بقلم محمد فوزي معاوية
مجالنا المحتل أبد الدهر
كثيرا ما التمست موقفا لدى المختصين في العلوم الانسانية و غير المختصين حول أصولنا التارخية و ذاتيتنا و مسار تشكل شعبنا تردد مايلي:
القرطاجيون و البونيقيون دخلاء استعمرونا ( لما يزيد عن 1000سنة) و الرومان هيمنوا علينا واحتلونا و اضروا بنا (لما يقارب عن 600سنة) و بعدهم فتك بنا الوندال و البزنطيون خلال 200سنة…ثم جاء الاحتلال العربي بعد ” فتحنا “انطلاقا من منتصف القرن السابع الميلادي و نحن لا نعرف هل مازال هذا “الاحتلال قائما أم لا ..؟ و بعده كان الاحتلال العثماني فعمر قرونا منذ سنة 1574 الى أن دحضت الجمهورية مملكة الحسينيين في 1957 وقد يشار بافتخارنحن لسنا ضده و ان الامازيغ قاوموا و رفضوا و تمسكوا بأصولهم و أصالة أسبقية و جودهم في هذه الرقعة من الأرض أما اعتبار بقية الوافدين دون تمييز من الدخلاء الذين جاؤوا للنهب و السلب و الاستحواذ و الهيمنة و الاحتلال فذلك أمر في حاجة الى تدقيق …
الأمازيغ نعم و لكن خارج التاريخ أو داخله
الأمازيغ أجدادنا و سكان مجالنا الأوائل هذا طبعا لا جدال فيه و أن عوائدهم و ثقافتهم متأصلة فينا هذا و اقع لااختلاف فيه و أن اهذه الثقافة من مكونات ذاتيتنا التى نتمسك بها و نعتزبها و نواجه محاولات طمسها و هي محاولات موجودة و متأصلة هي الأخرى لدى جموع من ” الاستاصاليين ” لكن لا يحق ان نعتبر أنهم كانوا على الدوام على الهامش عهودا سحيقة في مجال تم التصرف فيه دون مشاركتهم أو بستعبادهم فذلك يعني انهم بقوا على الدوام خارج صنع التاريخ قرونا متوالية وهو موقف لا يقوم على أي مستند ,موقف متغال في انغلاقية لا تبالي بحقيقة التحولات و التفاعلات التاريخية… و نحن نجد مع ذلك مواقف لاتتمسك في قراءتها شبه التارخية الا بما ترغب في تبجيله و فق اعتبارات اديولوجية فهنالك من يطمس المرحلة العربية الاسلامية و يؤكد على المخزون البونقي أو القرطاجي و الروماني و ما لتونس من أسبقية في بعدها المتوسطي المنفتح و هنالك من يعمل جاهدا على طمس ذلك لفائدة البعد العربي الاسلامي كنقيض له ثبت تأصله و استمارره و هنلك من سمعناه عبر و سائل الاعلام يقول بقوة ” نحن آمازيغ نقطة و عد الى السطر “؟.
المجال مجالنا لكنه نسيج حي و مفتوح
ان هذه المسائل تحيل الى قضايا جوهرية سنقدم في شأنها ملاحظات سريعة و مختزلة نتمنى أن لا تشوه كثيرا الحقيقة و الواقع
أولا . ان الحضارات المتعاقبة داخل الفضاءات الجغرافية لم تبنى على العرق بقدر ما بنيت على التطورات التقنية و الثقافية خاصة بما تشمله من لغة و تقاليد وتاريخ مشترك و بهذا المعنى سنجد أن الامازيغ لم يشكلوا من الناحية العرقية تجانسا فمن بينهم نجد ( القبائل في الشمال و الشاوية في الوسط و الطوارق في الجنوب ..مثلا) و ما كان يجمعهم هو روابط و تفاعل ثقافي له عمقه التارخي.
ثانيا . ان المجال بمفهومه الجغرافي المستحدث يمثل الأرض و ما عليها من مكونات بشرية فاعلة اجتماعيا و مجتمعيا مهما كانت عزلته ( و لا يمكن أن ينطبق ذلك على تونس المتموقعة في قلب ما سمي بالعالم القديم) فانه واقع تحت تأثير الملابسات المحلية و التأثيرات الخارجية الواردة عليه بصورة مباشرة و غير مباشرة ليتلقى الامدادات الخارجية و يتفاعل معها بالضرورة عبر الصدام أو الاحتكاك , عبر التبادلات الحاملة للثراء و الاضافة أو عبر التثاقف و القدرة عليه وهو من المواقف و السلوكات الحضارية التى ليست في متناول الجميع بحكم ما تستلزمه من قدرات و استعدادات على التفاعل و التأليف و التجديد وعلينا مثلا أن لا ننسى أن فرنسا لم تكن فرنسا بل كانت بلاد ” الغال” قبل قدوم الافرنج و هي قبائل جرمانية قدمت من أروبا الوسطى في زمن ليس بالبعيد ( القرن الخامس الميلادي) لتكون بها ممالك و وتبعث الدولة ” الكارولنجية ” بزاعمة شارلمان ذلك ” البربار ” بالمعنى الالتيني للكلمة أي ( الهمجي-المتوحش) لينقذها و يحقق ازدهارها و مناعتها ,,؟ و يشتهر بأول مؤسس لمدارسها لنشر المعرفة زد على ذلك أن اللغة الفرنسية هي لغة لاتينية فرضها عليها الاستعمارا الروماني الذى احتلها نصف قرن قبل ميلاد المسيح…و الامثلة لا حصر لها في ما أكده التاريخ أن المجال هو نسيج حي متفاعل و متطورعلى الدوام.
تونس مجال المثاقفة بامتياز
ان الانفتاح لا يعني هنا ” مهب الرياح” (انفتاح للنهب و للذوبان )ولكنه لا يعني ايضا ” حجر الواد ” (الانغلاق و رفض الانفتاع و المقاومة المدمرة …) فالثقافات الوطنية و حتى المحلية كنوزا لابد من حمايتها لكن الحماية هنا لا تتحقق بالانطواء و الاختفاء بل تثبت بالانفتاح و التفاعل و بالاثراء لأن البالي يفقد مع التقادم قيمته و فاعليته كلما رفض التفاعل و التبادل و الاثراء.
لنتخيل لحظة واحدة ماذا ستكون عليه الحضارة العربية الاسلامية دون اضافات الفرس و الروم و الحكمة الاغريقية… فتونس ارضنا هذه ارض ثراء و اثراء, بها تحول الفنيقيون الى قرطاجنيين و بونيقيين و منها أخذ الرومان قوتهم ومن سكانها اخذوا “قناصل” حكموا الامبراطورية بأسرها و كانت أعظم قوة في العالم وبها في عهدهم وجد الدين المسيحي جذوره و منبته وتحولت الكاتوليكية الى “دوناتية…
أما العرب القادمين فلقد تفاعلوا مع الآمازيغ واختلطوا بهم ايما اختلاط الى درجة أصبح معها الفرز بين القبائل ذات الأصول العربية و القبائل ذات الأصول الامازيغية شبه مستحيل و أغلب الدول التي نشأت بعد قدوم العرب تشكلت بقيادة القبائل الامازيغية ان كانت من ” البرانس ” أو من ” البتر وفق تصنيف أبن خلدون.
و العثمانيون الذين أبعدوا الاسبان و فرضوا سلطانهم على بلادنا سرعان ما تحولوا الي “مراديين ” ثم حسينيين مندمجين اندماجا كليا.. و نفس الشيء بالنسبة للمورسكيين المنكوبيين القادمين من الاندلس في مطلع القرن 17… تلك هي تونس كل من اتاها راغبا في نهبها و اقتناص خيراتها او الانتفاع منها اقتنصه و أدمجته دمجا سلسا و حضاريا لينصهر فيها ويتحول الى واحد منها قلبا و قالب و على هذا الأساس بنى شعبها ذاتيته على الثراء والتعدد و التنوع و ضمن شخصية متميزة بقدرتها على التثاقف على امتداد عمق مسيرته التاريخية.
يقول عبدالله العروي ما مفاده” أن هناك امة تاريخية و امة غير تاريخية” و المقصود هو أن هذه الاخيرة تتلقى الأخبار دون قدرة على النقد و الاستيعاب و هي بذلك لن تتمكن من الخروج من هامش مسار صنع التاريخ .
شارك رأيك