بقلم أسعد جمعة
تعقيبًا على الدّعوى التي رفعها المحامي وسام السّعيدي بمعيّة عدد من المحامين يوم الثّلاثاء 15 أوت 2017 ضدّ عادل العلمي بسبب تكفيره لرئيس الدّولة ومفتي الجمهوريّة لقولهما بالمساواة بين الذّكر والأنثى في الميراث وإباحة الزّواج بين التّونسيّة المسلمة وغير المسلم، أقول إنّها ليست ذات موضوع (أي أنّها دعوى باطلة).
لأنّ ممّا قاله فيهما العلمي: إنّهما إن لم يتوبا عمّا اقترافاه من ذنب (القول بالمساواة في الميراث وجواز زواج التّونسيّة المسلمة من غير المسلم)، فإنّهما لا يغسّلان ولا يكفّنان ولا يصلّى عليهما ولا يدفنان في مقابر المسلمين، والحال أنّ الكافر بقول مشايخ الزّيتونة، أي الجماعة السنّيّة المالكيّة فقها الأشعريّة كلامًا الجوينيّة منهجا، قولا واحد، لا يمهَل إلى ما بعد الممات، وإنّما هو مستحقّ لحدّ الكفر -في صورة التّحقّق من كفره- حال حياته. وإنّما يُرجَؤ إلى ما بعد الوفاة مرتكب الكبيرة، فإن لم يتب إلى أجل موته، قُطع بكفره، كتارك الصّلاة مثلا. أمّا القائلون بالإمهال، وهم جماعة المرجئة، فقولهم لضعفه، غير مأخوذ به في البلاد التّونسيّة فقهًا وكلامًا.
ولمّا كان المحامي المذكور قد صرّح لبعض وسائل الإعلام بأنّه “ستتم مقاضاة كل من يكفّر مواطنا تونسيا لأنه من غير المقبول على حدّ قوله أن تتواصل موجة التكفير لأن ديننا الاسلامي الحنيف للجميع وكلنا ملتزمون به”، فحريّ بنا أن ننصح المذكور بالتّثبّت من دلالة وحدّ مصطلح التّكفير لدى أهل العلم، لأنّ هذا الحكم الشّرعيّ هو من الخطورة بحيث أنّه يقوم على جملة من الشّروط المحدّدة بدقّة والتي يجب أن تتوفّر في القول أو الفعل المحمولان على هذا الحكم، وهو الأمر الغائب عن صورة الحال، فضلا عن عدم توفّر مقوّماته في العبارات الفضفاضة المستعملة من قبَل المحامي المذكور، ك”ديننا الإسلامي الحنيف للجميع” و”كلّنا ملتزمون به”.
ولعلّ هذه الملاحظة الأخيرة هي الكفيلة بإدراك جوهر المسألة، وهي مدى قدرة هياكل ومؤسّسات الجمهوريّة على إدارة والتّصرّف في المسائل الخاصّة بالشّريعة الإسلاميّة. وهي ذات الإشكاليّة التي أثرناها بمناسبة تقنين جريمة التّكفير، باعتبار أنّ أدوات التّجريم مستقات من أدوات وآليّات القانون الوضعي في حين أنّ إطار والمرجعيّة المفهوميّة للجرم مرتبط بالشّريعة الإسلاميّة، وتباين، بل تقابل المجالين في بعض الحالات أوضح من أن يُستدَلّ عليه.
وفي صورة الحال، فإنّه لا مناص من الإقرار بأنّ المحاكم التّونسيّة غير مختصّة للنّظر في مثل هذه الدّعاوى. ذلك أنّ الفصل في مثل هذه القضايا يفترض من القاضي المدني أن يكون مؤهّلاً أيضًا للبتّ في القضايا الشّرعيّة، وهو الشّرط الذي لا يتوفّر في قضاة الجمهوريّة، لا من حيث تكوينهم، ولا من حيث قانون وظائفهم الأساسيّ.
صفوة القول إذا -وبمنأى عن مناصرة العلمي أو الانتصار للسّبسي ومفتيه- إنّما هو التّشديد على استحالة المزج بين مقاربة القانون الوضعيّ والطّرح الشّرعي في توصيف الفعل البشري والحكم عليه، فإنّهما يستندان إلى نظرتين للعالم متباينتين، بل متناقضتين في بعض المسائل. ومرّة أخرى نقف على خطورة الخلط بين ما هو دنيويّ وما هو دينيّ في طرحنا للمفاهيم (مفهوم الكفر -وهو مصطلح شّرعيّ-، ومفهوما القذف والتّشهير -وهما مصطلحان ينتميان إلى سجلّ القانون الوضعيّ-)، سواء أ كان هذا الخلط من فعل الإسلاميّين أم من اختلاق الحداثيّين (أو الذين يدّعون لنفسهم هذه الصّفة على الأقلّ)، فإنّ استتباعاته كارثيّة على مستقبل هذه الدّيمقراطيّة النّاشئة.
شارك رأيك