بقلم عمار قردود
أفادت،اليوم،مصادر إعلامية مختلفة أن العاهل المغربي محمد السادس رفض استقبال ضيفه رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد،الذي شرع في زيارة رسمية إلى المغرب لمدة يومين،مثلماجرت العادة في مثل هذه الزيارات الرسمية إلا أن الزيارة ألغيت ولم تقدم لا المغرب ولا الجانب التونسي أسباب إلغائها و مبررات ذلك حتى الآن.
رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد الذي لم يلتق خلال زيارته إلى المغرب الملك المغربي محمد السادس اكتفى بلقاء كبار المسؤولين المغاربة على غرار نظيره المغربي سعد الدين العثماني ورئيس مجلس النواب المغربي الحبيب المالكي.
و بحسب ذات المصادر فإن سبب الغاء اللقاء الذي كان مبرمجًا سابقًا بين الشاهد و محمد السادس يعود إلى رفض رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد بإصرار ادراج فقرة تتعلق بـــــــ”مغربية الصحراء الغربية” بعد إلحاح الطرف المغربي على تضمينها في البيان الختامي للجنة العليا المشتركة التونسية المغربية، وذلك مراعاة لعلاقات حسن الجوار بين تونس و الجزائر المشهود لها بالمتانة منذ عدة عقود.
و أضافت نفس المصادر أن إصرار المسؤول التونسي و تشبثه بموقفه أضطر الملك المغربي على إلغاء اللقاء الذي كان من المقرر أن يجمعه معه من جانب واحد و قد تم إبلاغ الشاهد بقرار محمد السادس و هو الأمر الذي امتعض له الشاهد كثيرًا،فيما أفادت مصادر مغربية أن الملك المغربي أبدى تذمره الشديد من موقف رئيس الحكومة التونسية و اتصل بالسفير المغربي بتونس و طلب منه أن يبلغ استياءه الشديد للرئيس التونس الباجي قايد السبسي من الموقف الذي بدر من رئيس الحكومة التونسية.
و توقع مراقبون أن نأي تونس بنفسها عن نزاع الصحراء الغربية الذي يسمم شمال إفريقيا تجنبًا لمواجهة مع المغرب والجزائر،و رفض رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد إدراج فقرة تتعلق بــ”مغربية الصحراء الغربية” وتضمينها في البيان الختامي للجنة العليا المشتركة التونسية المغربية، أن يتسبب في توتر مرتقب في العلاقات التونسية-المغربية في الأفق،خاصة و أن المغرب لن يبقى صامتًا إزاء هذا الموقف التونسي الصادم بالنسبة له.
و بحسب مراقبين لــــ”أنباء تونس” فإن السلطات المغربية تعيش هذه الأيام في حالة من التخبط جراء فقدانها لدعم خليجي “كبير و غير مشروط” في قضية الصحراء الغربية،حيث بثت قناة “العربية”-التي هي قناة سعودية خالصة- لأول مرة تقريرًا وصفت فيه الصحراء الغربية بالبلد المحتل، وهو ما اعتبره الإعلام المغربي ردًا على حياد المغرب الإيجابي في الأزمة الخليجية وتقديمه لمساعدات غذائية لدولة قطر.
ووصف تقرير القناة السعودية المغرب بالمحتل، وهي سابقة أولى في تغطيتها للنزاع في منطقة الصحراء الغربية خاصة وأن السعودية أكدت أنها تعترف بـ”مغربية الصحراء” منذ بداية الأزمة سنة 1975.
كما تضمن التقرير سردًا بثروات الصحراء الغربية التي تستغلها المغرب لفائدتها، رافضة مغادرة هذه الأراضي التي احتلتها منذ عام 1975 عقب رحيل المستعمر الاسباني.
كما بثت قناة “أبو ظبي” الإماراتية، خريطة المغرب مبتورة من الصحراء الغربية، في برنامج تلفزيوني يتحدث عن الاستقرار الذي يعرفه المغرب والتعايش بين الديانات والثقافات الذي يتميز به.
وعرض برنامج “المشكاة” الذي تبثه قناة “أبو ظبي”، حلقة عن المغرب وأظهر خريطة المملكة ممتدة من طنجة شمالاً إلى حدود العيون جنوبًا، في حين تظهر الصحراء على أنها دولة أخرى غير تابعة للمغرب تحت مسمى “الصحراء الغربية”.
وتزامن هذا التحول المشكوك فيه في الإعلام الخليجي في الوقت الذي التزم فيه المغرب الحياد الإيجابي في الأزمة الخليجية رافضًا قطع علاقاته الديبلوماسية مع قطر، وهو الموقف الذي صدم القادة الخليجيون و اعتبروه “خروجًا على الصف و لا بد من تقليم أظافر المغرب”.
وكان المغرب قد أرسل مساعدات غذائية إلى قطر في خطوة تضامنية و إنسانية محضة لا علاقة لها بالجوانب السياسية، وجاء في بيان لوزارة الخارجية أن المغرب “مستعد لبذل مساع حميدة” في سبيل المساعدة على حل الأزمة الخليجية التي آلت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وفرض حصار عليها.
و جاء الرد السعودي والإماراتي على القرار المغربي القاضي بالوقوف موقف الحياد الإيجابي من الأزمة الخليجية-القطرية، سريعًا و على عكس المتوقع، عندما تم الإيعاز لقنوات تلفزيونية فضائية تابعة للسعودية بينها قناتي “العربية” و”العربية الحدث”، وقنوات تابعة للإمارات من بينها قناة “أبو ظبي”، بالضغط على المملكة المغربية، من خلال تغير جذري في خطابه تجاه قضية الصحراء الغربية التي تطالب جبهة البوليزاريو مدعومة من الجزائر بمنح الشعب الصحراوي حق تقرير المصير.
في حين تبدي الرباط استعدادًا لمنحها حكم ذاتي تحت السيادة المغربية، وعمدت القناة الإخبارية “العربية الحدث” إلى مهاجمة الوحدة الترابية للمغرب بمجرد إعلان الرباط الحياد في الأزمة الخليجية، حيث خصصت القناة برنامجًا يصف الصحراء المغربية بالأرض المحتلة ويصف جبهة “البوليزاريو” بالجمهورية الصحراوية و هو ما يتطابق تمامًا مع مواقف جبهة البوليزاريو و الجزائر.
تونس تلتزم الحياد الإيجابي إزاء جميع الأطراف من قضية الصحراء الغربية
و يبدو أن الملك المغربي و بعد أن فقد أهم حلفاءه،أراد الاستثمار في الأوضاع التي تعيشها تونس من أجل فرض موقفه حول قضية الصحراء الغربية،رغم أن الموقف التونسي حول هذه القضية معروف منذ زمن و كثيرًا ما أكده المسؤولين التونسيين،حيث أكدت وزارة الشؤون الخارجية التونسية سنة 2013 مجددًا موقف تونس المبدئي من قضية الصحراء الغربية والتزامها الحياد الإيجابي إزاء جميع الأطراف ذات الصلة بالموضوع على أساس أنه من أنظار منظمة الأمم المتحدة وباتفاق مختلف الأطراف على ذلك.
كما أعربت الوزارة في بيان لها عن حرصها على المحافظة على علاقات تونس الودية مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة وعن رفضها التام لكل ما من شأنه أن يعكر صفو هذه العلاقات القائمة على مبدأ الاخوة والاحترام المتبادل للسيادة الوطنية.
و جاء ذلك في ردها على ما جاء في صحيفة “السور” التونسية التي نشرت آنذاك- 5 ديسمبر 2013- مقالاً تحت عنوان “تونس تستعد للاعتراف البوليزاريو الجزائرية”. وقالت وزارة الخارجية في هذا الصدد ان الموضوع لا أساس له من الصحة وغير مطروح أصلاً.
وأضافت في هذا الصدد أن ما ذكرته هذه الصحيفة بخصوص وجود أزمة تونسية مغربية في الأفق عار تمامًا عن الصحة وأن العلاقات التونسية مع المملكة المغربية الشقيقة ومع بقية الدول المغاربية عمومًا تشهد تطورًا إيجابيًا في جميع المجالات من خلال العمل المشترك على توحيد الجهود ومزيد التنسيق وتكثيف التشاور حول مجمل القضايا الإقليمية والدولية.
و قال رئيس الحكومة التونسية السابق، لحبيب الصيد، الذي زار المغرب في ماي 2016 في إطار زيارة رسمية، أن موقف بلاده بخصوص قضية الصحراء الغربية سبق وأن أكده في أكثر من مناسبة، وهو أن القضية مطروحة لدى الأمم المتحدة، وأن أي حل بشأنها يتم باتفاق الطرفين في إطار الأمم المتحدة، تدعمه تونس، وهذا هو موقفها بالنسبة لقضية الصحراء الغربية.
وفي لقاءه مع الصحفيين، استخدم الحبيب الصيد مصلح “الغربية” لوصف الصحراء، بينما كان يجيب على سؤال لأحد الصحفيين حول موقف تونس من هذه القضية التي تلقي بظلالها على العلاقات المغاربية وتبقيها في حالة توتر دائمة.
وقال الصيد “بالنسبة للصحراء الغربية ومثلما اجبت في العديد من المناسبات فإن هذا الموضوع ما يزال مبسوطًا امام الأمم المتحدة.. وهناك عمل تقوم به الأمم المتحدة.. والاتفاق الذي سيتم بين البلدين (دون ان يوضح ما اذا كان يشير بالبلدين إلى المغرب والجزائر أو المغرب الصحراء الغربية) في إطار الأمم المتحدة فإن تونس ستدعمه بما يؤكد موقف تونس الدائم من ملف الصحراء..”.
و قال لحبيب الصيد، الذي كان يتحدث خلال ندوة صحفية نظمها بالعاصمة المغربية الرباط، بعد لقاء جمعه بنظيره المغربي آنذاك، عبد الإله بنكيران، قال بخصوص الوضع الأمني أن التهديدات الإرهابية موجودة في مختلف أنحاء العالم، وكل البلدان مهددة، معتبرًا أن معضلة الإرهاب معضلة دولية، ويجب أن يكون التعاون من أجل القضاء عليها دوليا، منوها بمستوى التعاون الأمني بين بلاده والجزائر الذي وصفه بالمتين.
موقف تونس الذي عبر عنه رئيس حكومتها آنذاك شكل صدمة للنظام المغربي الذي كان ينتظر منها دعمًا صريحًا لاحتلاله ا
للاشرعي للصحراء الغربية، بدليل أن محمد السادس قرر استقبال لحبيب الصيد، خلال زيارته التي كانت مقررة شهر فبراير 2016 بالعيون المحتلة، قبل أن يتم تأجيل زيارته حفاظًا على موقف تونس غير المنحاز في نزاع الصحراء الغربية حسب صحيفة “جون أفريك”.
ونظرًا لموقفها المعتدل منذ احتلال المغرب للصحراء الغربية سنة 1975 ، لا يطلب المغرب من تونس الاصطفاف الى جانبه في نزاع الصحراء، ولا تطلب الجزائر نفس الطلب من السلطات التونسية. كما أن تونس لم تعترف بالجمهورية الصحراوية التي أعلنتها جبهة البوليزاريو، عكس موقف ليبيا والجزائر وموريتانيا .فيما لم تولي الصحافة التونسية اهتمامًا للقضية الصحراوية، فهي لا تتدخل في انشغالاتها الصحفية والسياسية لأنها منشغلة بالأوضاع الداخلية وإنجاح الانتقال الديمقراطي ومواجهة الإرهاب. لكن الموقف المغربي تغير تجاه تونس ما يدل على أن نظام المخزن المغربي يعيش أحلك أيامه.
ويقترح المغرب منذ 2007 خطة للحكم الذاتي في الصحراء الغربية، المنطقة الشاسعة التي يبلغ عدد سكانها 500 ألف نسمة. في المقابل، يطالب ثوار جبهة البوليزاريو المدعومون من الجزائر، باستفتاء حول حق تقرير المصير.
وكان الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون طالب مجلس الأمن الدولي بأن يمارس ضغوطًا على المغرب لتستأنف بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية أنشطتها كاملة بعد أن قلصت الرباط عددها.
وانتشرت البعثة في 1991 لمراقبة وقف لإطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليزاريو المطالبة بالاستقلال، وللمساهمة في تحديد وضع المنطقة التي ضمها المغرب في 1975 بعد استعمار إسباني.
شارك رأيك