بقلم فرحات عثمان
قضية حفل ميشال بوجناح المفتعلة لا فائدة منها اليوم إلا إذا كانت الفرصة السانحة لإثارة ضرورة العودة للقانون الدولي بالتطبيع المتحتم مع إسرائيل لقيام دولة فلسطين ذات السيادة الكاملة.
لا أحد يشك في قداسة القضية الفلسطينية بالنسبة لكل تونسي غيور على حقوق إخوته في فلسطين. هذا ما ذكّر به الرئيس قائد السبسي عند لقائه هذه الأيام بالرئيس الفلسطيني الذي ثمن ما تلقاه فلسطين من دعم، و خاصة صدق نية.
انعدام النية الصادقة للسلام :
ذلك لأن النية الصادقة منعدمة اليوم في التعامل مع هذه القضية إلى حد الإساءة إليها. وقد كان بورقيبة المثال الأسنى لحسن النية لما تجرأ بالإصداع بالحقيقة في ما كان يتوجب فعله عندما كان القانون مع العرب من أجل دولة ذات سيادة.
لم يصغ العرب لبورقيبة وخيروا لغة العاطفة على لغة العقل، فإذا بحقهم يضيع مع رفضهم للقانون الدولي. هكذا بدأت المأساة الفلسطينية التي لا تزال دائمة إلى اليوم، لا يزيدها حدة إلا إمعان العرب في رفض الواقع وضرورة العودة للقانون بينما هو أساس حقوقهم المشروعة؛ فرفض الاعتراف بدولة إسرائيل والاكتفاء بنعتها بالكيان هو رفض للسيادة الكاملة لدولة فلسطين!
هذا الذي شجّع ويشجّع حكام إسرائيل، خاصة المتشددين منهم، على التنكر للقانون الدولي الذي أقر ضرورة قيام دولتين في الآن نفسه وتدويل القدس. فرغم أن هذه الشرعية الدولية هي أساس الدولة اليهودية نفسها، فهي لم تعد تقبل بها من منطق القوة، لا محالة، وأيضا تعلة عدم الاعتراف بها من طرف العرب وتشجيعهم لما ينعت بالإرهاب باسم مقاومة الاحتلال.
فكيف نحمل المجتمع الدولي على فرض احترام الشرعية الدولية ونحن لا نحترمها؟ بل كيف نريد السلام بدون الاعتراف بالطرف الأساسي فيها نظرا لوضعه الحالي من القوة والتصرف في الأراضي الفلسطينية؟
الاقتداء بسنة الرسول الكريم :
الاعتراف بإسرائيل كدولة قائمة الذات حسب قرار التقسيم الأممي لسنة 1947 ليس في صالحها فقط، بل هو أولا في صالح الدولة الفلسطينية، إذ لا دولة إسرائيلية قانونا دون دولة فلسطينية، كما لا دولة فلسطينية دون دولة إسرائيل. وهذه الأخيرة معترف بها دوليا، بينما لا اعتراف كما يجب بدولة فلسطين.
فهلا اتبعنا في قضية الحال سنة الرسول الكريم في حربه مع قريش بصلح لم يكن أهم الصحابة يقبل ب ولكنه كان من أجل مصلحة الإسلام ومن باب النية الصادقة؟ صلح الحديبية لم يكن تماما في صالح المسلمين عند إمضائه، فحتى صفة الرسول وقع فسخها من الوثيقة لرفض قريش الاعتراف به! إلا أن صلح الحديبية هو الذي مكّن الإسلام من الانتصار في النهاية وفتح مكة وقيام دولته. هلا اعتبرنا بالتاريخ واهتدينا بمن هو خير منا، سيد الآنام، فقررنا الاعتراف بإسرائيل حسب القانون الدولي في نطاق قرار التقسيم العادل مع تدويل القدس؟
نعم، لن تقبل إسرائيل مبدئيا بهذا، ولكن رفضها يكون أصعب لما يفرضه القانون الدولي مع قبولنا بشرعيتها من رفضنا لها، إذ هي السلاح الذي تستعمله لدعم رفضها لقانون ليس لها بدونها أي شرعية. مع العلم أن قضية الاعتراف بإسرائيل لم تعد لها أهمية منطقية نظرا لاعتراف الفلسطينيين أنفسهم بدولة إسرائيل.
لنذكّر هنا أن الفلسطينيون كانوا من السباقين لطلب تواجد تونس الديبلوماسي بإسرائيل لدعم جهود الراحل عرفات في مفاوضات السلام آنذاك، مما حمل الديبلوماسية التونسية، أخذا بالطلب الفلسطيني ذاك، على فتح مكتب بإسرائيل. هذا ما كان زمن الراحل عرفات في فترة أقل دغمائية من اليوم.
فلنعد لمثل هذه المعقولية بانتهاج السبيل الوحيدة للخروج من المأزق الحالي لفرض السلام العادل على من يرفضه بتضافر جهود الجميع ممن حسنت نيتهم! هذا ما يحتّمه واقع الحال والتاريخ القريب والبعيد، بما فيه سنة الرسول الأكرم.
*المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .
شارك رأيك