بقلم عمار قردود
بث التنظيم الإرهابي “داعش” ،منذ أيام فقط،رسالة صوتية تبدو “يائسة” للغاية إلى أتباعه يدعوهم فيها إلى “الثبات” بعد سلسلة من الهزائم التي مني بها في العراق وسوريا.ودعا “داعش” أتباعه إلى الدفاع عن معاقله في العراق وسوريا، وفي بقية معاقله في ليبيا واليمن والصومال وتونس.
رسالة “داعش” كانت بصوت “أبي الحسن المهاجر”، وأشارت إلى الفيليبين حيث يخوض التنظيم الإرهابي معارك في مدينة “مراوي” ضد القوات الحكومية الفليبينية.
ويأتي خطاب داعش بعد أنباء عن هروب جماعي لقياداته في العراق وسوريا إلى أماكن مجهولة بعد تضييق الخناق عليهم من قبل قوات التحالف.
و يشهد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ترديّاً حاداً في حظوظ بقاءه على قيد الحياة و يبدو أن ساعة آفول نجمه و وفاته قد إقتربت و دنت شيئًا فشيئًا.لكن مخاوف إنبعاثه من جديد لا تزال واردة و متوقعة و ممكنة،خاصة من ليبيا التي تعتبر أول مكان يحقق فيه التنظيم نجاحاً في الاستيلاء على الأراضي خارج العراق وسوريا.
رغم أن ذات التنظيم إنحصرت و تقلصت مساحة تواجده بليبيا بعد الضربات القاصمة للظهر التي تعرض لها مقاتلوه في سرت و بنغازي و درنة.إلا أن العوامل التي مكنت التنظيم الإرهابي من الصعود و البروز و الإنتشار و التسلط و التموقع لا تزال موجودة و إحتمال إنبعاثه من جديد و بنفس مقدرات قوته الملهمة و السابقة من ليبيا تبقى قائمة بل و متوقعة في ظل الفوضى التي تعيشها ليبيا و التناحر بين عدد من الميليشيات و رغم أن التنظيم لا يعتبر منطقة المغرب العربي حلبته الرئيسية و الإستراتيجية و الأرض التي يرغب في إتخاذها مكانًا لخلافته المزعومة لكن قد تكون مجرد “مستوطنة أو خلافة مؤقتة” أو مكان لإستعادة الأنفاس أي “إستراحة محارب”.
“داعش” حاول مرارًا و تكرارًا إيجاد له موطئ قدم في الجزائر لكن كل محاولته باءت بالفشل،و لكن ذلك لا يعني أنه بات لا يشكل خطر على الجزائر و الجزائريين،رغم الدراسة الحديثة لـــ”كريسيس غروب” التي إعترفت بأن الجزائر نجحت في إحتواء “داعش” لكنها لا تزال مفرخة لإنتاج “الدواعش”.
و قد أفاد التقرير الأمريكي الأخير حول مكافحة الإرهاب الخاص بالجزائر ،حيث أشاد بـــــ “الحملة الشرسة التي تشنها الجزائر على الإرهاب ونجاحها في مكافحة هذه الظاهرة وتجفيف منابع تمويل الجماعات الإرهابية وشبكات الإجرام المنظم”، معتبرًا أن “الجيش الجزائري قوة عسكرية وعلى الاتحاد الأوربي بناء شراكة قوية معه لمكافحة الإرهاب”.
موقف واشنطن ترجمه آخر تقرير سنوي للخارجية الأمريكية عن مكافحة الإرهاب في العالم منذ 2016 الذي أكد أن “الجزائر تبقى شريكًا مهمًا في مجابهة الإرهاب”، مشيدًا “بامتلاك الجزائر تاريخًا طويلاً من النضال ضد الإرهاب، وتخصيصها موارد كبيرة من أجل الحفاظ على أمنها”، وبالتزامها الدبلوماسي من أجل ترقية السلم والأمن العالميين”.
و نجحت الجزائر في احتواء تهديد كثير من الجماعات الإرهابية خاصة تنظيم “داعش” الإرهابي في منطقة الساحل من خلال استراتيجية تعتمد على استهداف قياداتها وكسر قدرتها القتالية، وتكثيف التنسيق الأمني والاستخباراتي مع دول المنطقة والدول الغربية، كما نجحت في وقف زحف تنظيم “داعش” الإرهابي ومحاولاته أيضا أن يجعل من الجزائر بوابته نحو العمق الإفريقي، وهذا الأمر كان هدفا مهما جدا لهذا التنظيم الإرهابي.
هذا و قد كشف تقرير من إعداد شبكة “فوكس نيوز” يرصد تراجع التنظيم المتطرف في سوريا والعراق، ومحاولته تجميع نفسه في ليبيا.ونقلت الشبكة اليوم الأربعاء عن محللين وخبراء قولهم: “بينما يخسر تنظيم داعش أرضه في العراق وسوريا فإنه يستفيد بشكل متزايد من الفوضى في ليبيا، ليتخذ من هذا البلد نقطة انطلاق له”.
ووفقاً للشبكة التلفزيونية الأمريكية فإنه من المعتقد أن التنظيم يعيد تجميع نفسه ويجند عناصره في المناطق الريفية جنوب الطريق السريع الرئيس الممتد من الشرق للغرب في مدينة صبراته القريبة من الحدود التونسية بعد سقوط سرت عاصمة “الخلافة” في ليبيا العام الماضي.
وقال “روبرت يانج بيلتون” الخبير في شؤون الإرهاب: أن “الغالبية من قواتهم المقاتلة تأتي من تونس لذلك فإن مصراته مركز متنامي لهم، داعش ليبيا يمكن أن ينمو بسرعة”.
“داعش” ليبيا خرج من صُلب مليشيا تابعة لجماعة “الإخوان المسلمين” ومنشقين عن “القاعدة” في درنة سنة 2013
ونقلت الشبكة قول العقيد “أحمد المسماري” المتحدث بأسم الجيش الليبي الوطني: “إن أول ظهور لداعش في ليبيا كان في نهاية 2013 ، أي قبل هيمنته على العراق، مؤكدًا أنه خرج من مليشيا تابعة لجماعة الإخوان المسلمين ومنشقين عن القاعدة في مدينة درنة قرب الحدود المصرية”.ووفقاً للمسماري فإن قوات التنظيم انتقلت من مواقعها شرق ليبيا قرب الحدود المصرية إلى الغرب قرب الحدود التونسية.
واستشهدت الشبكة التلفزيونية الأمريكية بتصريحات الناطق باسم قوات “البنيان المرصوص” محمد الغصري التي قال فيها الأسبوع الماضي: “جرى رصد تحركات عناصر من داعش جنوب مدينة سرت، مجموعات تحاول أن تلملم نفسها وتحاول أن تخترق قواتنا من الجهة الجنوبية، ونحن لدينا القدرة والعزيمة لدحر هذه المجموعات والقضاء عليها مثلما هزمناهم في سرت”،وأكد الغصري، أن “قوات مصراتة تفتقر للدعم من المجتمع الدولي منذ هزيمة التنظيم العام الماضي”.
وبعد معارك دامية تحررت سرت الليبية قبل أشهر على يد قوات “البنيان المرصوص”، التابعة لحكومة الوفاق الليبية، من قبضة تنظيم “داعش” الذي جعل منها أهم معقل له في ليبيا والمنطقة.
من جانبه، قال “جوزيف فالون” الخبير في شؤون الحركات المتطرفة والباحث بمنتدى الدفاع في المملكة المتحدة إن داعش تراجع لجنوب مدينة سرت لإعادة تنظيم صفوف، محذرًا من التقليل من خطر التنظيم المتطرف.
وأضاف: “التنظيم يمكنه تهديد المصالح الغربية من خلال استهداف المنشآت النفطية والموانئ بحرب بعصابات، ومن خلال تنفيذ عمليات إرهابية لإطلاق موجات هائلة من المهاجرين لزعزعة استقرار جيران ليبيا وأوروبا”.
و لا يزال تنظيم “داعش” يبسط سيطرته على بعض المناطق في العراق وسوريا، حيث إن تمركزه الحقيقي في الرقة بسوريا التي يدافع كثيراً عنها حتى لا تطالها العمليات العسكرية ضده، يتقدم أحياناً وينحسر تواجده في أحيان أخرى في بعض المناطق تبعاً للعمليات العسكرية التي تقام ضده “بعضها تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا والعراق”، و قد أجمع الخبراء لـــ”أنباء تونس” إن المعارك الحالية في الموصل العراقية كان قد سيطر عليها “داعش” في جوان 2014 و هي ليست أولى المعارك ضد هذا التنظيم الإرهابي بل كانت هناك أخرى سابقة في محافظتي نينوي والأنبار، ولم تستطع القوات العراقية السيطرة على المحافظتين حيث أن القوات العراقية تحقق انتصارات لكن بمرور الوقت تتراجع القوات فيعود “داعش” إلى هذه المناطق مرة أخرى، و هو ما يعني أن ما يحدث هو “تحجيم لمناطق النفوذ والسيطرة الخاصة بداعش”،
والقضاء على التنظيم يعني أن تقضي على مناطق تمركزه “لا سيطرته”،ما حدث هو مجرد مسكنات لألم ما في جسد يشكو المرض و الفناء و ليس علاجًا ناجعًا و مفيدًا.
ووفق بيان لمركز مكافحة الإرهاب في لاهاي، فقد بلغ عدد قتلى داعش 14% من المجموع الكلي للمنتمين إليه، ويأمل المتابعون أن يكون هذا سبباً في تراجع قوة التنظيم.من جهته وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس،أكد أن المعركة مع تنظيم داعش لن تنتهي بسرعة وستكون طويلة.
لهذا يمكن إعتبار سنة 2017 هي سنة انحسار تنظيم “داعش” و لكن ليس بالضرورة فناءه أو إنتهاءه، لأن هناك تنظيمات فرعية تفك ارتباطها بالتنظيم الأم في سوريا والعراق كـــ “أنصار بيت المقدس في مصر”، و”جماعة بوكو حرام فى نيجيريا”،و هو ما يعني أن لتنظيم “داعش” أبناء و أذرع و بذور يمكن زرعها في أي بقعة من الأرض….ليكون مثل الغيث أينما وقع..زرع؟
و لهذا لا يمكن إعتبار خسارة “داعش” في الموصل و غيرها هي بداية نهايته،لأنه كلما ازدادت الضربات ضد التنظيم زادات فكرة انحساره وخسارته و هذا من طبائع الأمور،،كما أن تنظيم “داعش” يفقد السيطرة على الموارد المالية -التي تعتبر هي الأهم بالنسبة لأي تنظيم إرهابي في العالم بل أن الأموال هي أكسير حياته و ربما قوته -والمتمثلة في البترول والأراضي الزراعية.لهذا الخبراء يتوقعون أن يكون البلد أو البلدان المقبلة التي سيتخذها تنظيم “داعش” حصنًا و معقلاً له بتروليًا أو غازيًا كليبيا أو الجزائر أو نيجيريا و ربما بلد خليجي أو أي بلد يكون غني بالثروات البترولية و الغازية.
قد تكون سنة 2017 نهاية لبداية تنظيم “داعش” أي أن التنظيم الإرهابي كل ما قام به من إعتداءات و هجومات و عمليات إرهابية عبر العالم منذ سنة 2014 و حتى اليوم هو مجرد “بروفة” أو يشبه “البث التجريبي” للقنوات الفضائية التلفزيونية الجديدة،أو العدد “صفر” لجريدة أو مجلة جديدة و أن إنطلاقته ستكون قوية و أكثر دموية و أن القادم أسوأ مع “داعش”…؟.
شارك رأيك