من الجزائر: عمار قردود
هل تعلم أن تونس بلد عربي يقع في إفريقيا ؟و هل تعلم أن تونس هذا البلد العربي الصغير في المساحة الكبير بتاريخه و حضارته و شعبه كان يُسمى في الماضي بـــ”إفريقية” و بإسمه تم تسمية القارة السمراء “إفريقيا”؟ و هل تعلم أن سوسة و بنزرت و صفاقس و القيروان و الحمامات و المهدية و قفصة و باجة و نابل هي مدن تونسية؟.
لكن هل سبق لك و أن سمعت بمدينة “تونسلار”؟ إنها مدينة تونسية من الإسم تبدو كذلك؟ لكن هل تعلم أنها مدينة تونسية و كل سكانها تونسيون لكنها لا تقع في تونس؟انها المدينة التونسية الوحيدة التي لا تنتمي إلى تونس.
إن مدينة “تونسلار”( Tunuslar) و تعني قرية التوانسة الواقعة في أقصى الشمال الشرقي لتركيا بين المرتفعات و الجبال المغطاة بالثلوج على إرتفاع 1400 متر .،و عدد سكانها الذي لا يتجاوز 50 نسمة فقط حسب آخر إحصائيات لسنة 2012،هي مدينة تابعة إلى تركيا و رغم ذلك لا تزال حتى الآن ترفع العلم التونسي فوق بناياتها و تحافظ على العادات و التقاليد التونسية خاصة في اللباس و حتى الأكل.
لكن كيف انتقلت هذه المدينة التونسية إلى تركيا؟ و هل هي مستعمرة تونسية قديمة؟
تاريخيًا يعود وجود هذه المدينة التونسية بتركيا إلى منتصف القرن 19 و بالتحديد منذ حرب القرم التي دارت رحاها بين 1853 و 1856 بين الإمبراطورية العثمانية آنذاك و روسيا،و لأن تونس كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية يومذاك،فقد ساهمت تونس بجيش عرمرم قوامه 20 ألف جندي تونسي للمشاركة في هذه الحرب و الذود عن حمى الراية العثمانية.حيث أرسل الحكم العثماني لتونس “أحمد باي” جيش قوامه 20 ألف جندي تحت إمرة “الجنرال رشيد”،واستشهد عدد من الجنود التوانسة، ورجع عدد آخر منهم إلى تونس، فيما فضل آخرون البقاء في تركيا فمنحهم السلطان العثماني قطعة أرض في ولاية “قسطموني” ليسكنوا فيها، فسميت القرية باسمهم، وما زالت إلى اليوم تسمى بهذا الاسم.
و كان الهدف الأساسي لأحمد باي من المشاركة في هذه الحرب هو إستعراض جيشه الجديد أمام الفرنسيين و إظهار قدراته على الردّع و أنّ تونس تمتلك جيش عصرياً قادراً على الدفاع عنها في حال تمادت الأطماع الفرنسية و أرادت إحتلال تونس كما فعلت بالجزائر سنة 1830.
و بحسب المؤرخون فهناك روايتين مختلفتين،الأولى تقول بأن الجنود التونسيين الذين نجوا من هذه المعركة،ظلّوا الطريق أثناء عودتهم و تاهوا بين الجبال و المرتفعات في فصل الشتاء البارد و نظرًا لللسقوط الكثيف للثلوج آنذاك،إضطروا للبقاء في مكانهم و أنشاؤوا قرية صغيرة قبل أن يندمجوا مع القرى التركية المجاورة لقريتهم-أو مستعمرتهم-و لكن بقي العرق التونسي هو الغالب حتى اليوم.
أما الرواية الثانية فتفيد بأن الجنود التونسيين الذين نجوا من المعركة،قرر السلطان العثماني آنذاك تكريمهم و منحهم قطعة من الأرض ليستقروا عليها مكافأة لهم على الفوز،و حتى اليوم مازالت تسمى بإسمهم و يرفع فوق بناياتها العلم التونسي،كما لاتزال مقبرة الجنود التوانسه موجودة في وسط القرية و قائدهم الكولونال (محمد التونسي) بحسب التقارير الإعلامية التركية.
مشاركة الجيش التـونسي في حرب القرم
اندلعت حرب القرم بين الإمبراطورية الروسية من ناحية والإمبراطورية العثمانية من ناحية أخرى (بدعم من فرنسا وأنجلترا وإيطاليا) بتاريخ 28 مارس 1853 وانتهت في 30 مارس 1856 وكانت جزيرة القرم مسرحًا لتلك الحرب. وبأمر من ” أحمد باي” شاركت تونس في هذه الحرب بجيش قوامه 20 ألف جندي يقوده الجنرال “رشيد” وتدعّمه سفن حربية هجومية كانت جميعها من صنع تونسي. وكان الهدف الأساسي لأحمد باي من هذه المشاركة استعراض جيشه الجديد أمام الفرنسيين وإبراز قوّته وقدرته على الدفاع عن البلاد في حال تمادت أطماع فرنسا وأرادت احتلال تونس كما فعلت مع الجزائر سنة 1830. وورد على باي تونس فرمان من الباب العالي محفوظ بالأرشيف الوطني يثمّن المشاركة التونسية في حرب القرم.
ويذكر المؤرّخون روايتين لتفسير بقاء جزء من الجيش التونسي في تركيا فهناك رواية تقول بأنّ كتيبة من الجنود انعزلت عن باق الجيش التونسي في أقصى شمال تركيا في المرتفعات الجبلية وضاعت في الجبل والغابات وأغلقت عليهم الثلوج المنافذ وفقدوا طريق العودة فبنوا الأكواخ على ارتفاع حوالي 1200 متر في ولاية قسطموني وسكنوها واستوطنوا هناك وتزوّجوا من سكّان الجبل وصارت تلك القرية تدعى تونسلار أي قرية التوانسة. أمّا الرواية الثانية فتذكر أنّ قسما من الجنود التونسيين فضّل البقاء في تركيا بعد انتهاء الحرب فمنحهم السلطان العثماني قطعة أرض في ولاية قسطموني ليسكنوا فيها. وتقع قرية التوانسة في شمال وسط تركيا على سواحل البحر الأسود وتبعد عن مركز الولاية 59 كلم ويبلغ ارتفاعها عن سطح البحر 1150م.
أوّل فـتـح للـجـيـش الـتــونـسـي فـي حـرب الـقـرم (1853 – 1856)
في تقرير بعثه الجنرال “رشيد” قائد البعثة العسكرية التونسية المُشاركة في حرب القرم، بتاريخ 17 نوفمبر 1855أخبر عن أوّل فتح لجنوده في الحرب، يقول : ” و هي بلدة (زرقاط ~ جورجيا) يسكنها القرج المسيحيون بعد أنّ فرّ منها الروس، و هي بلدة كبيرة بها ما يزيد عن 200 دار و بها مساكن مبنية بالحجر و كنائس و مكاتب و بها سوق عظيمة أحرقها أهلها عند فرارهم، و حين دخل جند سيّدنا {أحمد باي} رفعوا بها اللّواء و أقاموا بها الآذان لصلاة الوقت …”-رسائل الجنرال رشيد إلى الدولة التونسية-
حرب القرم ( 1853 – 1856)
ترجع الأسباب العامة لهذه الحرب، التي قامت بين روسيا من ناحية والدولة العثمانية وبريطانيا وفرنسا وبيدمونت من ناحية أخرى،إلى المسألة الشرقية التي ظلت دون حل وكانت ذريعتها المباشرة النزاع بين روسيا وفرنسا حول الإشراف على الأماكن المقدسة بفلسطين، إذ تحدت فرنسا ادعاء روسيا حق الوصاية على تلك الأماكن. فحصلت 1852 من السلطان عبد المجيد على بعض الامتيازات للكنائس اللاتينية. ورفضت الدولة العثمانية 1853 المطالب المماثلة التي تقدمت بها روسيا وذلك بتأثير السفير الإنجليزي سترتفورد دي رادكليف. وفي حزيران 1853 ردت روسيا على ذلك الرفض باحتلال البغدان والأفلاق.
كما حاولت روسيا السيطرة على الأقاليم التابعة للدولة العثمانية مستغلة ضعف الدولة العثمانية، و فعرضت مشروعها التقسيمي على الدول الأوربية، متخذة من الدين ذريعة لإعلان الحرب على الدولة العثمانية الا ان هذه الدول رفضت ذلك .
كما كانت مصالح روسيا الجغرافية و المادية و الاستراتيجية تقتضي منها ضرورة سيطرتها على المضايق وتحديدا مضيقي البوسفور و الدردنيل -اللذان يمثلان المنفذ الوحيد لروسيا والممر الوحيد لسفنها نحو المياه الدافئة- إما عن طريق القضاء على الدولة العثمانية المالكة لهذه المضائق، أو التغلغل في أوصالها لتحريك سياساتها، أو على الأقل ضمان حرية المرور لسفنها التجارية و الحربية في كل الأوقات بهذه الممرات، و إغلاقها أمام السفن المعادية لروسيا.
بدات روسيا الحرب باحتلال إقليمي: الافلاق، و البغدان (رومانيا الحالية) التابعتين للدولة العثمانية عام 1853 م، وتقدمت جيوشه جنوبا أمام ضعف الجيش الإنكشاري الأمر الذي دفع بريطانيا وفرنسا إلى التدخل لحماية ممتلكات الدولة العثمانية ومن خلالها حماية مصالحهما، فأرسلتا أسطولا مشتركا إلى المياه العثمانية، ليقف إلى جانب الدولة العثمانية ضد التحدي الروسي.
فتشجع الباب العالي و أعلن الحرب على روسيا في 4 نوفمبر 1853 م و لكن أسطوله انهزم في ميناء “سينوب” على البحر الأسود في 30 نوفمبر 1853 م على يد الأسطول الروسي، و عندئذ اقتحم أسطول الحلفاء البحر الأسود لمحاصرة القوات الروسية، و قامت فرنسا و انجلترا بإعلان الحرب على روسيا، و هاجمت القوات الروسية في ” الأفلاق و البغدان ” و أرغمتها على الانسحاب، ووضع الإقليمين تحت إدارة النمسا مؤقتا،
و حاولت روسيا أن تستدرج قوات الحلفاء إلى داخل روسيا للقضاء عليها، و لكن الحلفاء تفطنوا للمكيدة و نقلوا الحرب إلى ” شبه جزيرة القرم ” اتجاه ميناء سيباستوبول ،حيث كان يرابط جزء من الجيش الروسي، فأرغموه على الانسحاب منها بعد هزيمته في معركة ” ألما ” في سبتمبر 1854 م ، ثم فرضوا حصارا على ميناء سيباستيول ، و انضمت مملكة بيدمونت إلى فرنسا وبريطانيا ضد روسيا لكسب عطف الدولتين إزاء تطلعاتها الوحدوية.
وفي ايلول 1855 تمكنت قوات الحلفاء من احتلال ميناء سيباستيول فاضطرت روسيا الى القبول بالصلح واجبرت على توقيع معاهدة باريس .
شارك رأيك