بقلم :فتحي التليلي
لا تزال ربطة العنق التي ارتداها رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي تثير الجدل بأبعادها الرمزية لا المادية حيث اراد الغنوشي من وراءها تمرير رسائل معينة للمجتمع السياسي التونسي و للمجتمع عموما مفادها ان النهضة تغيرت و انه شخصيا لم تعد تربطه بالفكر الذي يعتبره اغلب الشعب رجعيا اية علاقة
و الواقع ان محاوالات الغنوشي لاخراج النهضة في ثوب جديد لم تكن وليدة البارحة و لم تكن بدايتها مع ربطة العنق التي ارتداها في حواره مع قناة نسمة و انما المحاوالات انطلقت منذ الاطاحة بحكم الاخوان في مصر حيث عبر النهضاويين في اكثر من مرة عن رعبهم من تكرر السيناريو المصري في تونس .و منذ تلك اللحظة بدأت التنازلات و بدأت مع اعتبره خصومها مسرحية الفصل بين الديني الدعوي و بين السيايسي اذا يعبر العارفون بخفايا الاحزاب الدينية و مرجعياتها استحالة الفصل لتتواصل موجة التنازالات من الغنوشي لصالح « خصمه » الباجي قائد السبسي مباشرة بعد تنصيبه رئيسا للجمهورية تحت غطاء التوافق و المصلحة العامة لتتوالى التنازالات حتى اصبح النداء و النهضة وجهين لعملة واحدة و المتحكم في خيوط اللعبة ليس سوى النداء . ومن الواضح من خلال ما ورد البارحة في الحوار ان الغنوشي لن يكف عن محاوالاته اثبات تغيره حتى و ان اقتضى الامر صبغ الشعر و تغيير اللحية
كل هذا يذكرني بقصة عربية قديمة للجاحظ عنوانها :” العراقي مع المروزيّ” التي تحكي ان إن رجلا من أهل مرو كان ولا يزال يحجّ ويتّجر، وينزل على رجل من أهل العراق، فيكرمه ويكفيه مؤونته. ثم كان كثيرا ما يقول لذلك العراقي: «ليت إني قد رأيتك بمرو، حتى أكافئك، لقديم إحسانك، وما تجدّد لي من البرّ في كل مرّة. فأما ههنا فقد أغناك الله عني» .
قال: فعرضت لذلك العراقي، بعد دهر طويل، حاجة في تلك الناحية؛ فكان مما هوّن عليه مكابدة السفر، ووحشة الاغتراب، مكان المروزيّ هناك. فلما قدم مضى نحوه في ثياب سفره، وفي عمامته وقلنسوته وكسائه، ليحطّ رحله عنده، كما يصنع الرجل بثقته، وموضع أنسه. فلما وجده قاعدا في أصحابه، أكبّ عليه وعانقه، فلم يره أثبته، ولا سأل عنه سؤال من رآه قط. قال العراقي في نفسه: «لعل إنكاره إيّاي لمكان القناع» ؛ فرمى بقناعه، وابتدأ مساءلته، فكان له أنكر.
فقال: «لعله أن يكون إنما أتي من قبل العمامة» ؛ فنزعها ثم إنتسب، وجدد مساءلته، فوجده أشدّ ما كان له إنكارا. قال «فلعله إنما أتي من قبل القلنسوة» ؛ وعلم المروزي أنه لم يبق شيء يتعلق به المتغافل والمتجاهل، فقال: «لو خرجت من جلدك لم أعرفك»» .
شارك رأيك