الرئيسية » عندما يعيش اليعقوبى أم الهزائم

عندما يعيش اليعقوبى أم الهزائم

بقلم أحمد الحباسى

لقد بحث المتابعون للشأن التربوى و اولياء التلاميذ عن السبب المنطقى و الموضوعى الذى دفع الاسعد اليعقوبى نقيب رجال التعليم .

و لو أن كثيرا من الاولياء و المهتمين بالشأن التربوى قد أصبح يثير كثيرا من اللغط حول هذه التسمية “رجال التعليم” نتيجة ما أظهره هذا الجسم من انانية مفرطة و حب للذات و ابتعاد عن مفهوم التعليم ، لقد دفع هذا الرجل لتسمية صراعه المقيت مع الحكومة و مع الشعب باسم ” أم المعارك ” و هى تسمية أقل ما يقال فيها أنها هابطة هبوط مستوى كثير من رجال التعليم و من مستوى التعليم نفسه بشهادة عديد الخبراء و المطلعين.

لعل مسارعة النقيب الى اصدار بيان ملتبس يؤكد فيه كذبا و بهتانا حصول اتفاق بين الاتحاد و الوزارة منذ ساعات حول كل النقاط المطلوبة و من بينها أو أهمها بند التقاعد قد سلط الضوء على تقليد قديم لدى هذا النقيب و هذه النقابة لا يكتفى بانكار الهزيمة بل يسوقها كانتصار ليقيم الاحتفالات و الاستعراضات العنترية و لعل النقيب قد أعاد الى الاذهان و هو يطلق هذه الكذبة الكبرى و الغير الاخلاقية حسب بيان الوزارة الى ما حصل بعد نكسة 6 جوان 1967 حين كذب الاعلامى الكبير أحمد سعيد حقيقة هزيمة الجيش المصرى التاريخية ليجعل منها نصرا تبين فيما بعد أنه كارثة عسكرية قد جاءت كنتاج لسوء الادارة و عقم السياسة و اعتماد العنتريات بدل المنطق يضاف اليها كثيرا من المنزلقات كشفها فيلم ” احنا بتوع الاوتوبيس ” بكثيرة من المرارة.

يذكرنى اندفاع و غرور السيد الاسعد اليعقوبى و بعض من والاه من رجال التعليم بأيام عبد الناصر و ايام كثيرة من تاريخ الثورة الفلسطينية حين كانت الخطب و الشعارات الرنانة تؤثث المشهد و لقد كان للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة مواقف تاريخية ثابتة فى خطاب اريحا الشهير لنتبين فيما بعد ان تلك المعارك الهجائية و النثرية التى خطتها أقلام صحفية لا تزال تمتهن المهنة نفسها الى الان لم تكن الا هزائم نكراء أسست لهزائم لاحقة طيلة أكثر من عقدين من الزمن العربى الردىء .

لقد عشنا ايام الفوضى الخلاقة لمنظومة رجال التعليم التى استثمرها اليعقوبى لغايات غير بريئة لا تختلف عن تلك الغايات التى دفعت الاتحاد زمن الراحل الحبيب عاشور الى الدخول فى معركة كسر عظم مع الحكومة ادت الى سقوط المئات من الابرياء ، عشنا حالة من الطيش و التهور و تحليل سىء لمفهوم العمل النقابى و بعد عن الفكرة الاساس التى قام عليها الاتحاد و هى مقولة الشهيد الكبير فرحات حشاد ” أحبك يا شعب ” ، شاهدنا بأم العين شعارات هابطة و تصريحات اكثر هبوطا من رجال ائتمنهم الشعب على ابناءه و من نقابة كان من المفروض أن تقف الى جانب صلاح التعليم لا جانب استثراء اهل التعليم على حساب الكيف و المضمون ، استمعنا الى اناس يعيشون فترة مراهقة فكرية و سياسية و كان من الصعب على هذا الشعب ان يصدق ان ما رأيناهم يرفعون تلك الشعارات الرديئة البائسة هم أهل علم و يمكن أن يصنعوا مستقبل الاجيال و الوطن لان فاقد الشىء لا يعطيه كما يقال .

ربما يكون رجال التعليم قد اختاروا الطرف الاسوأ الذى لا يملك القدرة من جميع النواحى على حسن تبليع صوتهم أو الدفاع الرصين و المميز عن مطالبهم و ربما اختار رجال التعليم شبيها لهم لاقناع السلطة بأن الكثرة تغلب الشجاعة و أن هيئة التدريس قد تخلت طوعا عن مسئوليتها الاخلاقية و المهنية لتصبح مجرد شرذمة باحثة عن المال و لا غير المال ، على الاقل هذا ما ظهر للعيان من متابعة الشعارات و المواقف و التصريحات العنيفة الصادرة عن جماعة ” أم المعارك ” الذين ارادوا ان نشعر كأولياء مغلوبين على أمرنا بأن هناك معركة تستل فيها السكاكين و الخناجر و كل الاسلحة المحرمة لنيل المطالب بالقوة و أن الحسم فيها سيكون لصالحهم و أن هذه الدولة الهشة المرتبكة الفاقدة للهيبة ستكون لقمة سائغة بحيث كما تم اسقاط وزير التربية السابق سيتم اسقاط الوزير الحالى و الانتقال طبعا لوضع رئيس الحكومة نفسه و كل مؤسسات الدولة رهينة فى يدهم الملطخة بداء النرجسية المريضة و الايديلوجيات العقيمة ، كانت معركة اليعقوبى معركة كسر عظام الدولة لخدمة فئة تبين انها فقدت بعض خصائصها و مبادئها من أجل المال ، لم تكن معركة من أجل المصلحة العامة و لا معركة من أجل رفع مستوى التعليم و لا معركة من أجل الحصول على امتيازات مستحقة فى ظرف يسمح بذلك بل كانت مجرد كلمة حق اريد بها باطل و هذا الباطل هو من كشفته عيون المتابعين و الاولياء بكل مرارة و أسف ، لقد استعدى اليعقوبى فى ام المعارك كل الاولياء بشكل دعى البعض منهم الى مقاضاته فى سابقة معبرة و استعدى الضمائر الشريفة من بين رجال التعليم انفسهم و قد شاهدنا و قرأنا عن مواقف مشرفة كثيرة تتعارض مع مواقفه الهابطة المثيرة للجدل و الاحتقان و الكراهية ، ان طبيعة الرجل الصدامية تختلف عن طبيعة التونسى المسالم و لذلك وجد اليعقوبى نفسه يصارع الشعب دون أن يدرى.

ربما لم ينتبه قائد أم المعارك أن الاقتصاد التونسى يعيش احلك فتراته منذ الاستقلال لان هذا المعطى مهم فى قدرة الدولة على العطاء و ربما لم ينتبه الرجل ايضا الى ان التونسى يعانى من عدة محطات انهكت اعصابه و لم يعد يقدر على تحمل شخص باحث عن الصدام و اشعال فتيل الازمات الساخنة المتواصلة بسبب تهور و نرجسية زائدة عن الحد ، من المؤسف حقا أن يزعم جنرال ام المعارك أن هناك من يريد شيطنة اهل التعليم و هو من ضرب مصداقيتهم فى العمق و جعل الشعب و الاولياء بالتحديد يفقدون نهائيا كل ما اختزنوه من احترام لهذه المنظومة على مر العصور ، لم يعدم الرجل الفرصة لفتح كل الجبهات المتاحة و هذه المرة كان من الطبيعى ان يقول الشعب و الاولياء بالتحديد كفى و كفى بالصوت العالى لليعقوبى بما يمثله من فكر خاطىء و سقيم و كفى لبعض رموز الاتحاد الذين استطابوا الوقوف على الربوة فى معركة تحديد مصير الطفل التونسى الذى يعانى من معوقات اجتماعية كثيرة على كل المستويات و كفى لهذا الفهم السقيم لمفهوم الحق النقابى ، ان الاولياء يشعرون اليوم ان هذا الرجل قد اصبح خطرا على السلم الاجتماعية و خطرا على مستقبل ابناءهم بل خطرا على التحول الديمقراطى السلمى التوافقى الذى تحاول البلاد ان تسلكه للوصول الى بر الامان بعد 7 سنوات من الارتباك و السباحة فى المجهول و بقدر ما شعر الاولياء بالراحة بعد ان خسر السيد اليعقوبى ” ام المعارك ” فانه على الحكومة اليوم ان تستعيد هيبتها بكل الطرق الديمقراطية المتاحة و الضرب على يد العابثين بالسلم الاجتماعية .

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.