بقلم : شافية الوسلاتي
شكّل ترتيب تونس عالميا على مستوى جودة التعليم الصادر مؤخرا عن منتدى دافوس الاقتصادي لسنة 2017 صدمة كبيرة لشعب طالما آمن بالتعليم و راهن عليه لتغيير واقع البلاد و العباد…..حيث حلت تونس في المرتبة 84 عالميا من مجموع 140 دولة حول العالم كما احتلت المركز السابع عربيًا في تقييم للمستويين الجامعي و الابتدائي وراء دول كنا نخالها تقبع خلفنا فإذا بها تسبقنا بأشواط في هذا المجال و لازلنا مع ذلك نفاخر بترديد مقولة الزعيم الحبيب بورقيبة بكوننا شعب يخصص ثلث مقدّراته للتعليم و لا لتكديس الأسلحة.
فأين الخلل و ما هو الحلّ ؟….و لماذا صار الجسم التربوي عليلا الى هذا الحدّ و غير قادر على تلبية الطموحات و بلوغ المقاصد؟
لا شك أن التعليم هو عملية تهدف إلى إكساب طالب العلم مهارات و معارف تمكنه من التطوّر و الإرتقاء إدراكيا و معرفيا و ماديا، و رغم أنه الوسيلة الوحيدة القادرة على النهوض بالأفراد و بالأمم و تحقيق نسب النمو العالية و الإزدهار إلا أنه و للأسف الشديد لم يعد يتبوأ تلك المكانة في تونس اليوم !
فإذا تأملنا في واقع التعليم في تونس و تحولاته المختلفة فإنّنا نلحظ و بكل يسر غياب التطوّر الإنسيابي البديهي من حيث مراكمة التجارب و التدرج المرحلي للرّقي بالقطاع شيئا فشيئا نحو بلوغ أهداف استراتيجية متطورة و مواكبة للعصر، وإنما هو أقرب لنشاط زلزالي عنيف تطمس فيه المعالم و تدك في الأركان بين كل رجة و أخرى، و لا نجد من مخرج في كل مرة غيرالعودة للمنهجية المعتادة “فسخ و عاود من جديد”.
و رغم أن أسقف انتظارات الشعب من حكومات ما بعد الثورة كان عاليا جدا في هذا المجال إلا أنها عجزت عن الخروج من دائرة اعتبار التعليم كحديقة عمومية ثانوية تمنح بالمناولة لكل قادر على ضخ الأموال من دول و كيانات و تهيئتها بشكل يبهج الناظرين حتى و لو تغيرت المغروسات بنسبة 360 درجة.
الأمر الذي يطرح ألف سؤال و سؤال أهمها هل إلى هذه الدرجة غاب عنا الفكر الإستراتيجي المخطط و القائد و القادر على رسم الأهداف و كيفية بلوغها و إعداد المناهج و تجنيد الناس حولها و توحيد المجموعة الوطنية حول هدف وطني سامي ؟؟؟
إن المؤلم في هذه المسألة هو أن نرى المسؤولين يؤكون على رافعات النمو على غرار التصدير و السياحة و يولونها كل العناية و الجدية الكاملة لكننا لا نرى نفس الإهتمام و العناية الجديين بالرافعة الأساسية و الجوهرية للنمو بشكل متلازم و متكامل بين كل الأبعاد الإجتماعية و الإقتصادية و التنموية ألا وهي التعليم.
فالتعليم هو القاطرة التي ستمكن حتما من كسب الرهانات و رفع التحديات إذا ما تم ايلاءه الأهمية القصوى و المنزلة المستحقة التي لا مهرب منها، و ثمار ذلك ستقطف لا محالة في ظرف زمني وجيز قد لا يساوي شيئا في عمر الشعوب.
فهل بات من الضروري اليوم مراجعة أساليب التعليم و أهدافه و القطع مع طرق التعامل القديمة بهذا الخصوص؟
قطعا الإجابة بنعم إذ لا بد من حلول جذرية لمنظومة تهرّأت و فقدت بريقها المعتاد كمصعد اجتماعي خاصة للفئات و الجهات المحرومة في محيط كان يراهن على أن ثروته الوحيدة هي “المادة الشخمة” مثلما كان يردد الزعيم الحبيب بورقيبة.
لا بد أيضا من السعي الى القضاء على ظواهر سلبية بدأت تتجذّر في مفاصل المجتمع كالعزوف عن ارتياد مقاعد الدراسة و غياب الجدية المطلوبة في مزاولة التعلم و التكوين بشكل حيّر الجميع بدءا بالأسرة وصولا للطالب و تفشّت عقلية “إقرأ و إلاّ ما تقراش المستقبل ما فماش” لدى العامة وهو ما يدل على إفلاس المنظومة التعليمية و التربوية.
ما يلاحظ في ظل التفاعل العالمي عدم تلاؤم هذه المنظومة مع استراتيجية الأمم المتحدة إذ ظلت منظومتنا تعمل بمعزل عن محيطها الخارجي رغم التحول العالمي نحو رزنامة جديدة للتنمية تقوم أساسا على مبدأين و هما التضامن بين الأجيال، من حيث الحفاظ على رأس المال الإجتماعي و البشري و الإقتصادي و البيئي للأجيال الصاعدة، و التضامن داخل الأجيال، من حيث التوزيع العادل لظروف الرفاه داخل نفس الجيل.
و هذا ما سعت إليه استراتيجية برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للشباب 2014-2017: “تمكين الشباب، مستقبل مستدام”، و الذي خصت فيه تونس بحوالي 45 مليون دولار من أجل مكافحة الفقر و تقليص التفاوت الإجتماعي و الإقتصادي بين الجهات و ذلك حسب ما أفاد به منير تابت المنسق المقيم لمنظمة الأمم المتحدة و الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
إنّ من أوكد مسؤوليات حكومة ما بعد الثورة عدم التخلي عن أي فرد من أفراد الشعب و توفير نفس الفرص لبناء مسارات تعليمية ناجحة تضمن المشاركة للجميع في البناء الإقتصادي و الإجتماعي و الذاتي.
إن الإصلاح التربوي يبدأ عندما تؤمن الطبقة السياسية بصدق بأن العدالة تبدأ من احترام الإنسان في إنسانيته.
* شافية الوسلاتي هي باحثة في القانون البيئي
شارك رأيك