الرئيسية » المؤرّخ غير المختصّ في التاريخ المعاصر توفيق البشروش: سكت دهرًا ونطق خطأً

المؤرّخ غير المختصّ في التاريخ المعاصر توفيق البشروش: سكت دهرًا ونطق خطأً

بقلم “المؤرّخ المحتال” خالد عبيد

ليس من عادتي الردّ على من يقدح في ذمّتي أو همّتي، لكن قرّرت الردّ هذه المرّة وباقتضاب شديد على السيّد توفيق البشروش الذي ذكرني أكثر من مرّة في برنامج إذاعي ميدي شو موزاييك أف أم ليوم 11 أفريل 2018، ما عدا ذلك فليس من مصلحتي إضاعة الوقت في ما لا يفيد.

كذلك، لن أقف كثيرا على ما ذكره الأستاذ توفيق البشروش المؤرّخ المختصّ في القرن السابع عشر ميلادي، والذي تمّ تنصيبه عميدا لكلّية العلوم الإنسانية والاجتماعية 9 أفريل من طرف نظام الحكم في تونس الذي تحتلّه فرنسا وتستعمره، – إذا سلّمنا هنا بمنطقه القائل بأنّ تونس مازالت محتلّة-، وذلك بالرغم من معارضة زملائه الذين قاطعوه طيلة فترة نيابته القليلة…وإلى الآن.

وذلك لأنّ الذي يهمّني هنا هو إعطاء مثل تطبيقي بسيط في ما معنى الفرق بين المختصّ وغير المختصّ، إذ أنّه في تدخّله اليوم، استعرض لبعض الوقت بعض علْمه الغزير في التاريخ المعاصر فكانت النتيجة كالآتي – ولكم التثبت إن شئتم-:

– ذكر أنّ وثيقة استقلال تونس لم تُلْغِ وثيقة الحماية المعروفة بمعاهدة باردو 1881 ولا معاهدة المرسى 1883، والحال أنّ العكس صحيح، إذ ألغى الفصل الثاني من اتفاقيات الاستقلال الداخلي في جوان 1955 الفصل الأوّل والأساسي من معاهدة المرسى 1883 الذي سمح لسلطة الاحتلال الفرنسي بتطبيق الحكم الفرنسي المباشر في تونس وانتزاع ما تبقى من سيادة بيد التونسيين، كما أنّ وثيقة استقلال تونس 1956 تقرّ فيها فرنسا صراحةً وعلانيةً باستقلال تونس، وعليه، وكنتيجة لهذا الاعتراف العلني بالاستقلال، فإنّ كلّ ما يخالف هذا الإقرار فهو لاغٍ، من ذلك أنّها تقرّ وبالوضوح التامّ بأنّ معاهدة باردو 1881 “لم تعد صالحة لتسيير العلاقات التونسية الفرنسية”، أي أصبحت في حكم المُلْغاة، وبأنّ أحكام اتفاقية الاستقلال الداخلي 1955 “التي تتعارض مع الوضعية القانونية الجديدة لتونس كدولة مستقلّة وذات سيادة سيقع تغييرها أو إلغاؤها”.

– ذكر أنّ جريدة “الحاضرة” صدرت سنة 1897 !! والحال أنّها صدرت سنة 1888.

– إصراره الغريب على الادّعاء بأنّ الوطنية التونسية لم تطالب أبدا بالاستقلال التامّ منذ جريدة “الحاضرة” إلى حدّ الاستقلال الداخلي سنة 1955، مُفْتعلا فكرة غريبة وهي “الانضوائية” وكذلك “الاندماجية”، بل ووصل به الأمر إلى حدّ الجزم القاطع في هذا الحوار بأنّه لم يصدر أيّ بيان عن الحركة الوطنية يطالب بالاستقلال !!!!
بينما الوقائع تكذّب ذلك، فقد غاب عنه، وهو غير المختصّ، انعقاد مؤتمر ليلة القدر الوطني في أوت 1946 الذي طالب علنًا وصراحةً باستقلال تونس التامّ، وكذلك مؤتمر 18 جانفي 1952 لحزب الدستور الجديد، الذي طالب أيضا بالاستقلال التامّ، ولم تخْلُ بيانات حزب الدستور القديم ولا الجديد منذ سنة 1946 وفي أكثر من مرّة من المطالبة وبوضوح بهذا الاستقلال.

وعلى عكس ما ذكره السيّد البشروش، فقد طالب الحبيب بورقيبة وبقية قادة النضال الوطني منذ أفريل 1945 باستقلال تونس التام في كلّ التصريحات الصحفية والندوات، وهذا موثق ومتوفر لمن يرغب في التأكّد.

– والآن، لو نأتي إلى المغرب الأقصى، سنجد أنّ السيّد البشروش ارتكب في البدء خطأ وهو قوله أنّ حزب الاستقلال أصدر بيانا سنة 1946 يطالب فيه بالاستقلال، والصحيح أنه صدر بيان في مدينة فاس يطالَب فيه بالاستقلال يوم 11 جانفي 1944 ومنه انبثقت تسمية حزب الاستقلال منذ ذلك اليوم.

– الخطأ الثاني: تأكيد البشروش أنّ سلطان المغرب ألغى وثيقة فاس، ويُفهم من كلامه أنّ السلطان المغربي أعلن إلغاء وثيقة فاس للحماية من طرف واحد، لكن، عندما نرجع إلى تصريحات السلطان محمّد الخامس في هذا الصدد، فلن نجد قولا من جانب واحد منه بإلغاء معاهدة فاس للحماية سواء في التصريح المشترك بينه وبين وزير خارجية فرنسا يوم 6 نوفمبر 1955 .

إذ أنّ كلّ ما في الأمر هو الإعلان عن رغبة سلطان المغرب في تشكيل حكومة تقود مفاوضات مع فرنسا تؤدي إلى الاستقلال، ولم يَنْبَس بكلمة عن معاهدة فاس، كذلك، لو رجعنا إلى تصريح محمّد الخامس في عيد العرش يوم 18 نوفمبر 1955 عقب رجوعه من فرنسا فلن نعثر على أي ذكر لمعاهدة فاس، فقد أكّد أنّ المباحثات التي تمّت مع الفرنسيين أثمرت عن اتفاق سمح السلطان لنفسه أن يعلن عن مضمونه : “مبتهجا بإمكانية الإعلان عن نهاية نظام الوصاية والحماية ومجيء عهد الحرية والاستقلال”، وذلك، لأنه وببساطة كان الاتفاق مع فرنسا المستعمرة على هذا الموضوع، وليس لأنه قرّر لوحده الإلغاء وهذا ما سيتم فعلا في المغرب يوم 2 مارس 1956 تاريخ الاستقلال.

وفي إعلان الاستقلال المغربي، تمّ التأكيد بوضوح “أنّ معاهدة فاس 30 مارس 1912 لم تعد صالحة لتسيير العلاقات الفرنسية المغربية”، أي إلغاؤها، أي تماما مثلما جاء في نصّ وثيقة إعلان استقلال تونس في 20 مارس 1956. أليس كذلك أيّها السيّد غير المختصّ؟

هذه، وبعجالة، ملاحظات عابرة عن بعض المعلومات القليلة التي أوردها سي البشروش ورغب من خلالها أن يظهر بَاعَه الكبير وهو غير المختص في التاريخ المعاصر، عكس ما ادّعاه أمام المذيع، فكيف إذا ما واصل الحديث في هكذا اختصاص لا يفقهه؟

وأخيرا، أعجبني قوله في الأخير، لأنّه فعلا، ينطبق عليه تماما:” بما أنّا عايشين مع بعضنا نعرفو بعضنا ودواخل بعضنا أيّا نبداو نفرشو؟” ولكن، وعلى عكسه هو تماما، نحن نتعفف مطلقا على “الفرْشان”…فمَعْدَننا لا يسمح لنا بالسقوط إلى هذا الدَرَك الذي سبق للبعض أن نزله منذ عقود.

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.