كشف تحقيق اعدّته صحيفة العربي الجديد مؤخّرا، عن الحالة التي أمست عليها شواطئ غار الملح ببنزرت، بسبب توسّع ظاهرة البنايات المقامة فوقها في مخالفة صريحة لمقتضيات قانون الملك العمومي البحري.
وقد اشار الى مخالفة اصحاب البنايات الفصل 18 من القانون الذي “يمنع إقامة بنايات أو منشآت جديدة حذو الملك العمومي البحري، سواء كان محدّدا أم لا، إلا بعد الحصول على قرار تصفيف من المصالح التابعة للوزارة المكلفة بالتجهيز، على اعتبار أنه يمنع البناء الصّلب على الأراضي المجاورة للملك العمومي البحري في جزئها الموظّف على حق ارتفاق التصفيف والمحاذي مباشرة لهذا الملك، والتي تخضع إلى حق ارتفاق مرور في عرض ثلاثة أمتار”.
واكّد التحقيق المنشور ان عديد المتنفّذين استغلّوا أساسا فترة وهن الدولة وضعف آليات تطبيق القانون خلال الفترة اللاّحقة لثورة 14 جانفي 2011، ليقوموا بردم مساحات هامّة من السّبخة باستعمال رمال الشاطئ وتحويلها إلى”قطايع” جديدة، وهو ما دفع بجمعيّة “التطوير البيئي والتنمية الشاملة بغار الملح” (منظمة أهلية) إلى مراسلة رئيس النيابة الخصوصية بتاريخ 18 افريل 2016 بشأن “حدوث عمليّات حوز للملك العمومي البحري”.
“البنايات المستحدثة على شاطئ وسبخة سيدي علي المكّي، والتي وثق معدّ التحقيق تواجدها بعدد من الصّور بالاستناد إلى قاعدة معطيات القمر الصّناعي على “غوغل إيرث”، تبيّن تطور حجم الاستيلاء على الشاطئ خلال الفترة الممتدة بين سبتمبر 2004 وحتى نوفمبر 2017.
وهذه التجاوزات مخالفة للفصل 25 من مجلّة التهيئة الترابيّة الصّادرة بمقتضى قانون عدد 122 لسنة 1994 المؤرخ في 28 نوفمبر 1994 والذي “يحجر البناء على مسافة تقل عن 100 متر ابتداء من حدود الملك العمومي البحري أو ما يعبّر عنه بمنطقة ارتفاق، إذ إنّ شط سيدي علي المكّي ليس إلّا شريطا ساحليّا ضيّقا، لا يزيد عرضه عن 80 متراً، يفصل بين مياه البحر والسّبخة، ما يجعله يخضع لمنطقة ارتفاق مضاعفة وبالتّالي عدم قانونيّة أي بناء صلب فوقه استنادا للمجلّة نفسها”.
كما مكّنت المعاينة الميدانية من الوقوف على تجاوزات بلغت حدّ تعمّد المخالفين، ومن بينهم وجوه سياسية وشخصيات رياضية وفنيّة معروفة وليسوا أصيلين من المنطقة، على غرار الممثلة نعيمة الجاني ولاعب المنتخب السابق رياض البوعزيزي، بناء شقق وطوابق داخل الملك العمومي البحري.
وتجاوز الاستهتار بالقانون حدّ تحويل البعض الآخر من المخالفين الشقق والإقامات إلى وحدات سياحيّة، وفق تأكيد الكاتب العام لولاية بنزرت حمّادي بن عمر، لـ”العربي الجديد”، وهو ما عاينه معدّ التحقيق من قبل حالة المخالفين حسن الوافي وسهيل السيّاري.
لم يخف كل من رئيس النيابة الخصوصية المقال بغار الملح منذ مارس 2017، فؤاد بلانكو، ورئيس البلدية الحالي طارق الميلي، إسناد رخص نشاط موسمي (في حدود 120 رخصة صيف 2017) على شواطئ غار الملح، مرجعين ذلك بالأساس إلى محدوديّة الموارد الماليّة للبلديّة، إذ عزا بلانكو التصرّف في لزمة مأوى السيارات القريب من شاطئ سيدي علي المكّي، والذي حصل معد التحقيق على نسخة منه، إلى الرّغبة في توفير اعتمادات للبلدية التي تقوم يوميّا برفع أطنان من فضلات المصطافين رغم كون الشاطئ المذكور لا يتبع ترابيّا للتقسيم البلدي، مدّعيا وجود اتفاقيّة في هذا الشأن مع الولاية تعود للثمانينيات.
أمّا الميلي فقد أرجع منح البلدية لهذا العدد من رخص النشاط الموسمي، رغم رفض الوكالة، إلى “توصّل البلدية بمكتوب من الولاية في حدود شهر مايو 2017 يفيد بتفويض الوكالة أمر الإشغال الوقتي لصالح البلديّة”.
بحسب مسؤولين من الوكالة، تحفظوا على ذكر أسمائهم، فإن السّلطة المحليّة تعتمد كلّ سنة التأخير في تقديم مطالب ملفات الإشغال الوقتي كي تفرض أمرا واقعا بحلول الصّيف وتقوم بمنح رخص النّشاط الموسمي غير القانونيّة.”
وتجدر الإشارة إلى أن حالة عدم الاستقرار وتعاقب سبعة معتمدين على المنطقة خلال السنوات السبع الأخيرة جعل النيابة الخصوصيّة تستأثر بإدارة المرفق العمومي بغار الملح، وهو ما يحمّلها الجانب الأكبر من مسؤوليّة انتهاك الإشغال الوقتي.
شارك رأيك