بقلم عمّــــار قــــردود
خلُصت دراسة جيو-إستراتجية فرنسية حديثة عن العلاقات الفرنسية العربية إلى تراجع النفوذ الفرنسي في المنطقة العربية لصالح قوى أخرى، وظهور توازن في التأثير بين الجانبين بعد أن كانت العلاقة في السابق “علاقة تبعية”.
فقد عرض الباحث الفرنسي التونسي الأصل حكين القروي ،يوم الجمعة الماضية، نتائج دراسة حديثة و معمقة قام بإعدادها لصالح معهد “مونتاني”(Montaigne) للدراسات الإستراتيجية الفرنسي تحت عنوان “سياسة عربية جديدة لفرنسا” خلال ندوة ألقاها بمقر “المعهد الفرنسي” في الجزائر العاصمة،ركزت بشكل كبير على علاقات فرنسا بدول المغرب العربي التي إعتبرها الأهم بالنسبة لفرنسا في كامل المنطقة العربية بالنظر إلى السياق التاريخي و حجم التبادل الإقتصادي و التأثير الثقافي.
وقال القروي أن :”فرنسا في حاجة ماسة اليوم إلى تغيير سياستها الخارجية تجاه دول المغرب الكبير والشرق الأوسط وتركيا وإيران، في ظل المتغيرات الجيو- سياسية والاقتصادية والتحولات الاجتماعية والدينية والاديولوجية التي تعرفها هذه المناطق حاليا”.
وفي جزء مخصّص لتونس-مسقط رأسه- قال حكيم القروي إن “ثمة تداخلات عميقة و معقّدة و متعدّدة الروابط قد نشأت بين فرنسا و دول شمال إفريقيا و الشرق الأوسط” و أضاف: “نحن بعيدون جدًا عن الفترة التي تلت استقلال هذه الدول، حيث كانت فرنسا تقيم علاقات باتجاه واحد مع الدول التي تهيمن عليها. اليوم،العلاقات توازنت دون أن تنتبه فرنسا و العالم العربي ربما لذلك،إلى درجة يمكن معها القول إن العالم العربي قد يصبح أكثر أهمية بالنسبة لواقع فرنسا و مستقبلها أكثر من أوروبا نفسها”.
وذكر القروي أن الفكرة المنتشرة حاليًا تفيد أن فرنسا في هذه المنطقة تفقد تأثيرها و صورتها تتدهور بإستمرار،و أنها لا تملك القدرة على الحوار مع الفاعلين في الميدان أو ممارسة نفوذها الذي يسمح لها بإستمرار رعاية مصالحها،لكن التحليل الإحصائي المعمق يبرهن،من جانب آخر،أن فرنسا لا تزال تمتلك”رافعات”نفوذ حقيقية لكنها دون شك أقل قوة من السابق،فبالمقارنة مع بقية القوى فإن مواقع فرنسا تبدو أكثر إحتشامًا.
و أشارت ذات الدراسة إلى تفاجؤ فرنسا لإندلاع أحداث “الربيع العربي” في تونس و عدم مرافقتها له يبرز أن نفوذها ليس بذلك الشكل الذي يتم تقديمه أو الترويج و التسويق له.و ذلك رغم أن فرنسا لديها أكبر جهاز ديبلوماسي و قنصلي في منطقة المغرب العربي ،إذ أنها تمتلك حوالي 38 سفارة و قنصلية و هو عدد يفوق ما تمتلكه في كامل أنحاء الإمريكيتين.
و أوضح القروي أن أكبر “رافعة” للتأثير احتفظت بها فرنسا هي اللغة الفرنسية التي يتقاسمها 33 مليون شخصا في المنطقة أغلبهم في دول المغرب العربي و خاصة تونس،الجزائر و المغرب.و هو ما يعني أن 1 من كل 6 متحدث بلغة فافا و فولتير يعيش في المنطقة.
و تضم دول تونس و الجزائر و المغرب حوالي 28 مليون فرونكوفوني،كما تضم معاهد تعلم اللغة الفرنسية 38 بالمائة من الطلبة في المنطقة العربية و خاصة دول المغرب العربي.
و كشف الخبير في الرياضيات وصاحب مكتب دراسات استشارية التونسي حكيم القروي خلال الندوة التي نشطها بالمعهد الفرنسي بالجزائر العاصمة، تحت عنوان:” لماذا المغرب الكبير هام بالنسبة لفرنسا؟” والتي تناول من خلالها الدراسة المطولة التي قام بها مكتب دراساته لمدة سنة حول واقع سياسة فرنسا تجاه الدول العربية، سواء من الناحية السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والتاريخية والاجتماعية، حيث ارتكز في ذلك على الكثير من الأرقام والإحصائيات التي تشير إلى اختلالات في السياسات المنتهجة تجاه الدول التي مستها الدراسة وهي “تونس،الجزائر،المغرب، السعودية ومصر، الإمارات وقطر، إسرائيل، إيران وتركيا.
وقال القروي إن “على فرنسا اليوم، أن تراجع مسار سياستها الخارجية مع هذه الدول، بالنظر إلى التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي عاشتها وتعيشها، وترتيب الأولويات في تعزيز سبل الشراكة والتبادل التجاري والدبلوماسي والثقافي مع الدول التي تربطها بها روابط تاريخية واجتماعية وثقافية، خاصة المغرب تونس والجزائر”.
واعتبر المحاضر أن “الجالية المغاربية والعربية المقيمة في فرنسا، وارتفاع نسبة المسلمين بها وكذا تفشي خطر السلفية والإرهاب، هي عوامل وأسباب تدفع بفرنسا إلى العمل على توطيد علاقاتها مع الجزائر وتونس والمغرب، مضيفا أن من هذه الأسباب أن 30 مليون مواطن من هذه البلدان الثلاثة يتقن ويستعمل الفرنسية، كما أنها تربطها أيضا العوامل الجغرافية كونها تقع في حوض البحر الأبيض المتوسط ويجمعها ماض مشترك خاص بالتواجد الاستعماري الفرنسي السابق”.
وأضاف القروي قائلاً إن مستقبل فرنسا مرهون اليوم بتنمية استقرار منطقة شمال إفريقيا، كون 6 ملايين فرنسي لهم أصول وعلاقة مع دول المنطقة، حيث يعيش أيضا 1.2 مليون آخرون أغلبيتهم مزدوجو الجنسية، إضافة إلى أن 20٪ من النشاط الاقتصادي الفرنسي مركز هناك.
من هنا، يطرح معد الدراسة سياسة لفرنسا تجاه دول المغرب العربي تقوم على ثلاثة محاور، يتصدرها التعاون الأمني بين الجانبين انطلاقًا من اعتبار امن دول المغرب العربي أساسًا لمواجهة الإرهاب ثم التطور الإقتصادي مع المغرب والجزائر وتونس عبر إعادة إطلاق المفاوضات لإرساء معاهدات للتبادل الحر معهم والتأثير الثقافي عبر تطوير المعرفة الثقافية لدول المغرب العربي وعلى فرنسا العمل لأن تصبح دولة مراقب في منظمة التعاون الإسلامي.
من هو صاحب الدراسة حكيم القروي؟
حكيم القروي هو مصرفي و خبير في الرياضيات فرنسي من أصل تونسي يعمل شريكًا مع “رولاند بيرغر” للاستشارات الإستراتيجية. عمل سابقًا مدير الإستحواذات في المتوسط و أفريقيا في بنك “روتشيلد”. عمل كاتب خطابات رئيس الوزراء الفرنسي السابق “جون بيار رافاران”.
ولد حكيم القروي في 1971 في باريس لأب تونسي قدم إلى فرنسا في 1958 ويعمل أستاذًا جامعيًا في الأنثروبولوجيا القانونية للإسلام في جامعة السوربون ولأم فرنسية هي نيكول القروي (وُلدت شفارتز) التي تدرّس الرياضيات المالية في مدرسة البوليتكنيك في باريس. عمّه هو حامد القروي الوزير الأول التونسي الأسبق و زوج عمته هو أحمد بن صالح الوزير الأول التونسي الأسبق. تحصل على التبريز في الجغرافيا من مدرسة المعلمين العليا في ليون. عمل مدير الإستحواذات في المتوسط و أفريقيا في بنك روتشيلد من جانفي 2009 إلى ديسمبر 2011. ويعمل الآن شريكا مع رولاند بيرغر للاستشارات الإستراتيجية وعضو مجلس إدارة أورانج تونس. وهو ناشط كذلك في المجتمع المدني في مجالي تمكين الأقلية المغاربية في فرنسا والشراكة الأوروبية المتوسطية حيث شارك في تأسيس نادي القرن 21 الذي رأسه من 2004 إلى 2010. شارك صحبة الفيلسوف الفرنسي إيمانويل تود في تأسيس مؤسسة القادة المتوسطيون الشباب.
قام مروان المبروك رجل الأعمال التونسي وصهر الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي بالطلب من حكيم القروي نصائح حول كيفية الخروج من الأزمة التي وقع فيها النظام حينذاك. وقام القروي بإرسال بريدان إلكترونيان إلى زين العابدين بن علي يومي 12 و14 يناير 2011 ينصحه فيهما بحل الحكومة. وفي 15 يناير قدم حكيم القروي إلى تونس بطلب من محمد الغنوشي الوزير الأول التونسي حينئذ وبقي لعدّة أيام حيث اقترح عدّة أسماء لشغل المناصب الوزارية منها إلياس الجويني ومهدي حواص وياسين إبراهيم. وقّع مجموعة من المثقفين من بينهم محمد عبو ونهلة الشهال ومريم المرزوقي ابنة المنصف المرزوقي عريضة تطالب القروي بالاستقالة من رئاسة معهد ثقافات الإسلام في باريس على خلفية دوره في الثورة التونسية وهو ما قام به بالفعل بعد عدّة أيام.
للإطلاع على الدراسة كاملة باللغة الفرنسية.
شارك رأيك