بقلم لطفي الشندرلي*
لكل أمة، مخزونها الهائل من الثروات والقدرات والطاقات الشابة التي لا تُقدر بثمن، بل هي الإضافة الحقيقية بما تحمله من أحلام وطموحات وإبداعات ومغامرات وانطلاقات، وتحويل وإنتاج وتدوير كل تلك القدرات لصنع تنمية شاملة ومستدامة للأمة، بل لكل الأمم.
منذ بزوغ الألفية الثالثة، قبل عشرة أعوام، يعيش العالم بأسره ظروفاً استثنائية صعبة للغاية، ولم تكن تونس والعالم العربي بمنأى عن تداعيات وتأثيرات مظاهر الاستقطاب والتجاذب التي افرزتها الصراعات والتحولات والتغيرات الكبرى التي بدأت تُعيد إنتاج وتشكيل قوانين ونظم وتحالفات واصطفافات لصياغة عالم جديد. فمنذ أحداث 11سبتمبر 2011، ثم “غزو العراق” الذي بدأ في 20مارس 2003 وصولاً لبانوراما “الربيع العربي” الذي دشنته ثورة الياسمين التونسية في 17 ديسمبر 2010 والمنطقة العربية تموج بالاحتجاجات والثورات والصراعات والانقسامات، مما تسبب في ضياع بوصلة التنمية والأمن والاستقرار في تونس و العالم العربي المضطرب والمحتقن، ولكن الخطر الأكبر الذي هو ميل الشباب التونسي والعربي وبشكل كثيف وسريع للعنف والتشدد والتطرف بل والتوحش.منذ عقود طويلة، والجدل القائم حول الشباب في عالمنا العربي، يُمثل إحدى أهم القضايا الكبرى التي لم تجد لها مقاربة حقيقية حتى الآن، مما جعل الشباب وهم الغالبية العظمى، طرفاً غائباً عن مجمل المشاركة التنموية والنهضوية لهذا العالم العربي الشاب. لقد فقد الشباب العربي الكثير من ثقته وقناعته لكل تلك القيم والمضامين والأخلاقيات والأولويات التي تُمثل واقع التجربة والمسيرة العربية.
للأسف الشديد، وجد شبابنا التونسي العربي، بيئات ومحاضن أصولية متطرفة، سرقت منه براءته وطيبته وتسامحه، ووظفت حماسته وعنفوانه ونقمته، لممارسة العنف والتطرف والقتل والإرهاب .شبابنا التونسي والعربي الآن، أسير و في حالة إستقطاب فكريً متطرف مقيت يتنامى ويمتد في عالمنا العربي والتي أفرز لنا شريحة شبابية مشوهة وفاقدة لكل مظاهر الوعي والإدراك والرؤية. شبابنا الآن، بين التطرق والإرهاب؟
ما يتعرض له الشباب التونسي و العربي اليوم، بل ومنذ سنوات طويلة، من تهميش وإقصاء وإبعاد، من قبل النظم والمجتمعات والنخب، أسقطه في فخاخ التشدد والتطرف وجعله وقوداً رخيصاً لساحات العنف والقتال وورطه في معارك خاسرة، تلك الفخاخ والساحات والمعارك التي حصدت الآلاف من شبابنا التونسي و العربي الذي كان من المفترض أن يكون على مقاعد الدراسة أو في حقول الانتاج.وحتى لا يستمر النزف من طاقاتنا وثرواتنا الشبابية،فإني أرى أنه آن الوقت لترشيد حالة الاستقطابات الفكرية المتطرفة التي تُمارسها المناهج والمنابر والفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، وذلك عن طريق إيقاظ حالة الحس والانتماء الوطني وزيادة درجات الوعي والتسامح ،و مساعدتهم على الخروج من مظاهر التسطيح والخواء الفكري والثقافي والاجتماعي، وذلك بتسهيل انخراطهم في مصادر الإبداع والإلهام والانفتاح، كممارسة الهوايات والفنون كالغناء والموسيقى والرسم والنحت والتمثيل والسينما والمسرح.إصلاح العديد من جوانب نظام التعليم، سيُسهم بلا شك في تكوين الشخصية المتزنة والمتكاملة والطبيعية لأطفالنا وشبابنا، من خلال وجود برامج وآليات واستراتيجيات ورؤى حقيقية وواقعية لإحداث نهضة تعليمية جادة كذالك إدماجهم في الحياة وتوفير كل طاقات الدولة لتشغيلهم ورفع الفقر والبطالة عنهم.كذلك، إعادة القيمة الملهمة للرياضة، باعتبارها الساحة الأكثر جذباً وعشقاً للشباب، وضرورة تنقيتها من مظاهر العنف والتعصب والبذاءة، والإلحاح على تغليب الانتماء للوطن وليس للكيانات والرموز والاعتبارات الأخرى.التحصين الفكري والثقافي والأخلاقي وإشاعة مبادئ وقيم الحوار والانفتاح والتسامح والتعدد والتنوع والاختلاف، والأهم من كل ذلك وجود مصادر وتجارب وخيارات بديلة تجذب شبابنا.كذلك، ضرورة إقناع شبابنا بالعيش في عالمنا الواقعي بكل تفاصيله وتداعياته، والتقليل من حالة “الإدمان الإلكتروني” التي شكلت عالمهم الافتراضي بكل ما فيه من وسائل ووسائط وتطبيقات.في هذه المرحلة، ما أحوجنا لإقرار صيغة مشروع شامل ضخم، والذي يُعنى بالأجيال الشابة، ليرسم ملامح جديدة، عنوانها: تمكين الشباب من اختيار حياتهم وصناعة مستقبلهم.لإنقاذ شبابنا التونسيو العربي من التطرف والإرهاب.
*رئيس اللمركز الدولي لحوار الحضارات
شارك رأيك