بقلم :وليد البلطي
بعد سنوات من الصراعات الفكرية بين الأحزاب السياسية، و رفع شعارات أدرجت تحت لواء مقاومة الفساد و المحاسبة، بين المعادي للمصالحة و المؤيد لها،بين جماعة حملة” ما نيش مسامح ” و حملة “بالديمقراطية سيمر “،بين مناصري آيات الرحمان عز و جل ” وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ” و مناصرو الآية التالية في تذكير لعدل ذي القرنين “أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا”، نشر قانون المصالحة الإدارية بالرائد الرسمي تحت القانون الأساسي عدد 62 لسنة 2017 مؤرخ في 24 أكتوبر 2017،حاملا في طياته اشكاليات متعددة الابعاد سياسيا و اقتصاديا و قانونيا.
سبع سنوات تكاد تمر، لم نعرف في اي اتجاه تصير تونس ،هل نحن شعب مسامح أم شعب حقود معقد؟ هل نحن في بداية الطريق أم في نهايته ؟ هل ادركنا حقيقة ما سمي بفرار الرئيس الأسبق كما تم تصويره لنا و احطنا بجميع خبايا ما يعقد الكثيرون أنها قصة قد دبرت بليل ؟ هل تمت اماطة اللثام عن القناصة و قتل الشهيدين شكري بالعيد و الحاج البراهمي ؟ و عديد من التساؤلات قد نحسن الإجابة عنها بعد عقود من الزمن .
خلال السبع سنوات، تكبد القضاء عناء النظر في عديد الملفات التي وجه فيها الاتهام الى ممثلي أركان الدولة من رئيس اسبق و وزراء و موظفي دولة و المستفيدين ، على معنى الفصول 32 و 82 و 96 و 98 من المجلة الجزائية، سنوات تمر بين التحقيق و دوائر الاتهام و واستئناف قرارات دوائر الاتهام و تفكيك قضايا التحقيق و تعهد الدوائر الجنائية بهاته الملفات، في مختلف اطوارها دون ان ننسى قرارات المصادرة و التجميد و تحجير السفر و بطاقات الإيداع بالسجن … لكن لقد شاب قانون المصالحة الإدارية بعض الغموض على المستوى دباجة بعض الفصول و التي من شانها ان تطرح مجددا نقاشات تتبلور حول سؤال واحد الا وهو هل أن رئيس الجمهورية الأسبق و وزراءها مشمولون بقانون المصالحة أم لا؟ او بالأحرى هل ينطبق عليهم الفصل الثاني من القانون المذكور و الذي نصه التالي “لا يخضع للمؤاخذة الجزائية الموظفون العموميون وأشباههم على معنى الفصلين 82 و96 من المجلة الجزائية بالنسبة إلى الأفعال التي تمّ القيام بها والمتصلة بمخالفة التراتيب أو الإضرار بالإدارة لتحقيق منفعة لا وجه لها للغير شريطة عدم الحصول على فائدة لا وجه لها لأنفسهم. وبموجب ذلك تتوقف التتبعات والمحاكمات في شأن تلك الأفعال.”؟
لقد وجهت النيابة العمومية عدة تهم لرئيس الدولة السابق مكنونة لجرائم الفصول 82 و32 و 96 و 97 و 98 من المجلة الجزائية ،مقحمة إياه في قضايا من انظار القضاء العدلي ،معتبرة إياه شبه موظف عمومي بامتياز بعد أن أنكر وزراء بن علي ما نسب اليهم لدى قلم التحقيق ،ليتحولوا من موقع الفاعل الأصلي الى مشاركين بعد أن أصروا النجوى، أنهم كانوا قد تلقوا تعليمات من رئيس الدولة مصرحين بعد تلقينهم جملة رقنت في جميع محاضر الاستنطاق وهي التالية ” شكون كان ينجم يقول لبن علي لا “.
و للتذكير فقد أحيل الرئيس الأسبق على أنظار العدالة في وضعية فرار ،”و المقصود بالفرار في المصطلح القانوني ليس مغادرة البلاد على متن الطائرة الرئاسية يوم 14 جانفي 2011 ،بل تغيبه عن جلسات الاستنطاق لدى قلم التحقيق بعد ان وجه له استدعاء بأخر عنوان معلوم وهو القصر الرئاسي بقرطاج ،”على اساس قرار صادر عن أحد الدوائر التعقيبية التي اعتبرت زين العابدين بن علي شبه موظف عمومي باعتباره يتقاضى راتبا شهريا ،معرجة على التعريف المنطبق بالفصل 82 من المجلة الجزائية بأنه يعتبر موظفا عموميا في نظر القانون كل فرد من افراد الشعب الذي بأي تسمية و بأي وسيلة كانت تولى موقتا خطة أو نيابة القيام بها مرتبطة بمصلحة من النظام العام سواء كان ذلك بأجر أو مجانا … دون المبالاة بأن التمشي المنتج في اعتبار رئيس الجمهورية موظفا عموميا من شأنه أن يمس بالقانون الدستوري زمن اقتراف الجرائم بالاعتماد على الدستور الساري المفعول زمن توجيه النيابة العمومية للتهم .
فقد نص الدستور الملغى ،في الفصول 41 و 49 و 63 و 64 ،أن رئيس الجمهورية هو الضامن لاستقلال الوطن و احترام الدستور و القانون وتنفيذ المعاهدات وهو الذي يسهر على السير العادي للسلط العمومية الدستورية و يضمن استمرار الدولة و بإمكانه حل مجلس النواب و يوجه السياسة العامة للدولة و يضبط خياراتها و خصت مجلة الإجراءات الجزائية في فصلها 372 حق سن العفو الخاص ،بحيث أن كل ما سبق بيانه يجعل رئيس الجمهورية حسب الدستور القديم ،زين العادين بن علي مصدر السلطة العمومية و ليس جزء منها أو متعهدا بالسلطة و بالتالي فإن احالتها على انظار القضاء العدلي على اساس اعتباره موظفا عموميا على معنى التعريف الوارد بالفصل 82 من المجلة الجزائية يكون مجانبا للصواب من الناحية الدستورية ذلك أن الساهر على الشي لا يمكن أن يكون جزء منه .
هذا و علاوة على ما سبق بيانه فقد خصت المجلة الجزائية في شأن الاعتداء على ذات رئيس الجمهورية بفصل خاص وهو الفصل 64 من المجلة الجزائية بحيث لو أعتبر موظفا عموميا على معنى الفصل 82 من م.ج لتم تطبيق الفصل 127 من م.ج في باب الرابع المدرج تحت عنوان ” هضم جانب الموظفين العموميين و أشباههم “وهو ما من شأنه أن ينفي عن رئيس الدولة صفة الموظف العمومي للإفراد المشرع له بفصل خاص في كل ما من شأنه ان يمس بذاته و بصفة عامة افراده بنصوص خاصة باعتباره مصدر السلطة و يكون اعتباره كموظف عمومي من قبل المحاكم العدلية فيها تناقض صريح لروح القانون .
فاليوم بعد صدور قانون المصالحة الإدارية، بعض الإشكاليات ستطرح ،و نظريات ستكتب، لتؤسس لفقه قضاء جزائي ثري ،بحيث لو اعتبرنا أن بن علي مشمول بتعريف الموظف العمومي الوارد بالفصل 82 ،فالفصل الثاني من القانون المصالحة الإدارية ستشمله، بحيث سيتم تفعيل العفو عليه مع الوزراء و إطارات الدولة، فهل يستقيم الحال بالنسبة للمستفيدين المحالين على أنظار القضاء في نفس القضايا؟ لأن التفكيك المزمع القيام به لتواصل النظر في القضية، يصبح دون معنى بعد العفو على بن علي و وزراءه و بعض الموظفيين العمومين ،لأنه سيخل بقواعد سير العدالة المبينة على ضمان الإنصاف بين المحالين على أنظارها.
أما إن تم تجريد زين العابدين بن علي من صفة الموظف العمومي لحرمانه من الانتفاع بقانون المصالحة الإدارية، فتقع النيابة العمومية في اشكال قانوني،لانها في الإدانة اعتبرته موظفا عموميا و في العفو نفت عليه الصفة، فلئن اعتبرت الدوائر القضائية أن الرئيس الأسبق ليس موظفا عموميا فستبقى الملاحقات القضائية قائمة ضد من انتفعوا بالعفو المنصوص عليه بقانون المصالحة الإدارية من وزراء و موظفين بتهمة الفصل 32 من المجلة الجزائية وهي تهمة المشاركة الغير مشمولة بقانون المصالحة الإدارية .
و من الموكد أن النظر في كل هاته القضايا العدلية المتعارف عليها بين عامة الشعب تحت مسمى ملفات الفساد،سيتوقف بمجرد تعهد الهيئة المنصوص عليها بالفصل الخامس من قانون المصالحة الإدارية بالنظر في مطالب العفو ،و قد يصل الأمر الى أنظار بعض اللجان الأممية على غرار لجنة حقوق الإنسان بجنيف لفض العديد من النزاعات في ظل غياب محكمة دستورية الى تاريخ الساعة.
شارك رأيك