بقلم فرحات عثمان
صرّح أخيرا السيد فرحات الحرشاني، وزير الدفاع، إن القضاء على آفة الارهاب في تونس في مراحله الاخيرة، مشيرا إلى الانتصارات التي حققتها المؤسسة العسكرية، ما برهن ويبرهن على مقدرتها على ضمان حماية تونس. هذا مما يُثمّن ويجب التنويه به، إذ فيه الأمل أن يقع الفراغ من المرض الذي تعانيه منه بلادنا.
إلا أن الإرهاب ليس مرضا عاديا، فهو كالسرطان، من شأنه أن يختفي ليعود؛ فكم من عملية جراحية لاستئصال الورم الخبيث لا تنفع رغم نجاحها الأصلي، فيعود الورم الخبيث للانتشار بكامل الجسم! إن الإرهاب لا ينتهي بسهولة، خاصة وأن له هذه الجذور التي ليست بالبلاد التونسية فقط، إذ ينابيعها خارجية، لا قدرة لتونس للوصول إليها.
ثم الإرهاب، أولا وقبل كل شيء، في الأذهان، إذ الدماغ المفكر هو الذي يحمل اليد الفاجرة الماكرة على الإجرام. وهذا الإرهاب لهو أساسا في فهمنا الخاطئ للدين وفي بعض قوانيننا المخزية التي لا نجرؤ على إبطالها رغم أنها تغذي رفض الآخر المختلف وتفرض بصفة غير مباشرة فكرا إرهابيا يستغله تجار الدين لغسل دماء الشباب ممن يعتقد خدمة دينه بتعاطي الإرهاب تحت مسمّى الجهاد.
فهلا بدأنا بتطوير فهمنا هذا للدين بأن بينا علنا وعل رؤوس الملاء إن الجهاد الصغير، أي خدمة الدين بالسلاح، انتهى برسوخ الدين في القلوب، وإنه لا جهاد اليوم إلا الجهاد الأكبر، جهاد النفس؟ وهلا بادرنا بإيقاف تنفيذ كل القوانين المجرّمة لأبسط الحريات الخاصةو أو تلك التي تقزّم المرأة بالنسبة للرجل، أو كل ما يسمح في النصوص الغير القانونية المعمول بها فهم الدين خطأ.
حتى تكون تونس بحق استثناء
يقول الوزير، وكلامه عين اليقين، أن العقيدة العسكرية التونسية مبنية على تقديس الوطن، إضافة إلى نجاعة التكوين العسكري الذي أكسب الجنود مهارات قتالية ودفاعية عالية. وهذا ما لا ينكره أحد، إذ الجيش التونسي من أفضل الجيوش في العالم انضباطا ومهنية. ولا شك أن الضربات المؤلمة التي لحقته زادته قوة ومناعة لأنها ضربات سببتها السياسة عندما حادت عن مقوماتها الأخلاقية. والوزير أيضا على حق حين يقول إن الحرب على هذه الإرهاب ليست حكرا على المؤسستين الأمنية والعسكرية، بل تشمل المواطن الذي يتعين عليه أن يكون واعيا بخطورة الافة ومكامن علاجها.
وهنا مربط الخيل، إذ المواطن ليس له أن يعي خطورة العمل الإرهابي إذا لم تكن له حقوق وحريات محسوسة يدافع عنها للحفاط عليها. فكيف نطالب الشاب التونسي بالوقوف ضد الإرهاب ونحن نجرده من أبسط حقوقه وحرياته، عندما نهضم مثلا حقه في حرية التنقل أوفي حرية البعض في شرب خمرة إن عن له ذلك أو حتى تدخين زطلة للترويح عن نفسه بينما لم يحرمهما الدين ؟ وكيف نمنع المرأة من الانجرار وراء من يغريها بالدفاع عنها من زاوية دين نحن لا نقدر على تصحيح الفهم المغلوط لتعاليمه بإقرار المساواة بينها وبين الرجل في كل ميادين الحياة دون تردد وباسم هذا الدين الذي نسيء فهمه كما يفعل أهل الإرهاب الذهني فلا نقدر على إحقاق المساواة في الإرث مثلا؟
نعم، الجيش التونسي، بل تونس كلها، استثناء، بصفتهما نموذجا في العالم العربي وحتى الإفريقي؛ إلا أن هذا الاستثناء لا يدوم إذا لم نبادر إلى دعمه بما تفرضه دولة القانون من تنقية للمنظومة الجائرة التي ورثناها من العهد البائد، ولا تزال تتحكم في رقاب الناس وتسمم العقول اليوم بإرهاب معنوي علينا استئصاله حتى نقضي حقا على تجلياته المادية قضاء نهائيا. إن الاستحقاق الديمقراطي ليس فقط في العملية الانتخابية؛ وهل يعقل عدم تفعيل الدستور رغم مرور كل هذه السنوات من دخوله حيز التنفيذ؟ أين الإرادة السياسة في ذلك؟ أليس انعدامها من باب المشاركة في تغذية الفكر الإرهابي عد بعضهم؟
شارك رأيك