بقلم فرحات عثمان
الحج، وهو الركن الخامس في الإسلام، ليس فرضا إلا على من استطاع إليه سبيلا؛ وقد أصبح اليوم تجارة مربحة، خاصة للنظام الوهابي الذي لا يمثّل الإسلام الصحيح. فهل الحج بهذه الصفة من أوكد فرائض الدين؟
بدأ الحجيج التونسيون في الانطلاق إلى البقاع المقدسة في نطاق ما أصبح بحق تجارة مربحة لمن يسهر على هذه المناسك من بلاد الحجيج ومن بلد الحج. فهاهم ينطلقون إلى البقاع المقدسة قبل الموسم الفعلي بكثير، وفي هذا المصاريف للحاج وطبعا الربح الوفير لمن يؤمّن سفرهم وإقامتهم الطويلة.
مصاريف الحج مشطة:
إن عدد الحجاج التونسيين هذا العام يناهز الأحد عشر ألف نسمة بين حجيج (10374 نسمة) ومرشدين دينيين ووفد صحي (430 فردا)؛ أما كلفة الحج للحاج فهي جد مشطة، إذ هي ما قيمته 9510 دينارا. بذلك، تقارب تكاليف حج السنة الحالية 150 مليون دينارا من العملة الصعبة باعتبار ما يحمله الحاج معه من منحة سياحية نظرا لاضطراره للإقامة المطولة.
هذه الأموال الطائلة، التي لا تحصى ولا تعد إذا عممنا الأرقام السابقة على سائر بلاد الإسلام، تصب كلها، عدا جزء يسير لبلد الحجيج، في خزائن نظام وهابي ليس هو إلا هرطقة لا علاقة لها بالإسلام الصحيح كما تبيّن اليوم لأهل السنة والجماعة.
لذا، ألا يحق اليوم السؤال للمسلم الغيور حقا على دينه، خاصة الحاج السليم النية: هل الحج ما زال حقا من أوكد فرائض الإسلام بما أن الدين يفرض فيه الاستطاعة؟ وماهي الاستطاعة إن لم تكن انعدام التجارة التي أصبحت تميّز الحج؟
الحج مرتهن بالاستطاعة:
يفرّق الفقهاء عادة بين الحج كفريضة وحج التطوع أو النافلة، فيذهبون إلى الضرورة القطعية للأول لصفته كركن من أركان الإسلام، مع علمهم أنه في حدود الاستطاعة، وإمكانية الانصراف عن الثاني للتصدق بنفقة الحج على من بحاجة لها، فذلك أفضل وأعظم أجرا. هذا، والفقهاء يغضّون النظر عن الاستطاعة التي ليست فقط في المال والصحة، إذ هي أولا وقبل كل شيء معنوية، أي أن حال الفقراء والبائسين حيال من ينوي الحج من شأنها أن تكون مانعا وحالة من حالات عدم الاستطاعة.
إن الاستطاعة على عمل الخير هي من أفضل الواجبات الشرعية؛ وقد لخصها الصوفي عبد القادر الجيلاني بأن قال : « اللقمة في بطن جائع خير من بناء ألف مسجد، وخير ممن كسا الكعبة وألبسها البراقع، وخير ممن قام لله راجع، وخير ممن جاهد الكفر بسيف مهند قاطع، وخير ممن قام الدهر والحر واقع؛ وإذا نزل الدقيق في بطن جائع له نور كنور الشمس ساطع؛ فيا بشرى لمن أطعم جائع!». فهل انعدم الجائع في بلدنا والفقير والمعدم حتى نهدر الأموال كما نفعل؟
حج اليوم تجارة:
ما من شك أن توحيد الله، ما دامت النية طيبة، ممكن أيا كان الزمان والمكان والفعل؛ بل من الثابت أنه لا حج إذا فسدت النية فيه، فصار من باب المداهنة والمراءاة وابتغاء ما في الدنيا من زخرف ومسح للذنوب بما يتوفر من مال. وهذا يناقض نزعة الإسلام التي لا تفرّق بين البشر إلا بالتقوى، وليست هي مجرد شعائر بل كسب وعمل حسب مقاصد الشريعة.
فبإمكان الحاج صرف أموال الحج التي عددنا، كلها أو جزءا منها، في ما فيه التقوى والأجر والثواب أضعافا مضاعفة، من إطعام جائع ومسكين وإكساء ضعيف الحال وإعانة يتيم أو صبي في دراسته. أليس هذا وغيره أفضل وأصح دينا من إهدار مثل هذا المال في ما أصبح عند العديد من الناس مجرد تجارة بالدين أو حصرا على لقب ليس فيه إلا ما حذّر منه الإسلام من رياء وتملق بالدين. إضافة إلى أن أموال الحج كلها تصب في خزائن نظام وهّابي لا يخدم حقا الإسلام الحنيفي، بما أنه لا يفتأ يشينه بفهمه الأعرابي الذي ندد به القرآن.
هذا من واجب الفرد، إلا أن العقول والعادات لا تتطور إلا متى أتتها الهداية من أهل الحل والعقد دينا وسياسة، أي أن يتكلم في الموضوع حكام البلاد، ليبيّنوا أن الدين الصحيح هو في إنفاق أموال الحج الطائلة داخل البلاد للنهوض بمناطق الظل وتنمية الجهات المحرومة وخلق مواطن الشغل في سياسة تنموية تتكاتف فيها جهود الجميع؛ فهذا هو التكافل الإسلامي الصحيح، وهو أفضل البر في الدين وأصح التقوى. فلنعمل ليكون حجنا حج الجميع، يدا في يد، للخير والبركة الجامعة!
*المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .
شارك رأيك