بقلم أحمد الحباسى
لا أشك في أن ظاهرة الفساد فى تونس قد اصبحت عامة و منتشرة على كل المستويات بل أن رقعتها تتسع كالإخطبوط لتنال من كامل جسد الوطن عموديا و أفقيا .
ملفات الفساد اليوم أكثر من الهم على القلب كما يقال و حكومة السيد يوسف الشاهد أعجز و أبخل و اتعس من أن تحرك ساكنا للقضاء على هذه الآفة المستفحلة ، ملامح الدولة بدأت تنهار و تزول و تتحلل فى المياه الاسنة لان الفساد طغى على كل العناوين حتى أصبح كالملح لا يغيب عن أى وجبة طعام خصوصا فى وزارات الدولة و اداراتها المختلفة التى تعانى من حالات متصاعدة متشعبة من الفساد بصعب معالجتها مهما سنت من قوانين و مهما تعددت النوايا الطيبة لبعض افراد الشعب أو بعض رموز المجتمع المدني ، لقد تحول الفساد الى شريك و اكثر من شريك للدولة لأنها لم تحاول منذ اكثر من خمسين عاما من الاستقلال تبسيط الاجراءات الادارية و لم تقدم الحلول الممكنة للارتقاء بالإدارة التونسية إلى مستوى الإدارة القوية الشفافة و الغير القابلة للرشوة لانعدام الاسباب و الدواعى و من يرى ترسانة الاوراق المطلوبة من كل مواطن و طالب خدمة مهما كانت طفيفة يعلم أن الدولة هى اكبر الفاسدين و المفسدين و الناشرين لثقافة الفساد .
يعلم المتابعون اليوم بكل أسف و مرارة أن رئيس الحكومة لم يكن صادقا فى نيته محاربة الفساد و ان الشعار المرفوع قد كان شعارا انتخابيا إعلاميا لا غير ، نحن نقول هذا ليس من باب المزايدة أو التجنى او الانحراف الفكرى بل من واقع قناعة بأن الحكومة التى تريد أن تحارب الفساد عليها القيام باكرا كما يقال و اعداد التخطيط المسبق المناسب و الاحتياط من كل شاردة و واردة حتى لا تضيع الطريق و تتوه بين زحام خطاب الموالاة و المعارضة ، كان على الحكومة أن تكاشف الرأى العام بخطتها الواضحة لمحاربة الفساد و المكاشفة المطلوبة ليست مكاشفة اعلامية كما يذهب الظن بالبعض بل هى مكاشفة استراتيجية و علمية بمعنى أن تقوم الحكومة من البداية “بسحب “كل تلك القوانين التى تعطى لأعوان الادارة الفرصة لتلقى الرشاوى و للمواطن المعطل أو المراد تعطيله عن الخدمة المطلوبة ضرورة المرور بالرشوة لقضائها ، كان المطلوب من البداية تقليص الاجراءات الجمركية و من البداية التراجع عن كل الإتاوات و عمليات الرفع في ” أسعار ” التقاضي و من البداية القضاء على كل ما يشكل تعطيلا لروح المبادرة و خلق مواطن الشغل .
فى هذه المرحلة بالذات طغى الفساد على كل العناوين التي تطلق على تونس الثورة حتى أصبح بمثابة القاعدة بالرغم من وضع هيكلية تعنى بمقاومته مثل هيئة مقاومة الفساد التى يشرف عليها العميد شوقى الطبيب و سن كثير من القوانين المهمة و من بينها قانون حماية المبلغ . لكن التدخلات السياسية تلعب دورها كالعادة في تعطيل ارادة الحكومة المعطلة أو المشكوك فيها اصلا لمحاربة الفساد و لعل الجميع يدرك اليوم ان حزبى الشيخين النداء و النهضة هما من أكثر الأحزاب المتهمة بالفساد و الأكثر التصاقا بقضايا الفساد و المفسدين بمن فيهم طبعا كبـار المهربين و تجار الاسلحة و المتاجرين بالمخدرات و الرقيق الأبيض و الأدوية الفاسدة و بيع الاعضاء البشرية و هنا لا بد من الاشارة الى تفكك كبير لمفاصل الدولة و ما نلاحظه من ولاء وتبعية كل موظف منها لمرجعيته السياسية أو الحزبية ، هذا التفكك يجعل من الصعب أن تصبح الرشاوى و العمولات و الفساد بصفة عامة ضمن خبر كان و ان تنجح محاولات الحكومة المتعثرة و المرتعشة فى القضاء على هذا الوباء المستشري ، بطبيعة الحال لن تغيب مظاهر الفساد و الاستثراء بدون سبب لأننا حاولنا مواجهة إخطبوط الفساد بيد فارغة و أخرى لا شيء فيها و بخطة سقيمة مفصولة عن الواقع الذي نعيشه ، الفساد يحتاج إلى منظومة قضائية جاهزة و ناجزه و نحن لا نملك الاثنين ، الفساد يحتاج إلى طبقة سياسية وطنية لا تعمل على إضاعة الوقت في الثرثرة و اللعب على كل الحبال ، الفساد عقلية و مقاومته تحتاج إلى عقلية أيضا .
إن فرض الضرائب و الأداءات على مدار الساعة هو دليل فساد ذهني لدى الحكومة لا يختلف كثيرا عن الفساد الذي يقترفه كبار الفاسدين و المجرمين فنهب المواطن بهذه الطريقة السهلة يؤكد أن الحكومة عاجزة ذهنيا عن الحكم و لا تختار إلا طريق السهولة بدل الانتباه إلى أنها تضيق الخناق على عامة الشعب المستضعف و تقوى شوكة الفاسدين الذين يستغلون هشاشة نفسية المواطن لمزيد نهبه و استغلاله و استعباده و إذلاله ، ماذا يعنى أن تترك الدولة المليارات المنهوبة في خزائن الفاسدين و تلجأ إلى جيب المواطن المثقوب الذي أنهكته الدروس الخصوصية لجماعة من المرتزقة الذين يمثلون منظومة أخرى من منظومات الفساد وجدت من يحميها و يدافع عنها بعلة الحق النقابي و بعض العبارات الأخرى التي ما كانت لتخرج من فم الزعيم الوطني فرحات حشاد لأنها تتعارض مع مقولته الشهيرة ” أحبك يا شعب ” في حين تبنى الاتحاد و نقابة التعليم شعار ” أم المعارك ” ضد شعب بائس مطحون ، لقد تبين الفساد في منظومة الصحة و بدل الإسراع بالمعالجة تم الالتجاء إلى وزير عرف حزبه طيلة حكم ثلاثة سنوات من الجمر بأنه لا يهتم بمحاربة الفساد بل بصيد الغنائم و التعويضات و ما خفي كان أعظم .
تأتى الانتخابات البلدية على وقع انخفاض مرعب لمنسوب الاهتمام بالشأن السياسي ، بطبيعة الحال ” شاهدنا ” وعود الأحزاب المتقدمة لهذه الانتخابات و هي عبارة عن رشاوى عينية و إعانات غذائية تم عرضها على عينك يا تاجر و اكتفت بعض دكاكين المراقبة الانتخابية بتدوينها من باب الذكرى لا غير ، صحيح هناك ” برامج ” و لكنها برامج مكررة معلبة لا تقنع هذا الشعب بعد كل التجارب المفلسة لهذه الأحزاب طيلة سبعة سنوات من عمر الثورة ، لا أحد مقتنع بالتصويت و لا أحد مهتم بممارسة حقه الديمقراطي لان النقمة عامة بسبب سياسات فاشلة و من بين هذه السياسات الفاشلة سياسة الحرب على الفساد التي أعطت الانطباع بأنها ممارسة حكومية مختارة بعناية تستهدف أطرافا بعينها ، إن ما يحدث من مظاهرات و حرق و فلتان سياسي و إعلامي شاهدنا عينات منه في مجلس نواب الشعب هو مظهر و تعبير عن حالة من الفشل و الرغبة في إنهاك الدولة و ضرب المؤسسات الدستورية و الأمنية لغايات تهم مصالح المهربين و الإرهابيين ، هناك فساد يراد له أن يبقى في شكل منظومة و هناك من يريد عجز الدولة و من يبحث عن ضرب المؤسسات و لعل ما يتحدث عنه البعض من وجود أجهزة دولية تعمل على إرباك الوضع لم يعد سرا في بلد كشفت فيه كل الأسرار.
شارك رأيك