بقلم عمار قردود
كشف رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد صباح اليوم الجمعة في حوار حصري مع برنامج “الماتينال” على راديو “شمس آف آم” مباشرة من القيروان، أن الحرب على الفساد لم تنته وهي متواصلة دون هوادة وفق قوله.وأضاف رئيس الحكومة “ما دام هذا مطلب كبير من الشعب التونسي لأن الشعب التونسي يحبّ مقاومة الفساد فنحن مواصلين في هذا المنهج مثل الحرب على الإرهاب”.واعتبر الشاهد أن القضاء هو الذراع لمقاومة الفساد لذلك تم دعم الميزانية المخصصة له في ميزانية 2018.
تصريحات الشاهد جاءت بالتزامن مع أحدث تقرير صُدر عن مركز “كارنيغي للشرق الأوسط” تحت عنوان”عدوى الفساد في تونس: المرحلة الانتقالية في خطر”يعتقد أن “في السابق،كان الرئيس السابق زين العابدين بن علي يحتكر هو وأركان حكمه عملية الفساد، لكنه انتشر في أيامنا هذه كالنار في الهشيم، إذ بات المواطنون يتورّطون يومياً في ممارسات فاسدة وينتفعون منها”.
و إعتبر أن “الفساد قوة مزعزعة للاستقرار في تونس، تُلقي بظلالها على كل مستويات الاقتصاد والأمن والنظام السياسي” و جاء في التقرير”أطلق المجتمع المدني العديد من المبادرات واتّخذت إجراءات قانونية كثيرة لمكافحة الفساد، إلا أن هذه الآفة تبدو اليوم منتشرةً أكثر مما كان عليه الحال في عهد بن علي. لكي تتمكّن عملية الانتقال الديمقراطي من البقاء والاستمرار، لابدّ من أن تشنّ تونس حرباً على جبهتين في آن واحد لمجابهة نظام الكليبتوقراطية (حكم اللصوص) والفساد الصغير المتفشّي على نطاق واسع. وحتى تتكلّل هذه العملية بالنجاح، يتعيّن على الحكومة والمجتمع المدني أولاً الاتفاق على إطار مشترك لفهم جوهر الحرب على الفساد وسبل تطبيقها، ثمّ على المجتمع الدولي دعم هذا الإطار عبر التمويل والمساعدات المقنّنة”.
و أشارت كاتبة التقرير “سارة يركيس”-و هي زميلة برنامج كارنيغي للشرق الأوسط-إلى فشل “الآليات الحكومية الرامية للتصدّي إلى الفساد بالفشل لسببين أساسيين هما: أولاً، تولي الحكومة اهتماماً كبيراً بسنّ تشريعات ترمي إلى تحييد الأطراف السيئة المستفيدة من بيئة مابعد الثورة، وردع الأفراد من ارتكاب ممارسات فاسدة، في حين أن العديد من قوى المجتمع المدني تركّز على مسار العدالة الانتقالية ومسألة انتهاكات الماضي. ثانياً، أدّى نهج من أعلى إلى أسفل الذي اتّبعته الحكومة للتصدّي إلى الفساد – كما بدا جليّاً من قانون المصالحة – إلى تآكل الثقة بينها وبين المواطنين، وإضعاف عملية التشاور مع الرأي العام”. و قدمت “يركيس” ما يشبه “روشتة الدواء” لمعالجة أشكال الفساد على الحكومة التونسية الإلتزام بها و تنفيذها و هي:
نفاذ القوانين القائمة، بدءاً من تطبيق القانون الذي يُلزم المسؤولين التونسيين بالتصريح علناً عن ممتلكاتهم. إشراك منظمات المجتمع المدني في عملية صياغة وتطبيق إجراءات مكافحة الفساد لضمان أن تحظى الإصلاحات بالمقبولية الشعبية.
إعطاء الأولوية لإنشاء محكمة دستورية، وضمان استقلال القطب القضائي الاقتصادي والمالي المكلَّف بالبحث والتتبّع والتحقيق والحكم في قضايا الفساد.
رقمنة العمليات الحكومية من خلال إعادة تنشيط مبادرة تونس الرقمية 2020، واستخدام نظام بطاقة التعريف الوطنية المُقترح للمساعدة في ضبط القطاع غير الرسمي.
الاستثمار بشكلٍ مكثّف في المناطق الحدودية لمنح الأفراد العاملين في القطاع غير الرسمي استراتيجيات خروج، من ضمنها توفير التعليم واستحداث فرص عمل في القطاع الخاص.
و أكد التقرير على أنه “سيبقى الفساد، ما لم تتم مكافحته، عقبة أساسية في مسار تونس نحو توطيد أسس نظامها الديمقراطي، وسيطرح تحدّياً إضافياً على قائمة التحديات الاقتصادية والأمنية الكبرى التي تواجه المنطقة”.و أفاد أنه و “لكبح جماح الفساد، يتعيّن على المجتمع الدولي:
إعطاء الأولوية لتمويل هيئات مكافحة الفساد في تونس، من ضمنها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والقطب القضائي الاقتصادي والمالي، ومنظمات المجتمع المدني الرقابية مثل “أنا يقظ” و”البوصلة”. مواصلة العمل على تعزيز ودعم المجتمع المدني، وضمان حفاظ تونس على حرية وسائل الإعلام.
مساءلة الدولة حينما تقصّر في جهود مكافحة الفساد.
كيف يتمظهر الفساد في تونس؟ فقد أوضح:”صحيح أن درجة من الفساد موجودة في كل دولة، إلا أنه في عهد بن علي تمركز للغاية إلى حد أن الحلقة الداخلية للنظام، خاصة السيدة الأولى ليلى الطرابلسي وعائلتها، طفقت شهرتها السيئة الآفاق في كل أنحاء العالم. فالطرابلسي وأخواتها وإخوتها العشر، كانوا يملكون مصالح مُهيمنة في العديد من الشركات التونسية، بما في ذلك الطائرات، ووكالات السيارات، وخدمات الإنترنت، ومحطات التلفزة والإذاعة، والمحلات الكبيرة للبيع بالتجزئة. وحدّد تقرير للبنك الدولي حول الدولة في تونس 662 مؤسسة تملكها عائلة بن علي تمّت مصادرتها في بداية الجهود لمكافحة الفساد بعد الثورة. هذه المؤسسات تمثّل 0.2 في المئة فقط من الشركات الخاصة، لكنها تحوز على 5 في المئة من ناتج القطاع الخاص و16 في المئة من كل أرباحه الصافية. وقد اكتشفت اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، والتي شُكِّلت بعد وقت قصير من الثورة للتحقيق في الفساد في عهد بن علي واستعادة الأموال والأصول المسروقة، وجود مليارات الدولارات المتخفّية في شركات وهمية ومصارف أجنبية تعود إلى أفراد عائلة الطرابلسي والمقربّين منها”.
و في عنوان فرعي للتقرير “الفساد من النَسَقْ إلى العدوى” قال المعشّر:”كان مفاجئاً، وفق مؤشرات خارجية، أن يشهد المستوى العام للفساد ارتفاعاً بعد الثورة. ففي العام 2010، وضع “مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية” تونس في المرتبة 59 من بين 178 بلداً (الرقم 1 هو الأقل فسادًا) مع نسبة 4.3 (الرقم 10 هو الأقل فسادًا). وفي العام 2016، هبطت تونس إلى المرتبة 75 من أصل 176 بلداً (الرقم 1 هو الأقل فسادًا) مع نسبة 41 (الرقم 100 هو الأقل فسادًا). وتشير المؤشرات الداخلية إلى منحى مماثل: ففي دراسة لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أُجريت مع 391 تونسياً بين تموز/يوليو وآب/أغسطس 2017، قال 76 في المئة من المُستطلعة آراؤهم أنه بات هناك فساد في تونس اليوم أكثر من عهد بن علي”.
و لفت قائلاً:”مثل هذه المدركات حول هذه المعضلة تنبثق من العديد من التحوّلات التي طرأت على كلٍ من الوعي وعلى طبيعة الفساد نفسه. فالفساد، أولاً، لم يعد من المحرمات المحظور التطرُّق إليها. والناس، كما أوضح ناشط في المجتمع المدني، بدأوا “يستيقظون” في العام 2011 حيال الفساد، كما تبلور “وعي جماعي إزاء ضرورة التصدي له”.11 الثورة مكّنت التونسيين من الحديث عن عشيرة الطرابلسي، وكذلك عن الفساد اليومي الصغير، هذا في حين لم يكن أحد يجرؤ خلال عهد بن علي على مجرد النطق بكلمة فساد، ماجعل الدراسات حول هذه المشكلة آنذاك قضية عويصة. لكن الحديث اليوم عن الفساد على كل شفة ولسان، ويتم كل يوم قصف المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال وناشطو المجتمع المدني بتهم الفساد.
ثانياً، تمّت “دمقرطة” الفساد منذ الثورة، وفق تعبير رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب. ففي عهد بن علي “كان في تونس نظام طفيلي جهنمي يقوم على فساد الدولة”. أي أن الفساد اخترق كل القطاعات وكانت الرشاوي والمحسوبيات هي القاعدة التي وجّهت حكم الرئيس السابق. وقد عملت عائلة الطرابلسي كمافيا نوعاً ما، مُستخدمة تدقيق الحسابات الضريبية للسيطرة على الناس، ومُستغلة موظفي الجمارك كعملاء لها. ويقول تونسي عمل لنحو عقدين لدى عائلة بن علي إن هذا الأخير والطرابلسي أطلا على تونس “بوصفها مؤسسة خاصة ضخمة يمكن لهما استخدامها واستثمارها متى شاءا”.
وهكذا، أفاد الفساد في عهد بن علي أساساً المقربين والبطانة مع ممثليهم على المستوى المحلّي (الذين كانوا قيد المراقبة الدقيقة لمعرفة مدى خضوعهم لأوامر الزعيم). لكن اليوم، أضحت أدوات الفساد متاحة لأي كان. فقد وجدت دراسة للمعهد الجمهوري الدولي (IRI) أن 17 في المئة من التونسيين عانوا شخصياً من الفساد في المستشفيات، و13 في المئة من شرطة المرور، و8 في المئة من المحاكم، و8 في المئة من المدارس الرسمية، و6 في المئة من الشركات الخاصة. ووفقاً للدراسة نفسها، يعتقد العديد من التونسيين (64 في المئة) أنه عندما يملك شخص ما على “علاقات مقرّبة وجيدة” يحتمل للغاية أن “يتوافر له الثراء الشخصي” أكثر من اعتماده على “الذكاء” (61 في المئة). وكذا الأمر بالنسبة “لأن يولد الإنسان في عائلة غنية” (60 في المئة)، فيما تنخفض النسبة حيال “العمل الشاق” (38 في المئة) و”مستوى التعليم العالي” (37 في المئة). وكما قال أحد ناشطي المجتمع المدني: “الفساد أضحى جزءاً من الثقافة”..”
و أفاد المعشّر:”جادل بعض الناشطين في المجتمع المدني، خلال ورشة عمل لكارنيغي في أيلول/سبتمبر 2017، بأن الرأي العام التونسي “يتخذ مواقف مُتسامحة من الفساد”. وهذا يعود جزئياً إلى البيروقراطية التونسية المُتخمة والمعقّدة. إذ يتعيّن على المواطنين، إذا ما أرادوا الحصول على حاجياتهم الأساسية، التفاعل مع نظام مُبهم ومعقّد، من الأسهل فيه دفع رشوة، بدلاً من تكبد عناء المرور بالقنوات الرسمية. يقول ناشط في المجتمع المدني: “المشكلة تكمن في الإدارة وليس في الشخصية التونسية”. ويوضح أن التونسيين طوّروا موقفاً متسامحاً إزاء الفساد الصغير بحكم الضرورة، ملاحظاً أنه لو قُيِّضَ للمواطن التونسي أن يعيش في بلد أكثر تطوراً تتوافر فيه بيروقراطية أكثر شفافية، سيتخلى حينها عن هذا الموقف”. كما يشير إلى أن الأجانب، بما في ذلك أولئك الذين يأتون من بلدان فيها معدلات أقل من الفساد، ينتهي بهم المطاف بدفع الرشاوى في تونس، لأن هذا ضروري لإنجاز الأعمال اليومية على نحو مرضٍ”.
إجراءات مكافحة الفساد التي اتّخذتها الحكومة منذ اندلاع الثورة:
17 كانون الأول/ديسمبر 2010 أوقد إضمار محمد بوعزيزي النار في نفسه شعلة الاحتجاجات التي عمّت أرجاء تونس كافة، وتخلّلها تنديد المتظاهرين بالفساد المستشري في كنف نظام زين العابدين بن علي.
13 كانون الثاني/يناير 2011 أعلن بن علي عن تشكيل لجنتَي تحقيق مستقلّتين: واحدة مكلّفة بقضايا الفساد، وأخرى مكلّفة بملفّ القتلى والجرحى الذين سقطوا خلال المظاهرات.
14 كانون الثاني/يناير 2011 تنحّي بن علي.
15 كانون الثاني/يناير 2011 شكّلت الحكومة الانتقالية لجنة برئاسة عبد الفتاح عمر للنظر في قضايا الفساد والرشوة.
18 شباط/فبراير 2011 قضى المرسوم 2011-7 بتشكيل لجنة وطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد.
14 آذار/مارس 2011 نصّ المرسوم 2011-15 على مصادرة أملاك وأصول نظام بن علي خلال فترة 1978-2011.
26 آذار/مارس 2011 نصّ المرسوم 2011-15 على تشكيل لجنة وطنية لاسترجاع الأموال الموجودة في الخارج والمكتسبة بصورة غير مشروعة.
20 حزيران/يونيو 2011 حُكم على بن علي والسيدة الأولى ليلى الطرابلسي غيابياً بالسجن لمدة 35 عاماً بتهمة السرقة والحيازة غير المشروعة لعملات أجنبية ومجوهرات وقطع أثرية ومخدرات وأسلحة، وبتسديد غرامة مالية تبلغ حوالى 65 مليون دولار.
14تموز/يوليو 2011 قضى المرسوم 2011-68 بتشكيل لجنة وطنية للتصرف في الأموال والممتلكات المعنية بالمصادرة أو الاسترجاع لفائدة الدولة.
3 آب/أغسطس 2011 حدّد المرسوم 1089 مواصفات الأشخاص الذين يحقّ لهم الترشّح لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي أُجريت في تشرين الأول/أكتوبر 2011، وتضمّن كذلك حرمان بعض الأشخاص المنتمين إلى نظام بن علي وحزبه الحاكم من الترشّح.
14 تشرين الثاني/نوفمبر 2011 قدّم المرسوم 2011-120 تعريفاً للفساد وقضى بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، بهدف تسهيل مسار محاربة الفساد وجمع المعطيات والبيانات المتعلقة بالفساد ونشر ثقافة مكافحته.
24 تشرين الثاني/نوفمبر 2011 تم إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد رسمياً.
27 آذار/مارس 2012 تشكيل خلية للحوكمة الرشيدة في كل المؤسسات والإدارات العامة والوزارات لترقية ثقافة النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد.
14 نيسان/أبريل 2012 عقد مؤتمر وطني حول العدالة الانتقالية.
3 آب/أغسطس 2012 قضت مذكرة عمل وزارية بتشكيل القطب القضائي الاقتصادي والمالي للبحث والتتبّع والتحقيق والحكم في قضايا الفساد.
16 أيلول/سبتمبر إلى 7 تشرين الأول/أكتوبر 2012 عقدت اللجنة الوطنية للحوار حول العدالة الانتقالية 24 اجتماعاً في أرجاء البلاد كافة.
9 كانون الأول/ديسمبر 2012 أطلق رئيس الحكومة حمادي جبالي ووزير الحوكمة ومكافحة الفساد عبد الرحمن الأدغم، الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد.
24 كانون الأول/ديسمبر 2013 نصّ القانون الأساسي 2013-53 على إنشاء هيئة الحقيقة والكرامة للتحقيق في الجرائم الاقتصادية وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكبت بين عامَي 1955 و2013. 14 كانون الثاني/يناير 2014 انضمّت تونس إلى شراكة الحكومة المفتوحة.
20 آذار/مارس 2015 قدّم الباجي قائد السبسي مشروع قانون المصالحة الاقتصادية خلال الكلمة التي ألقاها بمناسبة عيد استقلال تونس.
11 آذار/مارس 2016 أقرّ البرلمان التونسي قانون النفاذ إلى المعلومة.
23 تشرين الثاني/نوفمبر 2016 نصّ القانون الأساسي الرقم 57 للعام 2016 رسمياً القطب القضائي الاقتصادي والمالي للإشراف على مسار التحقيق في الجرائم الاقتصادية والمالية المعقدة.
22 شباط/فبراير 2017 أقرّ البرلمان قانون الإبلاغ عن الفساد وحماية المُبلغين عنه.
24 أيار/مايو 2017 أعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد “الحرب على الفساد”.
13 أيلول/سبتمبر 2017 صادق البرلمان على مشروع القانون الأساسي 49-2015 (وهو الصيغة المنقّحة من قانون المصالحة الاقتصادية) المتعلق بإرساء المصالحة في المجال الإداري.
رابط للتقرير كاملاً باللغة العربية:http://carnegie-mec. org/2017/11/10/ar-pub-74696
شارك رأيك