الرئيسية » لما لا نفكر في إدماج الإقتصاد الموازي بالإقتصاد الرسمي؟

لما لا نفكر في إدماج الإقتصاد الموازي بالإقتصاد الرسمي؟

بقلم  رؤوف الغشام

في ظل الأزمة الحالية والتصنيف الأروبي لتونس ضمن القائمة السوداء وما تشهده الدولة من عراقيل لتعبئة مواردها المالية للإيفاء بإلتزاماتها في وضع متسم بمديونية غير مسبوقة في تاريخ تونس ،وهو ما ترجمته التشريعات المبوبة بقانون المالية 2018 ،

وهو ما جعلنا اليوم نضع الإصبع على أحد أسباب الداء القديمة المتجددة الأخرى وهي أحد النقاط السوداء في مشهدنا مع الخارج، وهو أصلا سبب رئيسي في غياب الإستثمار الخارجي خلال السنوات الأخيرة ، كما أنه عائق للدولة لتعبئة مواردها بالشكل المطلوب.

وأمام ضخامة الاقتصاد الموازى الراجع لسيطرة “لبارونات التهريب” بينت التجربة التونسية و الحرب ضدهم أن الموضوع زعزعة للدولة لما لديهم من قدرة وأموال في التحكم في منظومة التوريد والترويج ويعدون مؤثرين بشكل مباشر على الدورة الإقتصادية العامة في تونس ويسيطرون على نسبة كبيرة من السلع المعروضة بالأسواق، هذا دون الدخول في نفوذهم داخل المنظومة العامة للإقتصاد .

والجدير بالذكر بالنظر للتشريعات الحاصلة في هذا السياق الكل يعلم أن الإقتصاد التونسي يشهد خلال الفترة الأخيرة مرحلة إعادة هيكلة شاملة، للتقليص من النفقات العمومية مقابل تفعيل دور القطاع الخاص لمزيد الإنفتاح على السوق العالمية، وربما نحن في حاجة لتحسين نظرة الخارج لنا ومدعوون بمصداقية إلى مراجعة “البيت من الداخل في أدق تفاصيله” بجدية ورؤية إلى الأمام لإتخاذ التوجهات المستقبلية الكفيلة بالنفع إستراتيجيا وعلى المدى البعيد.

وحيث أن الصورة العامة للإقتصاد قدمت من قبل الإتحاد الأروبي أننا بلد يسمح بتبييض الأموال مؤخرا، وعليه نطرح التساؤل لما لا يتم إدماج القطاع الموازي بالقطاع الرسمي ، إعتبارا أن السوق الموازية جزء لا يتجزأ من مشهد النسيج الإقتصادي الحالي في تونس، ويمثل عنصر لا مع في تركيبة إقتصادنا و لعله أيضا أحد أهم الأسباب المباشرة في تخوف الأجانب للقدوم إلى تونس، ومبرر بعدم توفر تكافؤ الفرص مع المحليين .

فالتونسي على سبيل الذكر لا للحصرمن تقاليده اليومية أن يقصد الأسواق الشعبية والمحلات ليبحث على حاجياته من السلع الموردة وهي نهاية سلع مهربة، والمريب في الموضوع أن الدولة على علم بالموضوع ورغم الرقابة إلا أنه يبدوا أن “التيار أقوى من الإمكانيات” وفقا للمقولة ” اللي يسرق يغلب اللي يحاحي”، و المسألة في حد ذاتها ليست بجديدة بل هي موجودة لعقود وعينية بأن منظومة التجارة الغير الشرعية “السوق الموازية “لا تزال موجودة و تنخرالإقتصاد .

ولعل الفائدة اليوم من طرح الإشكال هو بعد النظر لنخرج مستقبليا ونقلص من هيمنة التجارة الموازية على التجارة الرسمية ، وهو أيضا دعوة للمجموعة الوطنية لضرورة التفكير بإدماجهم كتونسيين (في شكل مصالحة) داخل المنظومة الرسمية للإقتصاد الشرعي بجملة من التشريعات والتسهيلات العائدة بالفائدة لهم و للدولة، ليكونوا هم أنفسهم فاعلين في الدورة الإقتصادية وعاملين وفقا لمبدأ المنافسة الشريفة ويؤدون واجباتهم الجبائي منتفعين بالتغطية الإجتماعية على غرار باقي الفئات الإجتماعية بشكل عام،،، ونخص بالذكر لا للحصر : تجار المنصف باي، بومنديل،الأسواق العتيقة ، وعديد الأسواق الأسبوعية بالمناطق الداخلية والحدودية مع الشقيقتين الجزائر و ليبيا …

ولتشخيص المسألة بدقة نرى أن العديد من الحالات المزاولين لأنشطتهم اليومية كتجار أنهم من المؤسف تجدهم لا يتمتعون بتغطية إجتماعية بما في ذلك عائلاتهم، والأمرّ في واقع الموضوع أنه لا ثقافة ولارغبة لهم لإتباع المسالك القانونية للتوزيع أو للدخول بأموالهم و سلهعم المتعددة المصادر، وهو ما يعتبر نوع من “أنواع التصادم” مع كيان الدولة، فيجدون الملاذ في التهرب من الجباية، وفائدتهم في أنهم قابعين في حلقة مغلقة حدودها السلع المهربة الإستهلاكية والأموال الطائلة الخارجة عن المنظومة الإقتصادية الرسمية للدولة وهو سبب مباشر في تدهور القطاع البنكي وإشكال للبنك المركزي العرض النقدي، وأحد دوافع التعويم الحاصل للدينار التونسي والتدني الحاصل مع عملات الشركاء التقليدين اليورو و الدولار.

وخدمة للمصلحة الوطنية يضل دور الدولة في المسألة ضروري في الوقت الراهن لإيجاد السبل في إدماجهم داخل المنظومة الرسمية، بتنظيم أنشطتهم ومراقبة سلعهم المهربة لأهمية مساهمتهم في تغطية عجز الصناديق الإجتماعية الحاصل ، و لايتم هذا إلا بمزيد من الصيغ التشجيعية وإن صحت العبارة التفاضلية لما لا بمساهمات رمزية وإختبارية وفقا لدرجات حجم معاملاتهم للإنتفاع بالمنظومة الصحية لعلائلاتهم وضمان تقاعدهم المستقبلي على المدى البعيد.

وحيث تبدوا المسألة في البداية لا تزيد عن التشريع غير أن النجاح في إدماجهم يمثل إنعاش للمالية العمومية ، علاوة عن أن هاته الفئة تضم عديد العاطلين عن العمل من حاملي الشهادات و لعوامل إجتماعية أدرجوا داخل المنظومة ولهم وزنهم غير الهين في التركيبة العامة للنسيج الإقتصادي.

ختاما، يعد التفكير الجدي في تشريعات خاصة بإمتصاص”المنظومة الغير الشرعية للإقتصاد” مسألة على غاية من الأهمية خلال الفترات القادمة من مراحل بناء الإقتصاد السليم وتوفير مناخ يجلب الإستثمار الخارجي المباشر،حتى لا نندم مستقبلا أو نتفاجئ بنسيج إقتصادي يهيمن فيه “الإقتصاد الموازي” على”الإقتصاد الشرعي”.وربما قد نبرره لا حقا بضعف الدولة في حل مثل هاته الإشكاليات الهيكلية في إقتصادها، بمنطق بعيدا عن ما قد نسمعه لاحقا أن الحكومات السابقة هي السبب و نحن ( الحكومات القادمة) بصدد الإصلاح مالم يتخذ من قرارات ( حكومة اليوم وما سبق) ويكون الشعب التونسي عندها قد دفع ثمن غالي جدا على جميع الأصعدة وهو الحال في الوضعية الحالية المميزة بقدرة شرائية متدهورة للفئات المتوسط والفقيرة لدفع فاتورة مستقبلية لما أتخذ من إجراءات أو ما تم السهو عنه ( اليوم ) من إصلاحات.

*رؤوف غشام هو باحث في الاقتصاد

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.