الرئيسية » الليلة ذكرى الإسراء والمعراج.. الرسول الأعظم محمد أول رائد غزا الفضاء

الليلة ذكرى الإسراء والمعراج.. الرسول الأعظم محمد أول رائد غزا الفضاء

بقلم الشيخ الزيتوني لطفي الشندرلي

تحرك الركب الكريم على البراق من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وصلى رسول الله ركعات في بيت المقدس ومعه الملائكة الكرام، ثم عرج به عبر السموات السبع حتى وصل إلى سدرة المنتهى، وهناك شاهد جنة المأوى، وراح يصعد حتى وقف بين يدي رحمن الدنيا والآخرة وسجد صلى الله عليه وسلم قائلاً: التحيات المباركات والصلوات الطيبات لله، فرد الحق عز وجل قائلا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فردت الملائكة على هذه التحية الربانية قائلة: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .

وقد جعلت هذه التحية بداية التشهد الذي يردده المسلمون في صلواتهم التي فرضها الله تعالى عليهم في هذا الموقف العظيم، وأوحى الله تعالى إلى خاتم أنبيائه ورسله ما أوحى، وكان من ذلك الصلاة المفروضة على المسلمين، كما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة المباركة من آيات ربه الكبرى ما لم يفصح القرآن الكريم عن تفصيله، وإن ذكرت السنة النبوية المطهرة بعضاً منه .

وبعد رحلة التكريم الإلهي تلك، عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، حيث صلى بأنبياء الله ورسله إماماً، ثم عاد إلى مكة المكرمة ليجد فراشه لا يزال دافئاً، حيث أوقف الله تعالى له الزمن وطوى المكان، وعندما جاء الصباح حدث النبي صلى الله عليه وسلم بأخبار رحلته وذهب بها المشركون إلى أبي بكر رضي الله عنه فكان أول المصدقين بها، ومن هنا سمي باسم الصديق لقوله: إن كان قال ذلك فقد صدق، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك . لم نعهد عليه كذباً . ولكن المشركين ظلوا يتناقلون الخبر في سخرية وتعجب، وتحدى بعضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصف لهم بيت المقدس، فجلاه الله تعالى له، وأخذ يصفه لهم وصفاً تفصيلياً، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما كذبتني قريش قمت في الحجر، فجلى الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه .

وفي صبيحة ليلة الإسراء جاء جبريل عليه السلام ليعلم رسول الله كيفية الصلاة وأوقاتها، وكان صلى الله عليه وسلم قبل مشروعية الصلاة يصلي ركعتين صباحا ومثليهما مساء كما كان يفعل إبراهيم عليه السلام وفي ذلك يروي أصحاب السنن عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين زالت الشمس، فقال: قم يا محمد فصلّ الظهر حين مالت الشمس، ثم مكث حتى إذا كان فيء الرجل مثله جاءه للعصر فقال: قم يا محمد فصل العصر، ثم مكث حتى إذا غابت الشمس جاءه فقال: قم فصل المغرب، فقام فصلاها حين غابت الشمس سواء، ثم مكث حتى إذا غاب الشفق جاءه فقال: قم فصل العشاء، فقام فصلاها، ثم جاءه حين سطع الفجر في الصبح فقال: قم يا محمد فصل الصبح . وقد بين هذا الحديث أول كل وقت، وله بقية اشتملت على بيان نهاية الوقت، ومن تلك البقية أنه جاءه في اليوم التالي، وأمره بصلاة الظهر حين بلغ ظل كل شيء مثله، وأمره بصلاة العصر حين بلغ ظل كل شيء مثليه، وأمره بصلاة المغرب في وقتها الأول، وأمره بصلاة العشاء حين ذهب ثلث الليل الأول، وأمره بصلاة الصبح حين أسفر جدا، ثم قال له: ما بين هذين وقت كله .

الله سبحانه وتعالى لم يترك أمر هذه الرحلة المباركة مادة للجدال والسخرية من جانب مشركي قريش فوصفها وصفاً دقيقاً في قوله عز وجل: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير .

والمعنى الذي ترشدنا إليه هذه الآية القرآنية بوضوح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أسري به سير به في جزء من الليل من المسجد الحرام الذي هو في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى الذي هو في فلسطين، والمسافة الطبيعية بين المسجدين كان يقطعها الراكب للإبل في مدة شهر أو أكثر .

وقد وصف المسجد بالأقصى أي الأبعد لأنه أبعد المساجد التي تشد إليها الرحال بالنسبة إلى المسجد الحرام .

وقال بعض المفسرين إن الإسراء كان من بيت أم هانئ بنت أبي طالب وهنا يكون الإسراء أيضاً من المسجد الحرام حيث كان بيتها في محيط البيت العتيق، أي بالقرب منه .

وقوله سبحانه: الذي باركنا حوله صفة مدح للمسجد الأقصى، حيث أحاطه الله بالبركات الدينية والدنيوية .

أما البركات الدينية فمن مظاهرها أن الأرض المحيطة بالمسجد الأقصى قد جعلها الله سبحانه وتعالى مقراً لكثير من الأنبياء كإبراهيم وإسحاق ويعقوب وداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى .

أما البركات الدنيوية فمن مظاهرها كثرة الأنهار والأشجار والثمار والزروع في تلك الأماكن

وقوله سبحانه لنريه من آياتنا توضيح للحكمة التي من أجلها أسري برسول الله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى . . أي أسرينا بعبدنا محمد ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله، ثم عرجنا به أي صعدنا به إلى السموات العلا، لنطلعه على آياتنا، وعلى عجائب قدرتنا، التي من بينها مشاهدته أنبياءنا الكرام، ورؤيته لما نريد أن يراه من عجائب وغرائب هذا الكون . لقد وردت أحاديث نبوية صحيحة تنقل لنا بعض مشاهدات رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة المباركة، ومن ذلك ما رواه البخاري عن أنس بن مالك أن رسول الله قال: . . .ووجدت في السماء الدنيا آدم فقال لي جبريل: هذا أبوك فسلم عليه فسلمت عليه ورد عليّ آدم السلام فقال: مرحبا وأهلا بابني فنعم الابن أنت . . . . .

وفي رواية للإمام أحمد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما عرج بي ربي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم . . . .

بالروح والجسد

وهنا نؤكد أن القرآن الكريم سجل لنا هذه الرحلة التاريخية المعجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي كما نقلها لنا القرآن الكريم رحلة حقيقية، فإسراء الرسول من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ومعراجه إلى السماوات العلا ثابت وفقا لما سجله القرآن في آيات سورة النجم، ولا يجوز لأحد أن يشكك في هذه الرحلة المباركة، وهي وإن كانت مدهشة لعقول البعض، فهي ليست خارج نطاق القدرة الإلهية .

ووفقاً لكلمات وأوصاف القرآن فقد تم هذا الإسراء بالروح والجسد، وليس بالروح فقط، كما قال البعض . فالحادث في نطاق القدرة الإلهية وقد صدّر القرآن وصف الرحلة المباركة بكلمة سبحان وتسبيح الخالق القادر لا يكون إلا عند ذكر الأمور العظيمة التي تتجلى فيها قدرته وعظمته . كما أنه سبحانه وتعالى أوضح الهدف من الرحلة بقوله لنريه من آياتنا، والرؤية للعبرة والاتعاظ والوقوف على القدرة لا تكون إلا في اليقظة . . وإذا كان هناك حديث صحيح يشير إلى أن هذه الرحلة قد وقعت مناماً، فهناك أحاديث أخرى صحيحة تؤكد أنها وقعت في اليقظة، وقد وفق العلماء بين هذه الأحاديث بقولهم: إن رسول الله قد شاهد بعض هذه الرحلة مناما ولما دهش مما شاهده أكد له خالقه أنه لا شيء يفوق قدرته، فكانت الرحلة في اليقظة تثبيتاً لفؤاد النبي، عليه الصلاة والسلام .

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.