بقلم : عمّـــــار قـــــردود
أفادت مصادر ديبلوماسية مطلعة لــــ”أنباء تونس” أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيعلن عن إعادة بعث مشروع الإتحاد من أجل المتوسط و إحياءه من جديد خلال زيارته المرتقبة إلى تونس قبل نهاية العام الجاري 2017،فهل سيتم إعادة بعث مشروع الإتحاد من أجل المتوسط و إحياؤه من جديد من تونس؟
لقد شكلت فكرة الاتحاد المتوسطي هاجسًا لنيكولا ساركوزي منذ كان وزيرًا للداخلية الفرنسية سنة 2005، وفي ذروة المعركة الانتخابية الرئاسية أعلن في فيفري 2007 صراحة مشروعه مستعرضًا فوائد التعاون والاتحاد بين ضفتي المتوسط في زمن العولمة الاقتصادية وسقوط الجمارك بين الدول.
وعشية انتخابه رئيسًا للجمهورية الفرنسية أطلق نداء للانضمام لمشروعه الذي اعتبره حلمًا كبيرًا للحضارة, يوحد أفريقيا وأوروبا ويبني مصيرًا مشتركا بينهما للتأثير في مصير العالم ومواجهة العولمة.لكن الرئيس ساركوزي لم يفلح في إقناع شركائه الأوروبيين خاصة البلدان غير الساحلية المتوسطية بالانخراط في مبادرته، ليفرغ هذا المشروع من محتواه الأساسي ويفرض عليه صبغة جديدة لا تخرج عن إطار الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وبلدان الجنوب المتوسطي.
ومنه فإن الانتقال من الاتحاد المتوسطي إلى الاتحاد من أجل البحر الأبيض المتوسط جاء كمشروع جديد (فرنسي ألماني) ليكبح جماح فرنسا وتطلعاتها وطموحاتها المستقبلية، إذ أرغمت برلين باريس على تصحيح مبادرتها التي تهدف بالأساس إلى تفضيل دول جنوب أوروبا وتهديد كيان الاتحاد الأوروبي بإقصاء عواصم الدول الأوروبية غير المطلة على البحر الأبيض المتوسط من هذا المشروع.
وسط احتفالية ضخمة وباذخة ووسط إجراءات أمنية صارمة، أعلن الرئيس الفرنسي في الثالث عشر جويلية 2008 في القصر الكبير بالعاصمة باريس ميلاد الاتحاد من أجل المتوسط بحضور قادة 43 دولة بمن فيهم كل أعضاء الاتحاد الأوروبي الـ27 ، وقد جاء تزامنًا مع ذكرى استقلال فرنسا وأيضا بالذكرى الأربعين لميلاد أول تجمع فرنكوفوني تقوده فرنسا، التي نجحت من خلاله في صناعة طبقة عربية مثقفة في لبنان والمغرب العربي تدين بالولاء والإعجاب بالنموذج الفرنسي.
و قد بذل ساركوزي جهودًا كبيرة من أجل مشاركة جميع القادة العرب منهم الرؤساء الجزائري والسوري والسلطة الفلسطينية في القاعة نفسها، وحول طاولة واحدة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وقد جاء في ديباجة لإعلان باريس أن الغرض من إنشاء هذا الاتحاد هو بناء السلام والازدهار لكل المنطقة، وإقامة شراكة متعددة وتعزيز التكامل والانسجام الإقليمي، كما يؤكد أهمية مشاركة المجتمع المدني والهيئات الإقليمية والقطاعات الخاصة لإنجاحه مع التركيز على الندية في التعاون والعمل المشترك وتقرير المشاريع وتنفيذها.
وفصل الإعلان تأسيس الاتحاد من رئاسة ثنائية وأمانة عامة مفتوحة لكل المنظمين إليه وليست مقتصرة على الدول المتوسطية، كما يأمل ساركوزي -كما نص الإعلان- انعقاد قمم الاتحاد بالتناوب بين عاصمة متوسطية وأخرى أوروبية فيما تكون الرئاسة ثنائية، والجدير بالملاحظة أن فرنسا ومصر أتفقتا على أن يتقاسما رئاسة الاتحاد بشكل دوري كل سنتين، وتم اختيار مقر أمانة الاتحاد في برشلونة كحل وسط.
و قد واجه قيام الاتحاد ردود فعل قوية تميزت بالشك والنقد والتساؤلات سواء على المستوى العربي أو الأوروبي. فعلى صعيد الدول الأوروبية فقد توجست بلدان الاتحاد خيفة من النوايا الدفينة من المبادرة الفرنسية، واعتبرها البعض غزوا فرنسيا، كما انتقدت منظمة العفو الدولية الاتحاد الجديد وقالت إنه يضحي بحقوق الإنسان لصالح الأعمال.
أما تركيا فعارضت المشروع برمته وترى فيه محاولة جديدة لإلحاق جنوب المتوسط بشماله في وجه الزحف الأميركي الصيني وخطة لمواجهة الهجرة السرية التي تنطلق من الجنوب نحو الشمال عبر استبدال اليد العاملة التركية والعربية والإسلامية بشعوب أوروبا الشرقية التي التحقت بالمجموعة الأوروبية، مما سيشعل أزمات اجتماعية واقتصادية إقليمية بالغة الخطورة.
وتركيا في نظر المؤلف تقود باسم دول الجنوب عملية الحصول على ضمانات وتفسيرات من دول الشمال حتى تطمئن إلى أن هذا النوع من التعاون بين دول غبر متكافئة لن يفرض على دول الجنوب دفع الثمن أكثر من مرة.
وإذا كانت الدول الأوروبية قد تمكنت من تخطي الاختلافات التي سادت بينها وتبديد الهواجس، فإن دول الجنوب وأغلبها عربية لا يبدو أنها تسير بهذا الاتجاه، خاصة وأن عدة مسؤولين وخبراء لم يخفوا تحفظاتهم إزاء المشروع الذي يعتقد الكثيرون في الدول العربية بأنه تمهيد لإدماج إسرائيل في المنطقة بل ومكافأتها على إجرامها اليومي ضد الشعب الفلسطيني، فالرؤية العربية هي أن الاتحاد بمثابة حيلة لتشجيع التطبيع مع إسرائيل من دون أن تقدم هذه الأخيرة أي تنازلات سياسية، وهم يفضلون شراكة بين الاتحاد الأوروبي والعالم العربي واستبعاد إسرائيل إلى أن توافق على إحلال السلام.
أما التيارات السياسية القومية في سوريا فتخشى أن يكون الاتحاد بديلاً عن الوحدة العربية أو على الأقل التكامل العربي في المجالات السياسية والاقتصادية، وإعاقة بطريقة ما لعمل جامعة الدول العربية، بل أكثر من ذلك يخشون أيضا أن يكون المشروع برمته يهدف فقط لدمج إسرائيل في المنطقة على حساب الحل العادل للقضية واستعادة الأراضي المحتلة، أو أن يكون مشروعا اقتصاديا بحتا يهدف إلى نهب ثروات الجنوب بطريقة حضارية.
أما على صعيد دول المغرب العربي فردوده تباينت بين مرحب قوي ورافض قاطع، فالأولى وعلى رأسها تونس تطمح أن تعامل كشريك كامل العضوية بالاتحاد رغم تباين الفوارق بين الضفتين، والثانية وعلى رأسها ليبيا أبدت صراحة مخاوفها من احتكار المفوضية الأوروبية للقرار نظرا لقوتها المادية. ويلتقي الموقف الجزائري مع الليبي باعتبار الأعضاء من الجانب الأوروبي منحازين لإسرائيل، إلى جانب ما يمكن أن يشكله من أخطار إضافية على الصف العربي المتصدع وسعيه لعزل البلدان العربية من عمقها الإستراتيجي في أفريقيا على نحو يقوض دور الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي.
إضافة لذلك تشترط الجزائر أن يكون للجامعة العربية مقعد دائم في هياكل الاتحاد المتوسطي مثله مثل الاتحاد الأوروبي، وهو المطلب الذي تصر إسرائيل على رفضه وتطالب بمناصب حساسة وبالتحديد أمانته العامة.
و يعتبر الاتحاد من أجل المتوسط منظمة حكومية دولية تجمع بين الدول الثماني والعشرين أعضاء الاتحاد الأوروبي وخمسة عشر بلداً من الساحلين الجنوبي والشرقي للبحر المتوسط. وهو يتيح منتدى فريداً من نوعه لتعزيز التعاون الإقليمي والحوار في المنطقة الأورومتوسطية.
شارك رأيك