بقلم فرحات عثمان
اليوم، الثلاثين من مارس، تحتفل فلسطين وكل الغيورين على الحق الفلسطيني الضائع، بيوم الأرض، وهو يخلّد ما حدث من مآسي في الثلاثين من مارس آذار سنة 1976. إلا أن من المؤسف، بل المقرف حقا، أن ليس في هذا الاحتفال إلا ما تعودناه من جعجة بلا طحن؛ وهذا في أفضل الحالات.
فلئن واصلنا على هذا المنوال، ستتكرر الاحتفالات كهذه السنة ولا حل للقضية التي نسمها بالعادلة بينما لا نفعل شيئا لإحقاق العدل، وذلك لأجل باطلنا وباطل ما نفعل. أفلم يحن الوقت لمن يتبجح بالقانون والأخلاق للالتزام بهما والعمل على تفعيلهما عوض الكلام الفضفاض والشعارات الرنانة التي لم تعد تنطلي على أحد ؟ وهلا اهتدينا في ذلك بسنة رسولنا الأكرم؟
الانتهاء من باطلنا:
باطلنا الذي لا بد من الانتهاء منه اليوم قبل غد هو الكذب في القول والفعل. فنحن نكذب حين نقول برغبتنا في السلام، إذ يقضي، بداية، الاعتراف بالطرف الذي يتم معه تحقيق السلام، أيا كان إجرامه، إذ هو يعلله برفضنا وجوده كما أقره القانون الدولي فرفضناه ثم ندمنا، ولا ينفع الندم.
نكذب أيضا حين نكتفي برفض إسرائيل قبول قرار التقسيم اليوم ، وهي الشرعية الدولية التي لا بد من العودة إليها. ذلك أنها تستغل رفضنا الاعتراف بدولة إسرائيل، أي بالتقسيم؛ فهي لا تعترف بالقانون الدولي لأننا لا نعترف به أيضا. ثم نحن لا نأتي شيئا لحلحلة المشكلة، إلا الرفض؛ وكأننا في موقف القوة؛ بينما رفضنا هو مصدر كل القوة لإسرائيل.
وإننا لنكذب حين نتكلم عن رغبتنا في دولة تعيش بسلام مع إسرائيل، بما أننا نشيطنها، لا حكّامها الحاليين فحسب، بل كل الشعب، واليهود عامة. من يصدّقنا عندها، وكيف يصدّقنا، ونحن نصف دولتهم بالكيان وننتصر لكل عمل، ولو كان بحق إرهابيا، بإضفاء صفة الشهادة على ضحاياه؟
وبعد، كيف ندلّل على رغبتنا في السلام بينما نرفض مجرّد العلاقات التجارية مع إسرائيل ونرفض قبول اليهود الراغبين في القدوم إلى بلادنا؟ مع العلم أننا، مع ذلك، نتواصل مع إسرائيل بكل سرية، إلا أننا نتخفّى ونكذّب فنكذب!
ما يقتضيه العدل:
حسب أخلاقنا وديننا، من شيمنا العدل. وهو يقتضي كلمة السواء التي تأمر بقول الحق ولو على النفس. أما الحق، فهو في أن أرض فلسطين لليهود وللعرب وللمسيحيين، لا فرق بينهم، يعيشورن في أمن وسلام ودعة؛ ألم يحن الوقت لهذ؟ لنكف عن دمغجتنا!
أما كلمة السوا، فهي في الاعتراف بدولة إسرائيل حسب القانون الدولي والمطالبة بتفعيله مع حق عودة اللاجئين إلى أراضيهم. هلا سعينا للحلول ليصبح الحق واقعا؟
أما العدل في قضية فلسطين، فهو الكف عن تجاهل دولة قائمة الذات والتعامل معها في العلن لأجل تفعيل القانون الدولي بإعادة حقه المغتصب للشعب الفلسطيني وخروجه من المخيمات للعودة لأرض يعيش فيها جنبا إلى جنب مع أخيه في الدين التوحيدي الإبراهيمي.
إن العدل يقتضي المبادرة بإعطاء المثل وعدم الإفحاش في الفعل والقول حين نريد أن تصبح لنا مصداقية عند التنديد بالسياسة الحالية لقادة غووا عن الشرعية في إسرائيل، بل أجرموا في حق شعب مظلوم. لكن، هل تمثّل حكومة إسرائيل الحالية كل الشعب، بل الدولة برمّتها؟ أليست هي ديمقراطية، رغم الهنات التي فيها؟فهل وصلنا إلى مستوى هذه الديمقراطية رغم نقائصها؟
ولا شك اليوم أن الواقعية تقتضي العدل في قيام دولة واحدة على أرض فلسطين تتسع لكل أطياف شعبها من عرب ويهود ومسيحيين. هذا ما تفرضه الحالة الراهنة بفلسطين ويقرّه التوجه الديمقراطي، إذ لا مكان فيه للدولة الدينية أو الخاصة بدين معيّن. أليس هذا أفضل ما يمكن أن نقاوم به أهل التزمت سواء في إسرائيل نفسها – وخاصة بها لادعائها الأخذ بالديمقرطية – أو بالبلاد العربية الإسلامية؟
سنّة محمّد مع أعدائه:
لقد حان الوقت لتذكير أهل التزمت في البلاد العربية الإسلامية بسنّة الرسول التي يتجاهلونها، بل وينبذونها، فيما يخص القضية الفلسطينية؛ فهي تحث على السلام والاعتراف بالآخر حتى إن لم يكن على حق، إذا كان في ذلك العمل الجاد للسلام.
فقد أمضى الرسول معاهدة سلام مع العدو قريش رغم أنها كانت مجحفة، إذ طلبت منه أن يفسخ صفته كرسول، ففعل. كما قبل أن يعيد إليها من يأتيه مشتغيثا من الكافرين ولا تعيد هي من يهرب إليها من المسلمين المرتدّهن. ثم هو، عند فتح مكة، صالح عدوّ الأمس، فأصبحت خيمته مكان الأمان للخائف.
هذا مع المشركين، ألد أعدائه. فكيف لا نهتدي بهديه مع إسرائيل وهي الطرف الأقوى الذي يستغل قوّته للإجرام في حق الأبرياء معتمدا على شراكتنا الموضوعية التي تشجعه على الاستمرار في غيه؟ وكيف لا نتّبع سنّته مع اليهود وقد بيّن في دستور مدينته حق اليهودي والمسلم في العيش المسالم معا، فأعطى المثل الأسنى في ذلك لأنه أتى لإتمام مكارم الأخلاق؟
إن سنّة الرسول الأكرم تقتضي منا، على الأقل، الواقعية والصدق والنزاهة. أما الواقعية، فهي بالكف عن تجاهل دولة قائمة الذات لا حاجة لتجاهلنا لها إلا للإستقواء به لمزيد من التصرفات الرعناء المجرمة. لذلك، هي تفرض تطبيع علاقاتنا معه لا لأجل عيونه، بل لحرمانه من التعلة التي يستعملها لتحويل الاهتمام عن الحل الأوحد لقضية فلسطين، وهو العودة للشرعية الدولية.
أما الصدق، فبالكف عن رفض حتمية العلاقات المباشرة والابتداء بالعلاقات غير الرسمية، كالروابط التجارية المختلفة، مثل ربط جربة بتل أبيب بالطائرة، كما هي الحال بعد بين مدن إسرائيل والمغرب، وتبادل زيارات أهل الرياضة والفن والعلم والأدب؛ فالإسلام يحث على الانفتاح على الآخر والغيرية. وأما النزاهة، فبالاعتراف بأن العلاقات ما انقطعت مع إسرائيل واليهود، إلا أنها تتم في الخفاء بتستّر مخجل، خاصة أنه أصبح معلوما من الجميع.
شارك رأيك