
علق مساء امس الاحد 25 مارس 2018 العضو السابق في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات سامي بن سلامة على اتفاق بعض الاطراف السياسية على التمديد في عمل هيئة الحقيقة و الكرامة .
و في هذا الاطار نشر بن سلامة تدوينة على صفحته الرسمية الفايسبوك جاءت كالتالي :
“إنه لمن المثير للإنتباه في قضية القرار المثير للجدل المتعلق بالتمديد لهيئة بن سدرين هو اتفاق بعض الأطراف السياسية المرتكزة في أدبياتها على التشهير بممارسات العهد البائد المنافية للديمقراطية على الإتيان بمثلها وعلى اختلاق التبريرات الواقعية وغير الواقعية لفرض الإقناع بها.
إذ يتفق الاسلاميون وأغلب الجبهاويين هذه الأيام على عدم خضوع قرار الهيئة المذكورة لرقابة السلطة التشريعية نهائيا.
وما يجلب الإنتباه أكثر هو ذلك التصميم على بذل كل الجهد الممكن من أجل أن تفلت تلك المؤسسة المثيرة للجدل من خضوع قرارها المذكور لمراقبة مجلس نواب الشعب الذي تحول إلى ما يشبه مكتب الضبط الذي لا حول له ولا قوة أمام هيئة لا سلطان عليها ولا من يسمح على مراقبة أعمالها.
وحسب تحليلي المتواضع فإن مساندة مبدأ إقرار العدالة الإنتقالية الناجزة لا تتعارض إطلاقا مع المطالبة باخضاع كافة مؤسسات الجمهورية الثانية بدون استثناء ولا تسويف إلى مراقبة مؤسساتية طبقا للدستور الجديد.
وبقطع النظر عن الجانب القانوني الواضح في المسألة والذي يقتضي خضوع أية مؤسسة من مؤسسات الدولة لرقابة السلط الأخرى تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلط الوارد في الدستور، فإن الإستماتة في منع مراقبة قرار التمديد بأي شكل كان يعتبر في نظري مناف لأبسط المبادئ والممارسات الديمقراطية الفضلى.
فالديمقراطية التي نطمح إلى بنائها ليست نصوصا جامدة فقط نتفنن في تأويلها وفقا لمصالحنا السياسية الضيقة بل روحا وأخلاقيات ومبادئ عليا وتضحية ونكرانا للذات في سبيل تحقيق المراد وعدم خلق لسوابق سيئة ومشينة قد يعتمد عليها يوما ما لبث الروح في نظام الاستبداد والفساد أو إنشاء نظام مشابه له.
قانونيا، يبدو طلب المشرع ”رفع“ القرار للمجلس وليس الإعلام به في الفصل 18 من القانون مدخلا واضحا للمراقبة. إذ يؤكد “الرفع” وجود سلطة أعلى من الهيئة يرفع لها القرار. كما يؤكد طلب “تعليل” ذلك القرار حتمية وجود مراقبة لصحة ذلك التعليل وسلامته من عدمه. وإلا فما الغاية من التعليل ؟
فالفصل المذكور يؤسس لمراقبة ذلك ”التعليل“ ولا فائدة في التذكير بأن المراقبة صلب البرلمان لا يمكن أن تتم إلا بالمناقشة والمسائلة واتخاذ القرار. ولا يمكن اتخاذ قرار في مجلس يضم 217 عضوا إلا بالتصويت الديمقراطي القاضي بقبول التعليل أو رفضه. وبغياب تلك المراقبة يخرق القانون ويتم التلاعب بالدستور وفق منطق الأشياء.
سياسيا، يبدو أن الطرفان المذكوران مندفعان في عمل غير محمود ”تاريخيا“ وإذ يبدو الطرف الأول مستفيدا من الهيئة التي شكلها وبث فيها عناصره صلب مجلسها وإدارتها وخدمت وتخدم مصالحه ومشروعه.
فإن الغريب في الأمر هو مجاراة الطرف الثاني له تناغما مع مواقف بعض زوائد الطرف الأول المموهة المنتشرة هنا وهناك رغم غياب أية مصلحة له في دعم الالتفاف على القوانين والتلاعب بها مما يدفع إلى الشك أصلا بوعيه بالرهانات الحقيقية التي يواجهها مسار الإنتقال إلى الديمقراطية.
وإلا بماذا نفسر تلك المسايرة الغريبة لمخالفة أبسط المبادئ التي تحكم الحياة السياسية الديمقراطية الراشدة والعمل الدؤوب على منح حصانة وحماية غير منصوص عليها لا في الدستور ولا في القوانين لقرارات هيئة بن سدرين. وهي هيئة تبوأت بهاته الطريقة مرتبة أعلى من مرتبة البرلمان المنتخب رغم أنه وللمفارقة يشكل مجلسها ويصادق على ميزانيتها ويعزل أعضاءها.
إننا بصدد التأسيس لمؤسسات فوق دستورية لا رادّ لقراراتها إذ لا تعترف بأحكام القضاء الإداري ولا تطبقها ولا يسمح للسلطة التشريعية بتقييم مجرد “تعليل” لقراراتها.
قانونيا وسياسيا يشكل الأمر سابقة خطيرة يجب أن نقف صفا واحدا ضدها، إذ أنها ترسي أحد أخطر المبادئ وهو مبدأ الإفلات من المراقبة والمسائلة والمحاسبة كمبدأ ”فوق دستوري“ بعد أن أنتجنا على ما يبدو ”هيئة فوق دستورية“ رغم أنها في الأصل لم ترتق حتى وفق إرادة المشرع المؤسس إلى مرتبة الهيئة الدستورية يوما وفق منطوق الدستور.
إننا بهذه الممارسات المنافية لروح الديمقراطية نعطل عمدا ومع سابقية القصد جانبا من سلطة المجلس التشريعي وهي السلطة الممنوحة له بمراقبة مختلف مؤسسات الدولة الأخرى.
وهو أمر شديد الخطورة ينضاف إلى بعض الظواهر المشينة الأخرى التي تعيشها تونس ما بعد الثورة والتي أرست إضعاف الدولة كغاية وأنتجت حكم القطاعات واللوبيات والعصابات الخارجة الكلها عن أبسط مبادئ الحكم الرشيد.
لا يعلم هؤلاء وأولائك أن المسألة لا تتعلق بمعركة سياسية بين محبي بن سدرين وكارهيها ولا حتى بمعركة بين كارهي النظام القديم ومحبيه. إذ إننا بعضنا بصدد خوض معركة متخلفة ورجعية يتسابق بموجبها الكل نحو تحطيم مسار الإنتقال إلى الديمقراطية وإعادة انتاج نظام قديم متجدد لا يحترم القوانين ولا المؤسسات ولا يهدف سوى إلى تحقيق أغراض ذاتية وسياسوية وإبعاد فرصة بناء دولة ديمقراطية يحترم فيها القانون وتحاسب فيها المؤسسات.
نحن وللأسف الشديد بصدد الإنحراف نحو بناء ديكتاتورية جديدة تخلق سوابق مريعة وتتفنن في التنظير لخرق القوانين وعدم الالتزام بها.
إنها المأساة التي تعيشها الثورة اليوم والتي نعيشها نحن المؤمنون بها والذي عملنا من أجل تحقيق أهدافها ويعيشها كل من عمل بجد من أجل إنجاحها للتقدم بوطننا. فلا تحققت أهدافها ولا حميت مطالبها وأصبحنا نعيش ردة كبرى تطعن الديمقراطية الوليدة في الظهر.
فلا ديمقراطية دون احترام أبسط مبادئها ولا ديمقراطية يمكن أن تبنى بتغليب تأويلات تخرق أبسط تلك المبادئ وتجعل نجاح مسار الانتقال يبتعد أكثر فأكثر عن أعيننا وعن واقعنا.
فكيف بربكم سنبني ديمقراطية بدون ديمقراطيين ؟”


شارك رأيك