بقلم خالد عبيد
صحيحٌ أنّ قطر قد تمّ التخلّي عنها أمريكيا وتجلّى ذلك في خطاب ترامب البارحة والذي أكّد فيه أنّ هذا القرار جاء بعد استشارة وزير خارجيته وكبار جنرالات الجيش الأمريكي، لكن لمن انتبه جيّدا إلى مضمون خطابه، فالهدف القادم هي المملكة العربية السعودية إن لم تنصع إلى الشروط الأمريكية في مجال مقاومة الإرهاب، قد يكون نوعا من الابتزاز المبطن، لكنّه يعبّر عن قناعة لدى أصحاب القرار في أمريكا بأنّ السعودية تفرّخ الفكر الإرهابي، قناعة ترسّخت لديهم منذ أحداث سبتمبر 2001 وأكّدته مجريات الأمور لاحقا، تأجيل الاهتمام بالسعودية وربّما دول أخرى غايته التركيز على ما أسميته بمحاربة “الدولة المنبوذة” إيران وتطويقها وحصارها، وهي تندرج في صلب هاجس ترامب كما استئصال الإسلام السياسي والذي نراه يتجسّم الآن شيئا فشيئا، الالتفات إلى السعودية مؤجّل إلى حين الانتهاء من الملف الإيراني، في الأثناء الملفّ السوري أغلق بعد التأكّد من فشل الاستراتيجية المعتمدة، ورغبة في تحييد روسيا.
في الأثناء، الورقة الكردية مهمّة من أجل استدراج تركيا أردوغان ودفعها كي تنسق مع إيران والحكم الموالي لها في العراق.
إذا ما صحّ أنّ قطر سترتمي إلى إيران كما تركيا في مواجهة العزلة والحصار اللذيْن فرضا عليها، فذلك يعني الهروب إلى الأمام وخاصّة إعطاء الفرصة كي يقع استهدافها، لأنّها بذلك ستؤكّد من خلال استنجادها بإيران أنّ “ادّعاءات” السعودية والإمارات والبحرين في محلّها بل هي تستند على وقائع، وهو ما سيسهّل إظهارها أمام الساسة الأمريكيين بأنّها بصدد لعب الورقة الايرانية في الخليج وبأنّها الحصن المتقدّم لـ” الأطماع” الإيرانية في المنطقة في ظرفية باتت إيران هي الهدف القادم لإدارة ترامب.
ويعدّ تسريع البرلمان التركي في المصادقة على اتفاقية بين قطر وتركيا بخصوص استقدام قوات تركية على أرض قطر الدليل الذي ستعتمده الدول الرافضة للدور القطري في المنطقة، فإذا ما أصبحت القوات التركية في قطر أمرا واقعا، فهذا يعني تأكيدا بأنّ قطر والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين تجمعهما وشائج متينة إلى درجة اندفاع أردوغان في إعلان المساندة، وهو دليل ملموس إضافي على ما تتهم به قطر من دعم للإخوان المسلمين وتبنيهم، لكن وجود قوات تركية في قطر إن صحّت فهذا يعني أنّ حلف الأطلسي قد انتقل إلى العمق الخليجي وهو أمر لا نعتقد أنّ السعودية والإمارات والبحرين ستقبله بسهولة خاصّة وأنّ موروث العداء التاريخي بين الأتراك والعرب لم يندمل بعد من الذاكرة الجماعية لكلا الطرفين، ولهذا فإنّ قطر ستعقّد الأمور أكثر لديها أكثر ممّا تدفعها نحو الانفراج.
ليس هناك من حلّ أمام قطر حاليا إلاّ إمّا تقبل كلّ الشروط التي فرضت عليها وتذعن لها وتقبل بأن ينتهي دورها اقليميا وهو أمر لا نعتقد الساسة في قطر يتبنّونه، وإمّا أن تهرب إلى الأمام وترفض “الاستسلام” وترتمي لدى إيران وتركيا، وهنا بالذات، لم يعد من مجال لمحور دول الطوق الرافض للدور القطري إلاّ الانتقال إلى المرحلة الأقصى وهي إمّا التدخّل العسكري الذي لن يكون إلاّ مجرّد فسحة زمنية لبضع ساعات أو التشجيع على حدوث تغيير من الداخل، في الأثناء، من الخاسر من كلّ هذا؟ ومن المستفيد؟ الجواب واضح ولا يستدعي الكثير من الجهد إذ بتنا نشاهدا تسريعا ومنذ عقود في تحجيم العرب وتهميشهم أكثر فأكثر، تسريع لا يمكن أن نتهّم فيه دوائر القرار الخارجي فقط بل نعتقد أنّ المسؤول الأكبر عن ذلك هم العرب أنفسهم، فسايكس بيكو ثانية بالتأكيد قيد التجسيم لكن هذه المرّة بأياد عربية .
شارك رأيك