بقلم بوعزي الاسعد (ضابط متقاعد)
من منا لم يسمع في عديد المناسبات رأسيْ السلطة التنفيذية يتحدثان عن الحرب على الفساد سوى داخل قبة البرلمان او خارجها؟
الحرب في مفهومها الشامل تعني نزاعا مسلحا بين اطراف سياسية متناحرة من اجل تحقيق اهدافا متضاربة. وعندما تكون الدولة تمثل احدى هذه الاطراف فان مفهوم الحرب ينحصر في استعمال قوة السلاح من اجل تحقيق الامن القومي بمفهومه الواسع.
السلطة التنفيذية في تونس تستعمل كلمة “الحرب على الفساد” ولم تستعمل ايّة كلمة اخرى مثل مكافحة الفساد او مجابهته او التصدّي له. وعندما تتحدث عن الحرب لا بدّ لها ان تتأكد من انها امام عدو واضح وتعدّ لمحاربته ترسانة قانونية مدروسة وخيارات عسكرية (عملياتية وفنية) مضبوطة.
مع بداية شهر ماي 2017، اعلن رئيس الحكومة “الحرب” على الفساد وبادر بشن حملة على اباطرة التهريب ومن يرتبطون بهم من المرتشين وهو ما يطرح عديد الاسئلة القانونية والفنية:
1 ) هل ان التهريب يمثل تهديدا للأمن القومي طبقا للتشريع التونسي؟
ان”القانون ألأساسي عدد 2016/41 المتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين عنه” لم يذكر التهريب في تعريفه للفساد غير انه اشار الى ان هذا الاخير يشمل ايضا “كل تصرف مخالف للقوانين والتراتيب الجاري بها العمل يضر أو من شأنه الإضرار بالمصلحة العامة” وهنا تحدث القانون عن “تصرّف” ولا عن “تهديد” وعن “الاضرار بالمصلحة العامة” وليس عن “الامن القومي او المصلحة العليا للدولة”.
امّا القانون ألاساسي عدد 26 لسنة 2015 المؤرخ في 7 أوت 2015 والمتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال فهو ايضا لم يأت على كلمة “التهريب” في تعريفه لهذا الجرم حيث نص الفصـل 92 على ان هذا الأخير يشمل ” كل فعل قصدي يهدف، بأي وسيلة كانت، إلى التبرير الكاذب للمصدر غير المشروع لأموال منقولة أو عقارية أو مداخيل متأتية، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، من كلّ جناية أو جنحة تستوجب العقوبة بالسجن لمدة ثلاث سنوات أو أكثر ومن كل الجنح المعاقب عليها بمجلة الديوانة”
2) ولكن متى يمكن للتهريب ان يمثل تهديدا للأمن القومي ؟
يمكن اعتبار التهريب من المخاطر التي تهدد الامن القومي متى تمّ ربطه بالإرهاب. وفي هذا الاطار لا بد من الاشارة الى ان تشريعات العديد من الديمقراطيات الغربية لم تعد تتحدث عن الإرهاب بل عن “الارهاب والجرائم ذات الصلة le terrorisme et les crimes connexes ” وذلك بحكم العلاقة التي تربط الارهاب بالتهريب وبعض الانشطة الاجرامية الاخرى مثل المتاجرة بالأسلحة والمخدرات. ومن المعلوم ان كل هذه المنظمات الاجرامية تتفق في عدائها للدولة من اجل اسقاطها وإضعافها وتتقاسم نفس الفضاء الجغرافي وتتكامل من حيث الاسناد اللوجستي والمعلوماتي والعملياتي.
وباقترانه مع الإرهاب يصبح التهريب تهديدا جديا يهدد امن الدولة ما يستوجب التعامل معه على هذا الاساس.
3) هل ان الحرب على “الارهاب والتهريب” من مشمولات رئيس الحكومة؟
طبقا للفصل 77 من الدستور،”يتوّلى رئيس الجمهورية تمثيل ألدولة ويختص بضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة”
يتسم هذا الفصل من الدستور بالضبابية لكونه لم ينص على مدى وزن استشارة رئيس الحكومة في بلورة سياسة الدفاع والأمن القومي من ناحية ولم يذكر من المسؤول من بين رأسيْ السلطة التنفيذية على تنفيذ هذه السياسة من ناحية اخرى. وما لم تتم اعادة هيكلة وزارة الداخلية فان هذه الضبابية سوف تبقى قائمة ما قد يتولد عنه تضارب في المهام والصلاحيات خاصة عندما لا يكون رئيس الحكومة ورئيس الدولة من نفس الكتلة البرلمانية.
ولحل هذا الاشكال يمكن بعث مجمعا قضائيا لمكافحة “الارهاب والتهريب “. يتكون هذا المجمع من القطب القضائي لمكافحة الارهاب (الذي ينشط حاليا) وقطبا آخر يخصّص لمكافحة التهريب. وهنا تصبح ادارة الحرب على “الارهاب والتهريب” من صلاحيات رئيس الحكومة بما ان هذا المجمع القضائي يرجع بالنظر الى وزارة العدل.
4) كيف يمكن لرئيس الحكومة ادارة الحرب على “الارهاب والتهريب” ؟
لا يمكن لرئيس الحكومة ادارة هذه الحرب والنجاح فيها ما لم يكن لديه ديوان cabinet متكون من نخبة من الامنيين والعسكريين ورجال القانون. يعنى هذا الديوان بتقديم الاستشارة والمساعدة على اخذ القرار في ما يتعلق بترجمة السياسة الدفاعية والأمنية الى مخططات عملياتية يتم تنفيذها على الميدان.
خلاصة القول ان الحملة التي يقودها رئيس الحكومة على التهريب والفساد ما كان لها ان تمرّ بصفة عادية لولا المساندة الشعبية لهذه المبادرة الشجاعة والدعم المطلق من طرف رئاسة الجمهورية. الامر سوف لا يكون بالهيّن عندما لا ينتمي رأسيْ السلطة التنفيذية الى نفس الكتلة البرلمانية وهو ما يستوجب التعجيل منذ الآن بمراجعة النصوص القانونية ذات الصلة.
*المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .
شارك رأيك