بقلم فرحات عثمان
إنه من العار ألا تحتفل تونس، ولا العالم الإسلامي، باليوم العالمي لمناهضة كراهة المثلية؛ فهذا من الخلف، إذ يحق لبلادٍ دينها الإسلام، وهو العدل والإنصاف، أن تسبق غيرها في الاحتفاء بيومٍ يسعى للعدل، بما أن مناهضة كراهة المثلية هي أولا وآخرا النضال ضد ظلم الأبرياء.
رفع الظلم عن الإسلام:
فما ذنب المثلي وقد خلقه الله كما خلقه بجنس لم يختره؟ وهل من الضروري اليوم التذكير بأن بلاد الإسلام، لمّا عرفت أوج الحضارة، كانت مثال التحرر في ميدان الجنس، بينما كان المثليون الغربيون يُقتلون في بلدهم، فيأتون للأمان ببلاد الإسلام؟ ثم هل تغنّى بالمثلية أكثر وأفضل من النواسي؟
إن الأمور في بلاد الإسلام لم تتغيّر إلا بعد انهيار الحضارة الإسلامية تحت ضربات الامبريالية اليهودية المسيحية، إذ فرض الاحتلال الغربي، على مختلف جنسياته، قوانينه على المسلمين، بما كان فيها من تأثير ديني متزمّت. وهي اليوم القوانين التي نعمل بها على أنها إسلامية، ومنها الفصل 230 جنائي، هذا الفصل المخزي بتونس الذي لا بد من إبطاله بدون تأخير نصرة للإسلام وإحقاقا للحق وللعدل وللقانون.
لذا، حان الوقت، هذه السنة، لأن تحتفل تونس، كسائر البلاد المتقدّمة، باليوم العالمي لمناهضة كراهة المثلية المحدّد كل عام يوم 17 ماي. ولها أن تفعل هذا دون أي تردّد أو خوف الانتقاد من تقليد الغرب في الاحتفال بمناهضة يومه الخاص بكراهة المثلية؛ ذلك أن لها أن تعتمد لهذا الاحتفال «يوم إحسان الجرفي» الذي يُحتفى به بمدينة لياج البلجيكية كل سنة تخليدا لذكرى فاجعة أهدرت حياة مسلم مثلي، وهو مواطن بلجيكي الجنسية من أصول مغربية، كان مثال المسلم التقي والمثلي النبيل في حياته وتصرفاته.
الإسلام بريء من كراهة المثليين :
بذلك، يقع التذكير من جديد وكل سنة، انطلاقا من هذا العام، أنه لئن ساد الاعتقاد أن الإسلام يحرّم المثلية، فذاك خطأ فادح مما روّجه ويروّجه أعداء هذا الدين. فلم يصبح تحريم المثلية، أو اللواط، إسلاميا إلا باجتهادٍ من فقهاء استنبطوا جرما يوجد في الكتاب المقدّس وليس هو في القرآن بتاتا. فنحن لا نجد في الفرقان إلا القصص والإحالة إلى ما سبق الحنيفية المسلمة في الأديان الأخرى. والحقيقة أن الفقهاء في الإسلام أخذوا بالإسرائيليات، قبل أن تأتي قوانين الاحتلال لتفرض، باسم الإسلام، ما لم يعد موجودا في بلاد الغرب من القوانين المسيحية اليهودية بما أنه تم إبطالها بانعتاقها من ربقة النصرانية مع اعتناق الديمقراطية.
مع العلم أنه ليس هناك أي حديث في تجريم المثلية بالسنّة الصحيحة، خاصة في صحيحي البخاري ومسلم؛ فكل ما يُذكر من أحاديث ليس إلا من المنحول على الرسول الكريم. ثم إن الجنس العربي ثنائي كما هو الغالب في الطبيعة؛ وهو كذلك إلى اليوم في مجتمعاتنا؛ إلا أن هذه الثنائية الجنسية بقيت متخفّية نظرا لفحش القوانين المجرّمة للجنس الوحيد المقبول، أي بين ذكر وأنِثى؛ بل ولكل جنس طالما لم يكن داخل عرى الزواج. فالجنس محرّم عندنا بينما الإسلام يُعلي من قدره، لا في الدنيا فقط، بل وفي الجنة. وتلك عين الحكمة، لأن الجنس، فعليا، هو هذه الطاقة الضرورية للحياة؛ ما يسمّيه العلماء الليبيدو.
الاحتفال بيوم إحسان الجرفي:
إن الاحتفال، يوم 17 ماي القادم، باليوم العالمي لمناهضة المثلية تحت مسمّى «يوم إحسان الجرفي» لمن شأنه، حسب عادة تونس في السهر على عدم الإثارة، الاحتفاء بالأهم دون المهم، وهو اليوم العالمي تحت مسمّاه العادي، إذ فيه معاندة الغرب، طالما النتيجة واحدة، أي مناهضة كراهة المثلية.
ثم إن الاحتفاء بيوم إحسان الجرفي لهو أيضا من باب مقاومة المغالطة التي يتعرّض لها الإسلام بإشاعة أنه يعادي المثلية؛ فهذا ما يعتقده، عن حسن أو سوء نية، المنافحون عن حقوق المثليين، إذ ذلك ما يعيده على أسماعهم الغربيون الذين يدعمونهم لغاية في نفس يعقوب، لا ضرورة لأجل إبطال تجريم المثلية في بلادهم.
لذلك فهم لا يجرؤون على التذكير بالحقيقة الثابتة تاريخيا أن الإسلام ما كان معاديا للمثلية للحصول، دون زيادة تأخير، على إبطال الفصل 230 جنائي؛ بل يكتفون بتكرار الخطاب الغربي في عدم التعرّض للدين في نضالاتهم. وهذا لا معنى له، لأنه لا مناص من الكلام في الدين ببلاد الإسلام، إذ المشكل عند الأغلبية، هذا الجهل الذي يجب رفعه دون تأخير، هو الاعتقاد الخاطيء أن إبطال ذلك الفصل بخرق الإسلام. مع العلم أن الدستور التونسي، كما هي الحال بالنسبة لجميع دول الإسلام، خلافا للغرب، يفرض احترام الإسلام؛ فكيف نبطل إذن تجريم المثلية إذا لم نبيّن أوّلا أننا نحترم في ذات الوقت الدين ولا ننقضه بتاتا؟
التذكير بفاجعة إحسان الجرفي:
لنذكّر الآن أن «يوم إحسان الجرفي» وقع إقراره ببلجيكا، مسقط رأس الضحية، من طرف المؤسسة التي تحمل إسمه والتي يسهر عليها والده حسن الجرفي، وهو مسلم تقي يؤمن بأن دينه ما عادى يوما المثليين مثل ابنه.
لقد سقط إحسان الجرفي في ليلة من ليالي أبريل 2012 لا لشيء إلا لكونه كان مسلما تقيا ومثليا، لا يتخفّى كالعديد من المسلمين. قتله أشقياء أربعة، فأثارت شهادته شفقة العديد من الناس، بما فيهم من لم يكن ضرورة من أنصار المثليين، لا فقط في بلجيكا وأوربا، بل وأيضا في المغرب، بلد أجداده.
لذا، من المستغرب ألا يتّخذ إلى اليوم المنافحون عن قضية المثليية المغاربة فاجعة هذا الشهيد سلاحا يقاومون به كل المناهضين لهذه الفئة المظلومة التي لا تطالب إلا بحقها في العيش كما أراده لها الله، وأن تحب وتعشق من تريد، إذ هذا ما يقضي به العدل وتفرضه دولة القانون.
فهلاّ عمل كل من يسعى لإبطال قوانين الخزي بالمغرب العربي الأمازيغي على التوافق مع مؤسسةإحسان الجرفي في الاحتفاء، يوم 17 ماي 2018 بيوم إحسان بتونس والجزائر، وبالمغرب الأقصى خاصة، البلد الثاني للشهيد؟ فمن الأكيد أن ذلك هو أفضل الطرق للاحتفال بمناهضة كراهة المثلية والسعي بجدية لإبطال فصول العار: 230 بتونس، 449 بالمغرب 333 بالجزائر، هذه المخلّفات لعهد الاحتلال وبقايا التأثير المسيحي على عقول المسلمين، إذ دينهم ما جرّم ولا حرّم المثلية قط خلافا للكتاب المقدّس؛ لذا هم يعملون بهذا الأخير، لا بالقرآن، في موقفهم المعادي للمثلية!.
شارك رأيك