بقلم الشاذلي خليل
عاش الشعب التونسي و بفضل ثورة شبابه التي تفجّرت مؤخرا، في وجه الظلم و الجور و المهانة بشتى أشكالها، نقلة و ضعيّة و عميقة بقصد تغيير أوضاعه السياسيّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة و حتى الثقافيّة وباقي المجالات الأخرى المختلفة.
تلك المجالات و النطاقات التي كانت و الحق يقال مهمّشة و مصادرة لما فرضه الحكم البائد من تعتيم قويّ و محكم عليها لتكريس مشروع و برنامج إنتهازي و إستغلالي بإتخاذ أساليب النهب و إهدار للثروات الوطنيّة بشتى الأشكال و الطرق و الأساليب، تلك المشاريع السياسات التي كانت كثيرا ما تعتمد في مظهرها المغالطة و التنميق و التلوين و البهرجة الغالطة و الكاذبة، فالتنمية أضحت شعارا أجوف و خال بدوره من أيّ مدلول علمي أو مضمون خفيّ أو عميق حقيقي، فالإستقرار أصبح شعارا خال من أيّ مدلول يؤمّنه أو يضمنه، و التضامن ظلّ شعارا يرفع في مقابل غاية النهب لجيوب أبناء الشعب و سلب قدراتهم و ممتلكاتهم و ثرواتهم و حتى مقدرتهم الشرائيّة، و أنّه و بمجرّد فرار الطاغية و عائلته المالكة التي حكمت هذا الشعب في ظلّ الإستغلال و النهب لثرواته و طاقاته و إهدار موارده الماليّة بشتى أشكالها، فقد هبّ هذا الشعب إلى لملمة أوضاعه و إستعادة نفسه للإنطلاق من جديد للبناء و الإنشاء بوتيرة متسارعة و حثيثة و متأنيّة و ثابتة و دائمة.
فالثورة كانت بمثابة الصحوة للضمير الشعبي، و وقفة تأمل لتقييم كلّ الأوضاع مهما كان نوعها، خاصّة و بعد أن أفاق الشعب على حقيقة مذهلة تتمثل في كثرة جيوب الفقر و الخصاصة بالبلاد، فضلا على تفاقم البطالة بكلّ الجهات، و لو أنّ تلك الحقائق لم تكن لتخفى على أصحاب الضمائر و العزائم الصادقة و على المفكرين و بعض الملاحظين المخلصين.
هذا و بعد سقوط الأقنعة … و إكتشاف حقيقة الوضع و الأمور، و إنكشاف المستور، لم يبق لهذا الشعب إلا إختيار واحد يتمثل في السعي بأيّ شكل من الأشكال، لتحقيق الإستقرار الأمني كأولويّة ضروريّة و مستحقة، ثمّ و في مرحلة ثانية العمل على لمّ الشمل بقصد إعادة البناء و التشييد في كنف مسيرة تنمويّة شاملة و عامّة و عارمة، و بقصد حلّ المشاكل التي يتخبّط فيها هذا الشعب صبرة واحدة، آخذة بعين الإعتبار لكلّ القطاعات المختلفة إجتماعيّة كانت أو إقتصاديّة … تلك القطاعات التي تشكل في حقيقتها الشغل الشاغل لكلّ الفئات الإجتماعيّة على إختلاف طاقتها و أعمارها.
هذا ولا يتسنى ذلك في نظرنا، إلا إذا تمّ التفكير بصورة جليّة و واضحة، بإرادة حلّ تلك المعضلات و المشاغل و المشاكل في إطار حلّ شامل و وفق خارطة طريق موحدة، تأخذ بعين الإعتبار كلّ تلك القطاعات و الميادين بالتركيز بشمولها بالحلّ المناسب و العميق و المستمرّ و الثابت و المناسب و الجذري، و لا في إطار نظرة ضيّقة و قاصرة.
و إنّه و في نطاق هذا المنطلق يتنزّل هذا المشروع، الذي يهدف و من أساسه إلى تحقيق ” فرحة الحياة ” لكلّ فئات الشعب التونسي مهما كانت شرائحه الإجتماعيّة أو العمريّة و ذلك بقصد معالجة شاملة لظاهرتي الفقر و البطالة و الخصاصة و الإحتياج بكل مظاهرها، تلك الظواهر التي مافتئ يعيش الشعب التونسي بكلّ شرائحه و فئاته في نطاقها طيلة عقود و عهود رغم تعاقب مفكريه و سياسييه على سدّة الحكم منذ بزوغ نسمات الإستقلال على ربوعه، ذلك أنّه قد أضحت تلك السياسات و المخطاطات التي حرص أصحابها على رسمها و تعهدّها و متابعتها، حبرا على ورق بالنظر إلى ما إنتهى إليه الوضع الحالي من تردّ للأوضاع ببلادنا على جميع النطاقات و الجهات دون إستثناء.
و لذلك وجب و قبل أيّ وقت مضى، الحرص كلّ الحرص على توفير كلّ الطاقات و الأفكار و الآليات لمجابهة الوضع الحالي بكلّ مسؤوليّة و شجاعة و إرادة و حزم، لحلّ كلّ تلك المعضلات التي كبّلت ماضيا و حاضرا و حتى مستقبلا، المسيرة الوطنيّة في ما تصبو إليه من تقدّم و تحسين شامل لأوضاعها الإجتماعيّة و الإقتصاديّة و حتى السياسيّة و الثقافيّة و الحضاريّة، حتى يكون ذلك العزم و الحزم و تلك الإرادة في نطاق مصداقيّة الحديث النبوي الشريف ” لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم ” ذلك المبدأ السماوي المقدّس، فلا تغيير دون تغيير و تحوّل لنفسيّة أهلها و أصحابها و لا نقلة نوعيّة أو تقدّم بدون توفر إرادة و مبادرة خلاقة على قلب الأوضاع الحاليّة و تعهدها بالإصلاح الشامل و الكامل على جميع الأطر و النطاقات و الميادين.
و لهذا كان من الضروري التحسيس بضرورة الإندماج في هذا المشروع الشامل و المتكامل، للإنخراط في فعالياته و آلياته بإعتباره سيغيّر الواقع الحالي المعاش الذي يتمثل في الفقر و الخصاصة و الحرمان و البطالة و إنعدام مورد الرزق و أسباب الحياة الكريمة بشتى أشكالها و مظاهرها، بقصد الرقي بالشعب إلى الحياة المثلى و الأحسن و الأفضل و بالتالي توفير فرحة الحياة التي يتوق إليها كلّ فرد من أفراده و حسب موقعه فيه و بدون إستثناء، و لا يتيسّر ذلك في نظرنا إلا بعد توفير الأرضيّة الإعلاميّة والسياسيّة و الإداريّة و الإقتصاديّة و الإجتماعيّة، التي ستمثل في حدّ ذاتها بمثابة المعين و الحافز لإنجاح هذا المشروع بجميع مكوّناته و آلياته.
و إنّه لا يمكن أن يتمّ ذلك كله إلا بتظافر كلّ الأطراف الواجب توفرها لإنجاحه و نعني بذلك الدولة بدواليبها السياسيّة و الإداريّة و الإقتصاديّة و الإجتماعيّة و أبناء الشعب ذوي الطاقات و العزائم الصادقة و الخلاقة، و هذا ليس بالعزيز على تونس، التي راهنت على العنصر البشري و على طاقاتها الخلاقة و المفكرّة و على سواعد أبنائها و بناة الوطن و مستقبله المشرق و الزاهر.
هذا و أملنا وطيد في إنجاح هذا البرنامج و المشروع الشّامل لحلّ كلّ المعضلات التي يتخبّط فيها الخاص و العام و التي لم تجد طريقها إلى الحلّ أو لم يهتد بعد إلى الحلّ الأمثل لها، بالنظر لتفشي ظاهرتي الخصاصة و الفقر و الإحتياج و البطالة و قلة موارد الرزق، بكلّ أنحاء البلاد و قد طالت كلّ العباد على إختلاف الشرائح الإجتماعيّة و العمريّة.
كما نتمنى أن يجد هذا المشروع حسن التقبّل و القبول و أن يحظى بذلك بفضل فتح الأبواب أمامه من طرف الأطراف التي ستدعى لتفعيله و تنفيذه على حيّز التطبيق العملي، لجني ثماره في القريب العاجل، بالنظر إلى الضغط الشعبي العام و العارم.
هذا و سيتمّ لاحقا تبيان كلّ المكوّنات و العناصر الأساسيّة لهذا المشروع بإطناب، حتى تكون الإحاطة بفعالياته واضحة و مبسطة و في متناول كلّ الحساسيات وفي مقدّمتها أصحاب الرأي و القرار.
إن تطلعات الشعب التونسي إلى الغد الأفضل لتنطلق بالأساس من معطيات ثابتة لا غبار عليها تتمثل في القضاء على الفقر و الخصاصة و الإحتياج بالدرجة الأولى، و لغاية توفير هذا الهدف الأصلي يتعيّن إتخاذ جملة من التدابير تطبيقيّة و منطقيّة و واقعيّة و ممكنة التوفير، تتمثل في العناصر التـالـيـــة:
-أوّلا: الضبط الإحصائي لعدد العائلات المعوزة و التي هي في أشدّ الحاجة إلى الدعم المادي مهما كان نوعه بقصد الرفع بمستوياتها على جميع الأصعدة، و على أن يتمّ ذلك بصفة ميدانيّة و علميّة، بدون إقصاء أو تهميش أو محسوبيّة، و إدخال في تلك القائمات الإحصائية كلّ ذي حق حقه، مع مقاييس مضبوطة تأخذ بعين الإعتبار ذوي الإحتياجات المتأكدة و الأكيدة قبل غيرهم.
-ثـانـيــا: العمل على تدعيم و حلّ مشاكل هذه العائلات (شديدة الفقر) بصورة متأكدة و قبل غيرها، تلك التي قد تكون بدورها في حاجة ماسة للإعانة و تحسين أوضاعها، لكنّها تتمتع بموارد رزق أفضل من الأولى التي تفتقد و الحق يقال، لأي مصدر رزق يعولها و يوفر لها لقمة العيش الأوليّة.
-ثـالـثـا: العمل على العناية بالعائلات التي تكون بدورها في حاجة للإعانة و المساعدة لكنها لم تكن على سوء الحال من الأولى، و ذلك بضبط هذا النوع من العائلات بإحصائيات دقيقة و علميّة و ثابتة.
-رابعــا: الحرص على حلّ المشاكل التي قد تكون تتخبط فيها هذا النوع الثاني من العائلات مهما كان نوعها أو أسبابها.
-خامسا: الضبط الإحصائي للعائلات ذات الدخل المتوسط و الذي لم يمكـّنها دخلها من تحقيق أسباب و مسبّبات الحياة الكريمة و التي من المتأكد أنّها تشكوا بدورها بنوعيّة خصوصيّة من المشاكل ذات طابع إمّا مادي أو إجتماعي.
-سادسـا: العمل على إدراج تلك القائمات في قائمة المنتفعين بهذا المشروع.
-سابـعـا: العمل بحشد الطاقات العاملة و التي من الضروري أن تساهم بالعمل و الخبرات و المال لتنفيذ و إنجاز و تطبيق هذا المشروع.
-ثـامـنـا: العمل على تشريك كلّ الطاقات الشابة و تلك القادرة على العمل في فعاليات هذا المشروع، كتشريك ذوي الخبرة المهنيّة و الحرفيّة بقصد إنجاز المشروع من جميع جوانبه.
-تـاسـعـا: الحرص كلّ الحرص على توفير التمويل المالي اللازم بقصد إنجاز المشروع مع التعويل بالأساس على القطاع الدّولي و الحكومي بالدرجة الأولى ثمّ على القطاع الخاص بالدرجة الثانية و على التبرعات الخاصّة، للمواطنين بالدرجة الثالثة، و في إطار منظومة عموميّة تتوفر فيها الرقابة و المصداقيّة و السرعة في الإجراءات القانونيّة، تفاديا من التعطيلات ذات الطابع الإداري الروتيني، بالنظر إلى طبيعة المشروع و ضرورة الإسراع في إنجاز فعالياته التي من أجلها تمّ بعثه و أهدافه و الفوائد المنجرّة عنه.
-عاشـرا: ضرورة تذليل كلّ الصعوبات مهما كان نوعها و مأتاها التي قد تعترض المشروع وذلك بتظافر كلّ الجهود و العزائم الصادقة من ذوي المخلصين لهذا الوطن و تقدّمه و إزدهاره و الذود عنه و عن حماه.
هذا و لا يمكن بحال من الأحوال إنجاز تلك العناصر السالف بسطها إلا بتوفـّر فريق عمل متكامل و متحمّس و شجاع لتذليل كلّ الصعاب و الصعوبات التي قد تعترض سير إنجاز هذا المشروع المتكامل و الشامل.
و تجدر الإشارة، في هذا الصدد إلى أنّ المشروع يستمدّ تكامله من مزجه الوثيق بين المعطيين الإجتماعي و الإقتصادي، فمن ناحية فهو يهدف إلى توفير السكن الكريم والمريح و اللائق إلى كلّ الفئات الإجتماعيّة و الشعبيّة المعوزة و المختلفة التي ترزح تحت وطأة الفقر والخصاصة و الحرمان و إفتقاد المسكن اللائق للإيواء، و كذا الشأن بالنسبة للقمة العيش و مورد الرزق الحلال لأفرادها مهما كانت فئاتهم العمريّة، و ذلك بالقضاء على أسباب البطالة و إفتقاد فرصة العمل المشرف و الحافظ و الموفـّر للكرامة الإنسانيّة، و فضلا على أنّ المشروع ذاته يستمدّ شموله من كونه موجه و يهمّ كلّ الطبقات الإجتماعيّة المحرومة من أسباب و مسبّبات ” فرحة الحياة ” تلك الغاية و ذلك الهدف الذين كثيرا ما تحرص الشعوب لتحقيقهما من خلال جملة السياسات و البرامج المختلفة ذات الطابع التنموي و الإجتماعي و الإنساني.
هذا وإنّ الشعب التونسي من حقه أن يطلب و يناشد و يتوق إلى ” فرحة الحياة ” ذلك المطمح المشروع و الإستحقاقي، بعد إنعتاقه بفضل ثورته المباركة و المجيدة و التي تعدّ مضربا للأمثال في العالم، و بعد عقود من الهوان والظلم و الإستبداد السلطوي، و التي لم يذق خلالها طعم المعاني الحقيقيّة للحريّة و الدّيمقراطيّة و العدالة الإجتماعيّة، و التي كان من خلالها محلّ تسويف و نفاق و تدجيل و كذب و تهميش و إهدار لثروات بلاده و نهب لقدراتها على جميع الأصعدة و كافتها.
و لهذا فإنّ هذا المشروع سيكون بمثابة لبنة خير وبركة لوضع الثورة المباركة في موضعها الصحيح، و إنّ إنجازه سيمثل هديّة لما وصل إليه هذا الشعب من نضج حضاري و سياسي و إقتصادي و إجتماعي و ثقافي، و إنّه لتونس أن تتباهى و تتفاخر بين دول العالم والمعمورة، بالمستوى الرفيع الذي وصلت إليه، من إدراك للمفهوم الصحيح و المقدّس لتلك المعاني الكونيّة السامية، و قد آن الأوان بأن يشعر التونسي، مهما كانت إنتمئاته العقائديّة و الذهنيّة و السياسيّة و الفكريّة، بالكرامة الحقة و بوطنه العزيز و أن ينعم بالحسّ و الشعور الصحيح للمواطنة و لأن ينعم بالحريّة في نطاق المسؤوليّة الذاتيّة و الديمقراطيّة الشاملة، و أن يمارس تلك المعاني و مدلولاتها ممارسة واقعيّة و حقيقيّة و فعليّة دون كبت أو إقصاء أو تهميش.
و أنّنا على يقين ثابت أنّه بتوفير المسكن و مورد العيش أي بالقضاء على الفقر و أسبابه و مسبّباته و على البطالة بكلّ أشكالها المختلفة سنصل إلى ما تـُصبـُوا إلى تحقيقه السياسات شرقا و غربا و البرامج و المخططات التنمويّة في أسرع وقت و أيسره و بأقل التكاليف الممكنة و المتاحة، و بالتالي تحقيق ” فرحة الحياة ” و العيش الكريم في أبهى صورها و أشكالها، و حريّ بنا أن نتصوّر مجتمعنا و شعبنا بعد تحقيق هذه الرؤى التي تبدوا في حدّ ذاتها بعيدة و صعبة المنال ظاهريّا، لكنّها ستكون سهلة المتقبّل و التطبيق و الإنجاز على أرض الواقع، إذا ما تظافرت جهود أبناء تونس المخلصين و الوطنيين الصادقين.
لقد إستغرق الإنتظار كثيرا، للإصداع بفكرة هذا المشروع الحسّاس و المتكامل و الشامل، لما كانت تشهده بلادنا من تهميش لمفكـّريها و مثقفيها، الذين كانوا يحلمون و يتوقون إلى المساهمة الحقيقيّة و الفعالة و الفعليّة بما جادت بها مخيّلاتهم و قرائحهم و تجاربهم من مشاريع و برامج قد تساهم في إثراء التنمية بشتى أشكالها و مشاريعها، و النهوض بها و دفعها قدما للرّفع من مستوى التونسي على جميع الأصعدة، و بالبلاد إلى مصاف الدول المتقدّمة و المتعطشة إلى الحداثة و المعاصرة و الرقيّ و النموّ الشامل، و قد كانت الهبّة الشعبيّة العارمة التي حطمت الأغلال و القيود، حافزا ليقضة تلك الفئات الإجتماعيّة النيّرة و المستنيرة، لإستعادة ثقتها في قدراتها المختلفة و إرادتها المهزومة من وقع الظلم و الجور و الإستبداد بالحكم و الرأي، الذي كان يكبّل البلاد و العباد.
هذا و قد كشفت تلك الثورة المباركة و المقدّسة و تلك الإستفاقة و الصحوة، عن حقيقة مرّة و واقع مؤلم تمثلت فيما تناولته بعض وسائل الإعلام المكتوبة و المسموعة و المرئيّة و تناقلته من إماطة اللثام على مناطق وجهات بأكملها من بلدنا عانت على مرّ الحكم السابق من التهميش و التجاهل و النسيان لمصيرها و مصير متساكنيها، الذين كانوا يرزحون تحت وطأة الفقر و المهانة و الخصاصة و الحرمان على جميع المستويات، السكنيّة منها و حتى من شحّ في الرزق و توفير لقمة العيش فضلا على البطالة التي إكتسحت جلّ شرائحها العمريّة شيبا أم كهولا أم شبابا، إضافة إلى الإنقطاع المبكر عن التعليم و الجهل المدقع، و إفتقاد المعالم البدائيّة للثقافة و التعليم و تحصيل العلم، ولو أنّ حقيقة تلك الأوضاع لم نكن في غفلة تامّة عنها بحكم تنقلاتنا و زيارتنا لتلك الرّبوع النائية و حتى القريبة منها من المدن الكبرى، لكن الهول كلّ الهول أن تطال تلك الأوضاع المزريّة شريحة كبيرة من هذا المجتمع و جانبا لا يستهان به من هذا الشعب الذي عانى الويلات من جراء الحكم الإستبدادي الذي قد طالت فتراته تاريخ البلاد و زادت في بقائه في ربقة التخلف و الإنحطاط الأبدي، و لذلك كان إعتبار هذه الثورة بمثابة الإنعتاق و كسر الأغلال لكسب الحريّة و تحقيق الديمقراطيّة الحرّة و المسؤولة و إسترجاع الكرامة و المواطنة، للإنطلاق إلى الغد المشرق و المزدهر، على أن يكون ذلك على خلفيّة أرضيّة صلبة تأخذ بعين الإعتبار ثوابت لا بدّ من توفيرها و إحترامها تتمثل خاصتها في تحقيق العدالة الإجتماعيّة و توفير التوازن بين الجهات وشمول جوانب و أهداف و فوائد التنمية كلّ البلاد و العباد على إختلاف الفئات و الشرائح الإجتماعيّة و العمريّة.
هذا و لرفع تلك المعاناة و للقضاء على جيوب الفقر التي طالت العباد و البلاد، وفي نطاق توفير التشغيل الكامل، لكلّ الفئات المستعدّة بطبيعتها للعمل و الكدّ و الجهد و النشاط، يتنزل و يندرج هذا المشروع، و ذلك في إطار الغايتين المرجوتين من تحقيقه، و اللتين تتمثلان في توفير المسكن اللائق لكلّ فاقد لمسكن كريم و شغل أو مورد رزق شريف لكلّ عاطل عن العمل أو لمن يرزح تحت وطأة الفقر و الخصاصة و الإحتياج و البطالة، و قد أغلقت أمامه الأفق و الآفاق لتحقيق كسب كريم و شرعي و حلال للإرتزاق و إعالة غيره من أفراد عائلته سواء من أصوله أو فروعه.
و لهذا فإنّه بالنظر إلى إشتمال هذا المشروع على قسمين أساسيين و رئيسيين بناء على ما يتماشى و الهدفين الذين يصبو إلى تحقيقهما و هما كالآتـــــــي:
– الفــرع الأوّل: تحقيق المسكن الكريم لكلّ مواطن في حاجة ماسة له و لعياله.
– الفـرع الثـانـي: توفير الشغل الكريم و المشرّف لكلّ عاطل عن العمل مهما كانت الشريحة الإجتماعيّة التي ينتمي إليها و مهما كانت فئته العمريّة التي هو عليها.
و سنحاول خلال السّرد الموالي شرح كلّ المعطيات الخاصّة و الخصوصيّة المتعلقة بهذا المشروع في نطاق ما تتطلبه تلك المعطيات و تلك الخصوصيات.
*الشاذلي خليل: محامي و قاضي سابق
شارك رأيك