بقلم فرحات عثمان
لئن أفرز الإسلام داعش والهرطقات مثل الوهابية، فلفهمٍ خاطىءٍ لمعنى الحلال والحرام فيه؛ لذا، حان الوقت لتصحيح هذا الفهم، وإلا ضاع ديننا وقد أصبح غريبا.
للحلال والحرام معنى معيّنا في الإسلام الصحيح لم نعد نجده في الفقه الذي ورثناه، والذي هو مجرد اجتهادٍ من علماءٍ صلح في عصرهم وبار اليوم، إذ أصبح في أيدي المجرمين سلاحا ضد الإسلام، بما فيهم من يّدعي الدين الحنيف كداعش. لهذا، لا بد من تحيين فهمنا للحلال والحرام في أقرب الأوقات في نطاق اجتهاد جديد متجدد للدين من أجل فقه إسلامي لهذا العصر يترك اجتهاد القدامى جانبا لتأويل القرآن والسنة على قاعدة صحيحة دون كل هذه الإسرائيليات التي غزته فمسخت روحه السنية.
التعريف الصحيح للحلال والحرام :
الحرام في اللغة هو الممنوع وكذلك الحرمة والتحريم والحرمان. وهو النهي أيضا، فالممنوع هو المنهي عنه. وهو أيضا المحظور، إذ المنع هو الحظر. أما فقها، أي حسب الاجتهاد الذي وصلنا وليس هو قرآنا للالتزام به، إذ لا بد من مواصلة الاجتهاد لأجل فقهٍ جديد، فالحرام هو ما فعله إثم، إذ المحرّم هو ما مُنع فعله أو مُنع من فعله؛ وهو ما يُثاب على تركه ويُعاقب على فعله.
إلا أن الفقه الحالي يخلط بين الممنوع بنص إلهي وبين الممنوع بتسخير بشري، والفرق واضح. فإن كان للتسخير الإلهي الأمر، فليس للاجتهاد البشري إلا التأويل؛ لذا، لا يكون الحرام ضد الواجب إلا بأمر إلهي، وإلا يمكن له ألا يكون ضد الواجب بل من الواجب حسب مقاصد الشريعة التي من شأنها أن تغيب عن أذهان البشر؛ مع العلم أن مما شأنها أيضا أن تأتي في الموانع أيضا لخاصية الإسلام الذي تدرجت تعاليمه في تأقلمها مع كل العصور . لنأخذ في ذلك مثال قطع اليد، فرغم ورود نص في القطع، لا نبتر بعد اليد لأجل أن مقاصد الشريعة تمنع اليوم هذه الفظاعة.
أما الحلال، فهو الحل، بمعنى الفتح والإطلاق؛ وهو ما جاوز الحرم. وأصله من حل العقدة، فهو نقيض العقد. وفقها، هو المطلق بالإذن شرعا. فالتحليل إطلاق الفعل لمن يجوز عليه المنع والحجر والتقييد بالإذن. الحلال إذن هو ما لا يُعاقب عليه أو ما انتفى عن حكم التحريم أو لإباحةٍ فيها تخيير. مع العلم أن الحل هو أعم من الحلال شرعا، إذ يُطلق على ما سوى التحريم، إذ هو يقابله. وبما أن الحلال يُقابل الحرام، فهو يشمل ما عداه من المباح والمندوب والواجب والمكروه، هذه التقسيمات التي أتى بها الفقهاء، بينما ليست هي في القرآن ولا في الإسلام الصحيح الذي لا يعرف إلا المباح إذا لم يكن محرّما بنص صريح. فخلافا لما ذهب إليه الفقهاء، كل حلال مباح وكل مباح حلال. مثال ذلك الطلاق الذي ذهب الفقه إلى أنه حلال مكروه، وهذا لا معنى له، بل هو من الخُلف.
الحلال هو القاعدة والحرام هو الاستثناء في الإسلام :
من المجاز في العربية قولة الحُلو الحلال أي الكلام الذي لا ريبة فيه، وهذا ما يجب أن يصبح عليه فقهنا عوض تحريم كل ما ليس حراما وقد سهّل الله دينه فعسّرناه بفهم صلح لزمن وفسد اليوم. فهلا حلّلنا فقهنا كما يُقال لليمين، أي كفّرنا عن سوء فهمنا لديننا بما جعلنا نظلم الناس فنجعل الإسلام يتدعدش كما نراه، إذ داعش تأخذ بهذا الفقه الذي انتهت صلوحيته. لتكن للفقهاء تحلّة فقههم هذا الذي بار، مع العلم أن التحلُة هو ما كُفّر به، أي ما أذن الله به من كفّارات، كما في اليمين، إذ نقول تحلّ المرء فيه إذا حلف ثم استثنى استثناء متّصلا بما يُحلّلها.
القاعدة الإسلامية هي الحلّية في كل ما ورد من تعاليم الفرقان لا تحريم صريح فيه؛ إذ ليس التحريم إلا بصريح العبارة. بل وإن التحريم أيضا حتى بهذه الصفة لا يتم تطبيقه إذا تعارض مع مقاصد الشريعة التي تبقى هي المرجع الأوحد للدين القيّم. فلا مناص من الاحتكام دوما للفهم المقاصدي لتعاليم الإسلام حتى نتوصّل للأخذ بروحه، لأن ما يميّزه هو أزلية تعاليمه وصلوحيتها لكل زمان ومكان.
لا شك أن هذا لا يكون إلا باجتهادٍ متواصل لفهم الدين حسب مقاصده الإناسية. ومن هذه المقاصد أن القاعدة في دين الإسلام هي الحلال والاستثناء هو الحرام، إذ النية الحسنة هي مناط هذا الدين الذي يرحم الله فيه ويغفر كل الذنوب بما فيها السرقة والزنى، إذ لا إثم في الإسلام إلا الإشراك بالله؛ مع أن له أيضا، إن أراد، أن يغفر ويصفح عند التوبة النصوح. هذه هو إسلامنا الذي شوّهه أهله أكثر من أعداؤه.
شارك رأيك