بقلم لطفي الشندرلي
إن أزمات المجتمع مع الشباب ليست وليدة اليوم، وإن زادت حدتها خلال السنوات الأخيرة، خصوصا بعد الثورات المندلعة في أنحاء الوطن العربي التي أشعل فتيلها اليافعون، ليصطدموا عقبها بنيران التناقض بين تمجيد دورهم في تغيير تراكمات السنين، وبين اتهامهم بإفساد البلاد والانقياد للغرب ليصبحوا ملفوظين اجتماعيا بين ليلة وضحاها للسبب ذاته.
وقد يبدو للبعض أن ما يعتبره الشباب تهميشًا لدورهم وعدم اكتراث بذواتهم، ليس عذراً كافيًا للانطلاق نحو التطرف أو الانحلال، إلا أنه في حال اتفقنا مع تلك الرؤية أو خالفنها، لا يمكننا الاختلاف على أن تلك المشاعر السلبية لدى اليافعين تمثل تربة خصبة تستغلها العديد من الجهات لاستقطاب الشباب ومن ثم استغلالهم.
لا يمكننا الاختلاف على أن تلك المشاعر السلبية لدى اليافعين تمثل تربة خصبة تستغلها العديد من الجهات لاستقطاب الشباب ومن ثم استغلالهم
ففي الوقت الذي يتهم المجتمع فيه الشاب بعدم الاتزان وعدم الاعتداد بالرأي، يجد نفسه أمام بريق مجد تليد ينتظره على أيدي إحدى التيارات المتطرفة التي تحتاج تخصصه، فضلاً عن الوعود البراقة بمناصب قيادية في الجماعات التكفيرية، وغيرها من وصلات التعظيم التي تشبع لدى أي يافع شعوره بذاته وأهميته، وقدرته على التأثير في من حوله أياً كانت نوعية ذلك التأثير، لاسيما في حالات انعدام الثقة في النفس لدى العديد منهم.
وبطبيعة الإنسان يستمد أمانه النفسي في ظل تواجده مع أناس يشبهونه، يعززون لديه ثقته بذاته، وفي ظل حالات التشتت بل والتفتت التي باتت مخيمة على المجتمع العربي، أصبح من السهل على أي شاب أن يجد مثيله بأي توجه اعتنق، وهو ما يفسر حالات المروق السريع لدى بعض اليافعين من أقصى اليمين لأقصى اليسار.
فترى أحد الشباب بالأمس في حفلات الرقص، منادياً بحرية الاعتقاد والإلحاد وحقوق الشذوذ الجنسي، ودعم الحق في الإنجاب دون زواج وغيرها من فواحش الدين والمجتمع، وتتفاجأ في الغد بانتشار مقاطع فيديو له يقوم فيها بقطع رقاب من يصفهم بالكافرين بعد وصلة من التكبير، والتهليل .
ولا يمكن بحال إنكار الظلال السوداء للواقع السياسي على رؤى الشباب ، ففي ظل سباق التخوين والتشكيك المتبادل بين كل التيارات السياسية بما يقف وراءها من أيدولوجيات متباينة، يغيب الهدف ذو السمو الواضح، وتُفتقد القضية الجديرة بالإيمان والنصرة، وهو ما يخلق فرصة ذهبية للتعبئة الفكرية، من قبل الجماعات المتطرفة ما نجده منعكساً على الخطابات التكفيرية، ورفع السلاح، تحت شعار خدمة الدين وإقامة الخلافة الإسلامية، وغيرها من كلمات الحق التي تناقضها يد الباطل في التطبيق.
وفي السياق ذاته لا يجوز لنا تجاهل حالة القمع بالعديد من الدول العربية، وارتفاع حالات الاعتقال التعسفي ما خلق حالة حادة من الحنق لدى الشباب ، أشعلت نيران غضب ملتهبة يسهل توجيهها واستعمالها في تحقيق رؤى العنف والتطرف، إذ أصبح لدى البعض رغبة في الثأر من بعض الأنظمة وهي الرؤية ذاتها التي يتم تحريفها بشكل يبرر عمليات الإرهاب التي تستهدف عناصرَ الجيوش النظامية العربية، فضلا عن المسؤولين.
إن الحديث عن جُبِّ الاستقطاب الفكري يبدو لا قيمة له دون محاولة الوصول لحلول جذرية لتجفيفه؛ فالأسرة تبقى الحصن الأول الذي يستطيع حماية الشاب من محاولات اختطافه ذهنياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو في المدارس أو الجامعات أو حتى المساجد؛ إذ لابد أن يتمتع كل يافع بإشباع عاطفي تام داخل بيته، يجعله على قدر من الثقة بالذات تغنيه عن أي إغراء خارجي.
وكما يسعى كل أب لحماية أبنائه وتوفير سبل معيشتهم، فلابد كذلك من الحرص على بناء ثوابتهم الفكرية والدينية، ما يحميهم من حُمُّى الخواء الفكري التي تملأ عقولهم بجراثيم التطرف تارة والانحلال أخرى حتى ترديهم قتلى حقيقةً ومجازًا.
وطالما اعترفنا بأن غياب القضية أحد مداخل الاستقطاب الفكري للشباب، فلابد من وعي الحكومات بأهمية خلق روح القومية الحقيقية دون مزايدات وشعارات خاوية، وارتفاع نبرات التخوين لأي صوت معارض ، على الصعيد السياسي ما يخلق حياة فكرية سوية ترتكز فيها الرؤى على أرض صلبة ومرجعيات ثابتة.
كما لا يمكننا إخفاء حالة التعجب من ردود فعل الحكومات تجاه انتشار الأفكار المتطرفة، والرؤى الدينية المغلوطة، بإغلاق بعض المساجد، ومنع حلقات تحفيظ القرآن بها، وتقليص مواد الدين الإسلام بين المقررات الدراسية.
يأتي ذلك بينما من المفترض لها أن تعمل على إفساح المجالات للمساجد وللعلماء التنويريين في نشر الثوابت الدينية الصحيحة، وبذر الوعي الديني لدى النشء في المدارس وإعادة الدور الريادي للمسجد في بناء المجتمع من خلال دروس التفقه في الدين، بخلق جماعات يستثمر فيها الشباب طاقاتهم بشكل علمي مشروع ووسطي معتدل
إن الأزمة بكاملها يمكن اختزالها في أن ما تجنيه الحكومات والأسر العربية من تحول الشباب لبنادق مصوبة في وجوه الأوطان، ماهي إلا ثمار طبيعية لبذور الإهمال الفكري وتعطيل كل سبل التنوير الديني، وفتح المجال أمام فكر الآخر بما تفرضه المصالح السياسية
إن توظيف “داعش” للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في عملية التجنيد برغم كل التحديات الأمنية والتضييق الحكومي الذي يتم على هذه الوسائط، ما يدفعنا للوقوف أمام الدروس المستفادة من هذه التجربة.
وفي النهاية لابد من اليقين بأهمية الشباب في بناء الأوطان وحماية الأديان؛ فلولا دوره الحقيقي في تحريك الواقع لما اعتبر هدفا أساسياً تستغله الجماعات المتطرفة في بناء مجدها، وما سعيت قوى الشر لتفريغه من كافة عوامل قوته لضمان أمانها؛ فكيف يدرك الآخر سلاح الأمة الأعظم في الوقت الذي ندمره نحن بأيدينا.
شارك رأيك