين” منظمة ارهابية من طرف منظمة الامم المتحدة.

• انصار الشريعة هي ايضا من المجموعات الارهابية التي ما انفكت تتنامى في منطقة الساحل وشمال افريقيا. مثلما اشرت اليه سابقا، تم تاسيسها من طرف سيف الدين بن حسين الملقب بأبي عياض في أواخر افريل 2011 وذلك في أعقاب الثورة التونسية لما تم أطلاق سراح العديد من السجناء الإسلاميين بمقتضى العفو التشريعي العام.
تسعى انصار الشريعة الى تطبيق الشريعة الاسلامية في تونس وليبيا وتنشط في جبل الشعانبي بالقصرين اين تنسق مع كتيبة عقبة ابن نافع التابعة لتنظيم القاعدة. اما في ليبيا فهي تتواجد في درنة والبيضاء وبنغازي جنوبا وفي صبراطة على الحدود التونسية شمالا وتسعى الى التواجد بالمنطقة الوسطى في كل من سرت واجدابيا. قامت بالهجوم على السفارة الامريكية بتونس وتم اتهامها بالضلوع في اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي وهي التي قتلت السفير الامريكي وستة من معاونيه في بنغازي وقد تم تصنيفها منظمة ارهابية من طرف الحكومة التونسية والولايات المتحدة الامريكية.

• المجموعة الرابعة التي تنشط في الساحل الافريقي هي “بوكو حرام”. نشأت هذه الجماعة السلفية الجهادية سنة 2002 في شمال نيجيريا على يد محمد يوسف ذو الايدولوجيا الوهابية والمتأثر بالفكر طالبان افغانسان. و”بوكو حرام” تعني «التعليم الغربي حرام» وهو ما جعلها تدعو إلى مناهضة انتشار التعليم الغربي المتسبب حسب رايها في البطالة وتهميش المسلمين. وفي سنة 2009 لما رفضت الحكومة النيجيرية الرضوخ الى مطلبها المتمثل في تغيير نظام التعليم، نادى محمد يوسف بحمل السلاح ودخل في صراع مع القوات الامنية اودى بحياته و700 اخرين من جماعته. وبعد اعادة تنظيم صفوفها بزعامة “ابو بكر شيخو” اصبحت “بوكو حرام” تطالب ببعث الخلافة الاسلامية شمال نيجيريا ثم بايعت يوسف البغدادي الذي سرعان ما قبل دعوتها واطلق عليها اسم “ولاية السودان الغربي”، كما تعرف ايضا “بالدولة الاسلامية في غرب افريقيا”. وسعت من نشاطها العسكري ليشمل الكامرون والنيجر والتشاد، وارسلت بعدة عناصر لتعزيز انصار الشريعة جنوب ليبيا ومجموعة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا التي تنشط شمال مالي. قامت بعدة جرائم ذهب ضحيتها المئات من الافراد وهي جرائم صنفت بمقتضاها “بوكو حرام” سنة 2014 منظمة ارهابية من طرف الامم المتحدة.

• في شرق الساحل الإفريقي، هناك مجموعة اخرى لا تقل اجراما ودموية عن المجموعات التي ذكرتها وهي حركة الشباب المجاهدين في الصومال. تأسست الحركة في أوائل 2004، بعد أن انشقت عن اتحاد المحاكم الإسلامية الذي انهزم أمام قوات الحكومة الصومالية المؤقتة المدعومة من طرف القوات الافريقية. تسعى هذه المجموعة التي يتزعمها احمد عمر ابو عبيدة والتي تدين بالولاء الى تنظيم القاعدة الى بسط الشريعة الاسلامية في منطقة القرن الافريقي، وهي تعتبر من اهم المجموعات عددا وتدريبا اذ يتراوح عدد مقاتليها بين 3000 و 7000 فردا يتلقون تدريبات في إريتريا، حيث يقيمون لستة أسابيع في دورة يكتسبون خلالها مهارات حرب العصابات واستخدام القنابل والمتفجرات.

وسعت هذه المجموعة من نشاطها لتستهدف المصالح الغربية في كينيا واوغندا وكذلك باب المندب وخليج عدن اين تتعاطى القرصنة وتنسق مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وهو ما يؤكد تشابك كل التنظيمات على الساحة الافريقية.

• المجموعة الاخيرة التي تتذيل قائمة التنظيمات الارهابية في منطقة الساحل الافريقي هي “انصار بيت المقدس”. نشأت هذه المجموعة بشبه جزيرة “سيناء” في مارس 2011 غداة الاطاحة بنظام حسني مبارك. زعم مؤسسوها ان غايتهم تهدف الى تحرير بيت المقدس وكل ارض فلسطين، غير انهم سرعان ما اداروا اسلحتهم نحو الحكومة المصرية بعد ازاحة الاخوان المسلمين من الحكم وعزل الرئيس مرسي.

في سنة 2014، بايعت تنظيم الدولة الاسلامية وغيرت اسمها لتصبح “ولاية سيناء” التي يتزعمها شخص يدعى ابو اسامة المصري. أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن العديد من الاغتيالات والتفجيرات التي استهدفت المقرات الامنية والجيش المصري والتي خلفت مئات القتلى والجرحى. اليوم، لم تعد هذه المنظمة تقتصر على المجندين من بدو سيناء، بل التحق بها الكثير من المتعاطفين معها من منطقة دلتا النيل والصعيد لتوسع بذلك نشاطها العسكري الى القاهره ومرسى مطروح على الحدود الليبية لتستفيد من دعم المنظمات الارهابية المتواجدة بإقليم برقة.

4) نظرة استشرافية حول مآل المنظمات الارهابية:
يتضح من خلال هذه الدراسة ان التنظيمات الارهابية في منطقة الساحل الافريقي تستمد جذورها من الجماعة السلفية للدعوة والجهاد التي ظهرت في الجزائر اواخر القرن الماضي بدوافع سياسية ودينية واجتماعية. هذه التنظيمات استفادت من الاوضاع الدولية الناتجة عن حرب افغانستان والعراق ثم من بعدها الربيع العربي لتتكاثر وتفرخ ثم تمتد جنوبا وشمالا لتغطي كامل الساحل الافريقي وخاصة الجهة الغربية منه .

وبما ان هذه المنظمات منها ما هو مرتبط ارتباطا وثيقا بتنظيم القاعدة الام بقيادة ايمن الضواهري ومنها من بايع الدولة الاسلامية بزعامة ابي بكر الغدادي وهما تنظيمان يخوضان حربا وجودية ضد تحالفات دولية في افغانستان والشرق الأوسط، فانه لسائل ان يسال: ما هو مصير المنظمات الارهابية في منطقة الساحل الافريقي بعد ان تنتهي الحرب في منطقة الشرق الاوسط بالقضاء على كبرى التنظيمات الارهابية هناك؟

الاجابة حسب ما اراه تكمن في المعطيات التالية:

ان المتمعن في غرب الساحل الافريقي لا يفوته ان يلاحظ بعض العوامل والخصوصيات التي تجعل منه منطقة فريدة من نوعها مؤهلة بان تكون ملاذا آمنا لكل التنظيمات الاسلامية المتطرفة في العالم:

– فهو من الناحية الجغرافية متكون من دول مترامية الاطراف على مساحات شاسعة. فعلى سبيل الذكر لا الحصر فان حدود مالي تمتد على طول 7250 كم منها 1380 كم مع الجزائر لوحدها فيما ان حدود هذه الاخيرة (واعني الجزائر) مع بلدان الساحل الافريقي تبلغ 2800 كم. هذه الحدود تلتقي في منطقة خالية من السكان no man’s land تقدر مساحتها بحوالي مليون كم مربع وهي منطقة يصعب العيش فيها من حيث المناخ وقسوة المحيط الجغرافي.

– اما من الناحية الديموغرافية فان هذه الدول تتكون من عدة قوميات واثنيات تم تقسيمها بكحم الحدود التي رسمتها القوى الاستعمارية بصفة اعتباطية. فعلى سبيل الذكر، فان قبائل الطوارق وهي من اهم القبائل بالجهة، وجدت نفسها مشتتة بين خمسة دول وهي مالي والجزائر وليبيا والنيجر وموريتانيا. هذه القبائل التي اصبحت تمثل اقليات في هذه البلدان، تعاني من الفقر والتهميش وتعيش على التجارة البينية ما جعلها تسعى الى توحيد صفوفها للاستقلال عن الانظمة المركزية. ولا شك انكم لاحظتم من خلال هذا العرض ان غالبية الجماعات الارهابية تنشط في هذا الفضاء الجغرافي وهي على صلة وطيدة بقبائل الطوارق امّا بالحسب او النسب او بترابط المصالح وهو ما يجعل من هذه القبائل حاضنة شعبية لكل المجموعات الارهابية.

– اما من الناحية السياسة والاقتصادية، فان بلدان الساحل الافريقي تحكمها انظمة دكتاتورية فاسدة ومرتشية علاوة على انها انظمة ضعيفة غير قادرة عن حماية حدودها خاصة بعد تفكك النظام الليبي. واذا ما علمنا ان هذه البلدان تاتي في آخر الترتيب ضمن قائمة البلدان التي تعاني من الفقر مثل مالي التي توجد في المرتبة 175 والنيجر الذي يأتي بعدها في المرتبة 186، فان هذه الدول تصبح غير قادرة على ضمان وحدتها واستقرارها.
ما يمكن استنتاجه من كل هذه المؤشرات هو ان الساحل الافريقي على غاية من الضعف والوهن، ما يرشحه ان يكون ملاذا آمنا للمنظمات الارهابية التي من المتوقع ان تفرّ قريبا من منطقة الشرق الاوسط لتلتحق بهذه التنظيمات الموجودة على الساحة الافريقية. هذا السيناريو متى تمّ سوف يزيد من القدرات العسكرية والتنظيمية والقتالية والقيادية لهذه التنظيمات. وفي مثل هذا الوضع لا شك ان دول عديدة بالساحل الافريقي سوف تفقد اجزاءا هامة من اراضيها لفائدة تنظيما جديدا سوف يكون اشبه ما يكون بتنظيم الدولة الاسلامية .

وما لم يتم الاستقرار في ليبيا بصفة نهائية بما يمكنها من مراقبة حدودها وسد المنافذ التي يتسرب منها الارهاب الى بلادنا، فان تونس سوف تبقى مهددة من طرف هذه التنظيمات التي تحلم بان تجعل من القيروان عاصمة لإمارتها.

*ضابط متقاعد من البحرية الوطنية

*المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.