للمرة الأولى، كشفت القناة الثانية الإسرائيلية في نهاية الأسبوع الماضي بعد 64 عامًا كيف عمل رجال “الموساد” في أنحاء دول شمال إفريقيا على مساعدة اليهود المحليين الذين كانوا معنيين بالهجرة إلى إسرائيل في بداية تأسيسها سنة 1948 ونقلهم إليها بأمان.
التمهيد لمباشرة تهجير اليهود التونسيين إلى إسرائيل، وفق ما جاء في تقرير القناة الإسرائيلية الثانية ونقله عنها موقع “المصدر” الإسرائيلي، بدأ بزيارة قام بها أحد رجالات جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد”، ودامت أشهرًا إلى عدد من دول شمال إفريقيا، بهدف وضْع خطة لمساعدة عشرات الآلاف من اليهود على الهجرة إلى إسرائيل غداة قيامها.
وحسب المصدر ذاته، فإنَّ جهاز الموساد الإسرائيلي أقام كثيرا من الخلايا الاستخباراتية في شمال إفريقيا، لمساعدة نصف مليون يهودي، كانوا يقيمون، بالخصوص، في المغرب والجزائر وتونس، على الوصول إلى إسرائيل، إذ تمّ تهجيرهم عبر البحر.
دخول جهاز الموساد الإسرائيلي على خط تهجير اليهود من دول شمال إفريقيا إلى إسرائيل، والذي تسرّب لأوّل مرة بعد أزيد من ستة عقود، يُورد التقرير الطويل الذي أنجزتْه القناة الثانية الإسرائيلية، كان بهدف حمايتهم “من التعرّض لمعاملة قاسية”، بعد أن نالتْ دول المنطقة استقلالها.
وكشفت القناة التلفزيونية الإسرائيلية هوية ضابط جهاز المخابرات الإسرائيلي الذي تولّى ترتيب عملية تهجير اليهود من شمال إفريقيا إلى إسرائيل، ويُدعى “شلومو حفيلو”، وكان مبعوثًا لــــــ”إيسر هرئيل”، رئيس “الموساد” آنذاك، ودامت الجولة التي قام بها، بناء على تصريحه للقناة الثانية الإسرائيلية، حوالي ثلاثة أشهر، امتدت من تونس إلى الشواطئ المغربية مرورًا بالجزائر.
وقد شكلت خلايا الاستخبارات الصغيرة التي نشطت في بضع دول حلقات الوصل بين تل أبيب والدار البيضاء المغربية وثماني مراكز أخرى في شمال إفريقيا وقد أرسِلت أسلحة وذخيرة لأعضاء الخلايا السرية.
وتحدث عميل “الموساد” حفيليو عن حادثة وصفها بـــ “العنيفة” وقعت عام 1956، ألقت فيها خلية تابعة لجبهة التحرير الوطني الجزائرية (FLN) قنبلة على مقهى يهودي، وعثر رجال “الموساد” الذين نشطوا في المنطقة على الخلية وقتلوا أفرادها وهكذات انتهى تعرض اليهود للتهديدات بالجزائر.
و بحسب بعض المختصين لـــ”أنباء تونس” فإن وجود اليهود في تونس يعود إلى عصور قديمة من خلال اعتناق بعض السكّان المحليين لليهودية بفعل العلاقات التجارية مع المشرق”. لكن النّسبة الأكبر منهم “جاءت أساساً بفعل الهجرات من الأندلس وإيطاليا وبلدان الحوض المتوسّط، فسوق القرانة في مدينة تونس العتيقة مثلاً يأخذ اسمه من اليهود القادمين من مدينة قرنة Livourne الإيطالية.
يعود تاريخ اليهود في تونس إلى العصور القديمة، فقد تبين أن وجودهم على أرض تونس الحالية يرجع إلى القرن الثاني قبل الميلاد، على الرغم من أن بعض التآريخ تقول إن وصولهم إلى المنطقة يرجع إلى فترة أقدم من ذلك.
بعد نهاية الحرب العالمية الأولى أوزارها، حصل اليهود في تونس على حق التمثيل في جميع المجالس الاستشارية للبلد كالغرف التجارية ومستشاري الرؤساء وعلى مقاعد في المجالس الكبرى، في عام1931، شيد أكبر كنيس في تونس (السيناغوغ الواقع راهنًا بشارع الحرية بالعاصمة التونسية)، ونعمت الجالية اليهودية بفترة من السلم والنمو الاستثنائي، وعلى أعتاب الحرب العالمية الثانية، بلغ عدد اليهود التونسيين 56240، يضاف إليهم 7000 يهودي فرنسي و3000 يهودي إيطالي.
من نوفمبر 1942 إلى ماي 1943، احتلت قوات المحور كامل الأراضي في تونس الشرقية، وتحت وطأة الاحتلال الألماني، قُتل 350 يهوديًا نتيجة لقصف قوات التحالف، كما مات 600 إلى 700 شخص بسبب سوء التغذية والأوبئة، وبدءًا من منتصف عام 1950، بدأت الهجرة اليهودية إلى إسرائيل وفرنسا بشكل واسع النطاق حيث إن 25000 يهودي غادروا تونس بين عامي 1948 و1955، أما اليوم، فقد اختفى آخر أثر لذلك الماضي.
وعلى الرغم من الجهود الحقيقية المبذولة من جانب الحكومة التونسية والجمعيات التي نشأت، تداعت المقابر، وأُغلقت المعابد، ولم يعد هناك وجود لليهودية في الذاكرة الجماعية للأجيال، إلا عدد قليل.
و يتواجد في تونس نحو 1400 مواطن يهودي يتمركزون أساساً في جربة وجرجيس -جنوب البلاد- حيث قرابة ألف شخص، بينما يوجد قرابة الـ400 في تونس العاصمة،و يوجد كذلك 20 في مدينة سوسة، وخمسة في صفاقس، و4 في مدينة نابل، رغم أن اليهود كانوا يمثلون قرابة 20% من الشعب التونسي قبل الحرب العالميّة الثانية.
في شهر ماي من كل عام يتوافد آلاف اليهود من شتّى أنحاء العالم إلى جزيرة جربة التونسيّة، جنوب شرقي البلاد، حيث يوجد كنيس الغريبة، أقدم كنيس يهودي في إفريقيا، وذلك لأداء شعائر الحج.
وأردف المصدر ذاته أنَّ أفراد الخلية الاستخباراتية التابعة للموساد في تونس فتشت عن اليهود التونسيين الراغبين في الهجرة إلى إسرائيل في كل أرجاء المغرب، ووفّروا لهم جوازات سفر مزوّرة، وجرى تهريبهم إلى إسرائيل عبر السفن، مشيرا إلى أنّ جزءًا من هذه العملية تمّ بتعاون مع السلطات الفرنسية التي وافقت على عبور المهاجرين اليهود إلى إسرائيل عبر أراضيها.
هاجر أكثر من 43 ألف يهودي تونسي إلى إسرائيل،و يقدر عدد اليهود القاطنين في إسرائيل من أصل جزائري وتونس بقرابة 40 ألفا، إلا أن الملاحظ أن نسبة كبيرة منهم (أي قرابة 10 آلاف) يتراوح سنهم ما بين 65 و74 سنة، وقد قام عدد من يهود الجزائر بتنظيم أنفسهم في جمعيات، مثل جمعية يهود قسنطينة التي نظمت لقاء جامعا كبيرا في القدس المحتلة سنة .2005 توفي “شلومو حفيليو” في شهر ماي 2017، عن عمر يناهز 96 عامًا بعد أن كان مسؤولاً عن نقل عشرات آلاف اليهود إلى إسرائيل من الدول العربيّة.
رابط للموضوع الذي تحدث عنه موقع “المصدر” الإسرائيلي
عمار قردود
شارك رأيك