أصدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية اليوم الاثنين بيانا بخصوص ما تشهده منطقة الحوض المنجمي من توترات اجتاماعية و احتجاجات.
وجاء في البيان أن السبب الرئيسي لمثل هذه التحركات يكمن في ضعف النسيج الاقتصادي بولاية قفصة وفي رداءة منظومة الحوكمة السائدة على كل المستويات.
وهذا نص البيان كاملا:تشهد منطقة الحوض المنجمي منذ حوالي الشهرين تحركات احتجاجية اندلعت اثر التصريح بنتائج آخر مناظرة انتداب قامت بها شركة فسفاط قفصة (CPG). وهذه التحركات ليست الأولى من نوعها، حيث يحتج الشباب العاطل عن العمل اثر التصريح بنتائج كل المناظرات التي نظمتها الشركة،منذ سنة 2008 .
ونعيد الاشارة في كل مرة:
• شركات عمومية -وعلى رأسها شركة فسفاط قفصة- تتميز بعدم الشفافية في مستوى تسييرها وتوظيف مواردها وبعلاقتها المتوترة مع محيطها الاجتماعي والبيئي،
• مؤسسات السلطة السياسية المحلية والجهوية (ولاية، مجلس جهوي، معتمدية، بلدية…) تتميز بالإقصاء وعدم تشريك المواطنين وسوء توظيف الموارد المتاحة والمحاباة والتعامل بمنطق الولاءات الخ…
• مؤسسات ادارية تابعة لمختلف الوزارات تشكوا قلة الكفاءة وضعف المبادرة وعدم القدرة على متابعة وتأطير الأنشطة الاقتصادية وانعدام التنسيق بينها الخ…
• غياب تام لخطة تنموية شاملة، متكاملة ومستديمة قادرة على تجاوز الأوضاع وبعث الأمل والثقة لدى المواطنين،
• وضع اجتماعي يتسم بتغذية وتوظيف الصراع القبلي والعشائري من طرف السّلطات السياسية في غياب مؤسسات ديمقراطية تشاركية وشفافة.
أمام هذا الوضع كان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يؤكد على ضرورة اعتماد خطة تنموية شاملة (لكل معتمديات ولاية قفصة ولكل القطاعات الاقتصادية والفئات الاجتماعية) ، خطة تسمح بخلق نسيج اقتصادي مندمج وديناميكي قائم على منظومة حوكمة رشيدة على كل المستويات ابتداء من شركة فسفاط قفصة ، خطة قادرة على التوفيق بين الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي وضامنة لاستمرار وتوسع وتنوع الأنشطة حتى يكون بإمكانها امتصاص البطالة وتوفير ظروف حياة سليمة.
إلا أنه في كل مرة تواجه السلطات القائمة (قبل وبعد 14 جانفي 2011) التحركات الاحتجاجية بطرق ارتجالية وباعتماد نظرة قصيرة قائمة على ايجاد حلول جزئية، تلفيقية ووقتية، لا يقع في أغلب الأحيان تطبيقها، وبالتالي سرعان ما تقود الى اعادة توتر الأوضاع الاجتماعية وتعميق فقدان الثقة وانطلاق تحركات احتجاجية جديدة.
و يقتصر هذا التمشي المغلوط بالأساس على مجرد خلق مواطن رزق أكثر منها من بعث مواطن شغل من شأنها أن توفر العمل المنتج للثروة في اطار خطة تنموية قادرة على خلق حركية تراكمية توسعية وامتصاص الأعداد المتصاعدة للعاطلين عن العمل.
و تسبب هذا التمشي في خسائر باهظة للمجموعة الوطنية تمثلت في نقص للإنتاج بلغ 34 مليون طن وحرمان تونس من موارد مالية بلغت 10 مليار دينار خلال السبع سنوات الأخيرة.
كما تسبب في اثقال كاهل شركة فسفاط قفصة بانتدابات عشوائية ووهمية في عديد الحالات وغير منتجة في كل الحالات وارتفاع الأعباء المالية للشركة في غياب الانتاج.
ونتج عن هذه الأوضاع تدهور خطير للأوضاع المالية والتجارية للشركة CPG في وقت أصبحت الشركة في أشد الحاجة لتجديد العديد من معداتها القديمة ولنقل مغاسل الفسفاط خارج المدن المنجمية، ولتطوير أساليب غسل الفسفاط عبر اللجوء الى جلب مياه البحر والتخلي عن استعمال المياه الباطنية لفائدة أنشطة أخرى الخ… كما قاد هذا التمشي المغلوط رغم تكاليفه الباهظة الى استمرار توتر الأوضاع الاجتماعية وانعدام الثقة بين الاهالي والسلط الجهوية والمركزية وكل دواليب الدولة.
وأمام تعقد اشكاليات التنمية الجهوية عموما والأوضاع السائدة بالحوض المنجمي بالخصوص، يؤكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على ما يلي:
ضرورة التخلي عن التمشي المغلوط في التنمية والتشغيل المشار اليه سالفا
ضرورة التخلي عن الاسلوب الأمني والقضائي ومعالجة المشاكل التنموية الجهوية بجدية من خلال حوار يمكن من ضبط خطة تنموية تفتح آفاق واعدة وتبعث الطمأنينة والثقة في المستقبل.
وفي هذا المجال يندد المنتدى بتواصل حملة استدعاء المعتصمين من طرف السلط الأمنية والقضائية رغم فك الحصار على انتاج الفسفاط ويطالب بإطلاق سراح الموقوفين والتخلي عن التتبعات وخلق ظروف ملائمة لبدء حوار مسؤول وجدي مع مكونات المجتمع المدني،
ضرورة التخلي عن اللجوء الى عرقلة الانتاج والنشاط الاقتصادي واعتماد طرق نضالية لا تضر بالمؤسسات وبدورها الاقتصادي وبمصداقيتها لدى المتعاملين معها، لأن الضرر بالمؤسسات يجعل هذه الأخيرة أولا غير قادرة على التفاعل الايجابي مع محيطها وثانيا يوفر ظروفا سانحة لمزيد شيطنة النضال الاجتماعي من طرف القوى التي لا تؤمن بضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية كرافد أساسي للانتقال الديمقراطي،
– يستغرب المنتدى عدم حرص السلط على اصلاح السكة الحديدية الناقلة لمنتوج الفسفاط من مناجم الرديف وأم العرايس الى مراكز تحويل الفسفاط،وهذا التلكؤ من شأنه أن يخدم مصالح ناقلي الفسفاط الخواص عن طريق البر وبأسعار عالية تفوق بكثير تكاليف نقلها عن طريق الشركة الوطنية للسكك الحديدية،
فمثل هذه السياسات المضرة بالمؤسسات العمومية تعد فرصة لبعض القوى للمطالبة بخوصصة هذه المؤسسات، وذلك باسم “الحرص على الجدوى” و”حسن استغلال” الموارد الوطنية النادرة،
– يندد المنتدى بردة فعل السلطات التي جاءت على اثر الاعتصامات والتي تمثلت في تعطيل انجاز الوعود التي تشمل النهوض بالبنية التحتية ومنظومة الصحة والتعليم. وهذا النوع من ردود الافعال لا يمثل عقابا للمعتصمين فقط بل يرتقي الى مرتبة العقاب الجماعي الذي من شأنه أن يزيد من احتقان الأوضاع وتعميق القطيعة بين الدولة والمواطنين،
– يطالب المنتدى بتفادي اعتماد الحلول الجزئية التي تخص خلق مواطن شغل بدون انتاج والتي تركز على أهم مناطق انتاج الفسفاط (المتلوي والمظيلة) على حساب المناطق المنجمية الأخرى (الرديف وأم العرايس) والمناطق غير المنجمية التابعة لولاية قفصة،
– ينبه الى خطورة تقصير أو اختفاء أجهزة الدولة (الأمن، المعتمد الخ…) كلما توترت الأوضاع الاجتماعية، حيث أن مثل هذا التقصير من شأنه أن يفتح المجال الى اعادة هيمنة المنطق القبلي والعشائري على حساب المنطق المؤسساتي،
– يؤكد على ضرورة القيام بتدقيق خارجي Audit Externe لشركة فسفاط قفصة كخطوة ضرورية لإقامة مصالحة بين هذه الشركة ومحيطها الاجتماعي من جهة وبلورة مسؤولياتها الاجتماعية والبيئية في المستقبل من جهة أخرى،
وفي هذا السياق نطالب بتعميق الحوار حول “مشروع القانون المتعلق بالمسؤولية الاجتماعية و البيئية” نظرا للنواقص والاخلالات التي تميز مشروع القانون المقدم حاليا، وذلك حتى يساهم في تنمية عادلة ، متوازنة وتضامنية للمناطق المتاخمة ويصالح بين المؤسسة ومحيطها.
شارك رأيك