بقلم عمار قردود
لم تكن ردة فعل التونسيين-أو على الأقل البعض منهم-الغاضبة و المتذمرة من مجرد صورة للرئيس المعزول زين العابدين بن علي كانت معلقة على لافتة إشهارية في منطقة قرطاج بيرصا -بالتحديد في تقاطع طريق قرطاج بيرصا و 5 ديسمبر-بالعاصمة التونسية ،مجرد ردة فعل تلقائية أو عادية و إن كانت منتظرة و متوقعة خاصة مع تزامنها و حلول الذكرى الــــ7 للثورة التونسية التي تفجرت في 17 ديسمبر 2010، احتجاجًا على سوء الأوضاع المعيشية.
بل هي تأكيد على أن جراح الشعب التونسي لم تندمل بعد و تذكّر الرئيس الأسبق بن علي و لو من خلال صورة فقط هو الملح الذي يوضع على الجرح؟.
الكثير من التونسيين يرفضون عودة الرئيس بن علي بل أن مجرد الإشارة إلى إسمه فقط يُقلّب عليهم المواجع،و في مقابل ذلك هم يتحسرون على زمنه و عهده،أين كانت تونس تنعم بالأمن و الإستقرار و الرخاء الإقتصادي و المعيشي عكس تونس اليوم التي أصبح فيها التونسيون يحتجون على الفقر الذي بلغ منهم مبلغًا عظيمًا؟.
فهل يُمكن القول أن التونسيين يرفضون عودة الرئيس المعزول زين العابدين بن علي؟
لقد تناقل نشطاء تونسيون على وسائل التواصل الاجتماعي :تويتر” و “فايسبوك”، الأربعاء الماضي، و على نطاق واسع، صورة للرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي معلقة في لافتة إشهارية كبيرة في منطقة قرطاج بيرصا ،الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة، قبل أن يتبين في الأخير أن “الصورة المثيرة للجدل و الإستياء لبن علي” أنها مجرد ترويج إشهاري و دعائي لفيلم سينمائي قصير.
وتنوّعت ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي حول صورة بن علي التي تم تثبيتها على لوحة إشهارية في منطقة قرطاج بتونس العاصمة، إذ عبر تونسيون عن دهشتهم بعد مشاهدة “الصورة غير المرغوب فيها”.
“الغضبة الشعبية التونسية الإفتراضية” من تواجد صورة للرئيس المعزول بن علي إعتبرها بعض التونسيين بالمهينة للرئيس الحالي الباجي قايد السبسي،خاصة و أنه تم تعليق صورة رسمية لبن علي و هو رئيسًا لتونس و هو ما زاد من حدّة غضبهم و أبدوا خشيتهم من التحضير لعودته إلى تونس مجددًا و ربما سيتولى منصبًا ما في الدولة.
قد يقول البعض أن الأمر-أي ردة الفعل الغاضبة لبعض التونسيين-لا يعدو أن يكون “خربشات” لنشطاء فيسبوكيين في عالم إفتراضي و ليس واقعي،لكن الحقيقة غير ذلك لأن مواقع التواصل الإجتماعي باتت قوة إقتراح و معارضة و تنفيذ و لأجل ذلك قرر رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد توجيه خطاب دوري شهري عبر الفايسبوك،حيث قال الشاهد أمس الخميس ،ضمن كلمته التي توجه بها إلى الشعب التونسي عبر صفحة التواصل الاجتماعي فايسبوك إن هذا التمشي يندرج في إطار توجه تقوم به حكومة الوحدة الوطنية لتحسين سياستها التواصلية والإقتراب أكثر من الشعب وخاصة الشباب التونسي.
كما أكد الشاهد أنه قرر التوجه بشكل دوري شهري بخطاب عبر الفايسبوك سيقدم فيه للشعب التونسي العمل الحكومي و التفاعل مع الرأي العام في القضايا والمستجدات التي تهم تونس، وفق تعبيره.
التونسيون يرفضون بن علي حتى في أحلامهم؟
صورة بن علي التي أحدثت ضجّة و رجّة على مواقع التواصل الإجتماعي،جعلت معتمد منطقة قرطاج،حسام الصغير،ينزل من عليائه و برجه العاجّي أمس الخميس ليوضح ان صورة اللافتة الاشهارية لبن علي التي تم تداولها تندرج ضمن تصوير لمشهد من فيلم قصير للمخرج التونسي نوفل صاحب الطابع،كانت وزارة الثقافة قد منحته تأشيرة تصوير، وقد استمر عرض الصورة لمدة نصف ساعة بالتحديد قبل أن تتم إزالتها.لكن معتمد قرطاج لم يُشر إلى أسباب إزالة صورة بن علي هل كانت مبرمجة أو جاءت بعد ردود الفعل الغاضبة من طرف التونسيين؟.
أما مخرج الفيلم السينمائي المعني بصورة بن علي،نوفل صاحب الطابع،فقد قال في تصريحات إعلامية له:”لم يتم إدراج صورة بن علي بهدف خلق الإثارة بقدر ما تم توظيفها في أحداث الفيلم القصير الذي انتهت مجريات تصويره”.و أوضح:”أن أحداث الفيلم تتناول فترة من تاريخ تونس، وتحديدًا عام 2005، حينما اشتدت قبضة النظام الأسبق”.
ويؤكد نوفل صاحب الطابع أن الفيلم الذي سيتم عرضه في القاعات السينمائية، بدءا من 2018، يسلط الضوء على “حالة الرعب والخوف التي زرعها النظام السابق في نفوس التونسيين في تلك الفترة”، مشيرًا إلى أن “الفيلم لا يتضمن صورًا أخرى مماثلة للصورة التي عُرضت في قرطاج بيرصا”.
السبسي:العمل مع بن علي ليس جريمة؟
يحدث هذا في الوقت الذي قال فيه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، في حوار أجرته معه صحيفة “لوموند” الفرنسية ونشرته بتاريخ 18 ديسمبر الجاري ، إن العمل في السابق مع الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي ليس جريمة.
وأضاف الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي خلال الحوار الذي أجرته معه الصحيفة الفرنسية المذكورة آنفًا أثناء مشاركته يوم 11 ديسمبر الجاري في قمة المناخ بفرنسا، “عندما كان بن علي في السلطة، عمل معه مليونا تونسي.. وهؤلاء ليس لنا أن نُقصيهم.. لكل تونسي حق المشاركة في شؤون بلاده إذا لم يكن محل إدانة”.
وأكد الباجي قائد السبسي أنه لا يمكن اعتبار العمل مع بن علي جريمة، وإلا توجب علينا سحب الجنسية ممن عمل معه وهذا أمر لا يمكن لأحد القيام به سوى القضاء.كما تساءل الباجي قائد السبسي عن مصير الذين عملوا مع الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة قائلاً: “والذين عملوا مع بورقيبة.. هل يتوجب علينا إبعادهم؟”.
وقال السبسي، ردًا على ما إذا كان هناك تناقض بين تزامن المصادقة على قانون المصالحة وانطلاق الحملة على الفساد التي أعلنها رئيس الحكومة يوسف الشاهد، “أنا صاحب هذا القانون، وهو لا يستهدف سوى موظفين ذوي كفاءات نفّذوا تعليمات مباشرة يتعذر عليهم رفضها”.
وصرح قايد السبسي “نحن لم نُصدر عفوا عن أناس اختلسوا أموال الدولة، مؤكدًا أن هدف المصالحة الوطنية و الاستفادة من خبرات كبار الموظفين الذين ظلوا بعد الثورة مكتوفي الأيدي خوفا من العقاب”.
سويسرا تمدّد تجمّيد العائدات المالية وأصول الأموال المرصودة لبن علي وأقاربه
لكن في المقابل أعلنت السلطات السويسرية أنها أعلمت وزارة أملاك الدّولة والشؤون العقارية التونسية،الأربعاء الماضي،، بقرار المجلس الفيدرالي السويسري التمديد بسنة في تجميد كامل العائدات المالية وأصول الأموال المرصودة بسويسرا للرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وأقاربه ، حيث يرمي هذا القرار إلى توفير مدة إضافية لإتمام الأبحاث الجزائية الجارية ومعاضدة المجهود الدّولي للتعاون القضائي بين تونس وسويسرا. وتجدر الإشارة إلى أنه حسب القانون الفيدرالي السويسري المتعلق بالأموال غير المشروعة الذي دخل حيز النفاذ بتاريخ غرة جويلية 2016 المنظم لأمد تحجير العائدات المالية المهربة وطريقة التمديد فيه ، فإن التمديد بسنة وارد في حالة ثبوت تعاون الدّولة المعنية بالأمر عن طريق التعاون الدّولي على أن لا يتعدّى تمديد التجميد العشر سنوات.
وللتذكير فقد تحوّل مبروك كرشيد ، وزير أملاك الدّولة والشؤون العقارية مؤخرا إلى واشنطن على رأس وفد رفيع المستوى في إطار مؤتمر دولي حول استرجاع الأموال المنهوبة ، أجرى خلاله عديد اللقاءات الهامة والإيجابية وخاصة مع الوفد السويسري بخصوص ملف استرجاع الأموال المنهوبة بسويسرا.
السجن غيابيًا مدة 5 سنوات في حق الرئيس الأسبق بن علي
و كانت إحدى الدوائر الجنائية بمحكمة الاستئناف بتونس قد قضت،الأربعاء الماضي، بالسجن غيابيًا مدة 5 سنوات في حق الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وسقوط الدعوى العمومية بمرور الزمن في حق المدير العام الأسبق للأمن الرئاسي علي السرياطي ووزير الداخلية السابق عبد الله القلال في إحدى قضايا التعذيب.
وحسب المعطيات المتوفرة فإن أحد النشطاء السياسيين في حركة الاتجاه الإسلامي سابقا تقدم بشكاية مفادها أنه تم اعتقاله سنة 1992 واحتجازه بمقر وزارة الداخلية، حيث تم اخضاعه للتعذيب لانتزاع اعتراف منه، ودامت عملية اعتقاله أكثر من 20 يوما حسب ماورد في شكايته.
وحسب مصادر نسمة فقد اعتبرت الدائرة الجنائية أن بن علي لا يتمتع في قضية التعذيب المذكورة بامتياز انقراض الدعوى العمومية بمرور الزمن، حيث احتسب آجالها انطلاقا من تاريخ نهاية رئاسته لتونس وهو تاريخ 14 جانفي 2011.
و بناء على المعطيات السابقة،و رغم مرور 8 سنوات تقريبًا على هروب الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي و مرور 7 سنوات على ثورة الياسمين و بالرغم مما شهدته تونس من أحداث و تطورات و وقائع معظمها حزين و مأساوي كالإغتيالات و الإرهاب و عدم الإستقرار السياسي و الأمني و الأزمة الإقتصادية التي عصفت بالدينار التونسي و القدرة الشرائية للتونسيين،إلا أن البادي للعيان و الذي لا يحتاج لأي دليل و برهان هو أن الشعب التونسي- مع إستثناءات قليلة فقط ربما -يرفض رفضًا مطلقًا عودة رموز النظام الفاسد و الديكتاتوري الأسبق و على رأسهم عرابّه الرئيس المعزول زين العابدين بن علي و لو عبر مجرد ملصقة في لافتة إشهارية ترويجًا لفيلم يفضح ممارساته.
شارك رأيك