بقلم فدوى الغريبي العيادي
على هامش المصادقة على مجلة الجماعات المحلية تتناقل وسائل الإعلام تصريحات لرجال السياسة وبعض رجال القانون ولمتابعي الشأن العام يتم فيها إستعمال كلمة “الحكم المحلي” كنتاج للباب السابع من الدستور وكنتيجة لفصول مجلة الجماعات المحلية.
ولكن لسائل أن يسأل هل يمكن الحديث عن حكم محلي في تونس على ضوء النصوص الدستورية والقانونية التي تنظم الشأن العام المحلي؟ وهل هناك خلط في المفاهيم وإن وجد مثل هذا الخلط هل هو عفوي أو مقصود ؟
في البداية لابد من التأكيد على أن عبارة “حكم محلي” لم ترد في أي نص قانوني مهما كانت درجته ولكنها تستعمل دائما من قبل متناولي الشأن العام المحلي بالتحليل والنقاش.
فالباب السابع من الدستور يحمل عنوان السلطة المحلية والمجلة تسمى بمجلة الجماعات المحلية فمن أين ظهر مصطلح الحكم المحلي وما هو الحكم المحلي؟
الحكم المحلي هو أن تحكم مجموعة محلية نفسها بنفسها يفترض ذلك وجود مصالح محلية متميزة عن المصالح العامة للدولة وإستقلالية تامة في التسيير. فهل هذان الشرطان متوفران في الجماعات المحلية التونسية؟ وهل تحكم جماعاتنا المحلية نفسها بنفسها من خلال النصوص القانونية؟
إن المتمعن في الباب السابع من الدستور وفي فصول مجلة الجماعات المحلية يلاحظ أنهما وضعا الإطار الدستوري والتشريعي الخاص بالتنظيم الإداري القائم على اللامركزية الإدارية.
فما هي اللامركزية الإدارية؟
اللامركزية الإدارية هي تنظيم إداري يقوم على توزيع الوظائف والسلطات بعيدا عن موقع مركزي ويتم بمقتضى هذا التنظيم توزيع المهام الإدارية بين إدارة مركزية وجماعات محلية أو مؤسسات عمومية مستقلة على أن تبقى الإدارة المركزية سلطة إشراف فقط وتتمتع الجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية في هذا النظام بالشخصية القانونية والإستقلال المالي.
والمتمعن في الفصول المنظمة للشأن المحلي على المستوى الدستوري والقانوني لا يمكنه إلا أن يقر بأن الإطار الذي يحكم التصرف المحلي هو إطار اللامركزية الإدارية ولابد من التأكيد أن اللامركزية الإدارية وإن كانت حجر الزاوية في الحكم المحلي فإنها لا تكفي لوحدها لكي نقر بوجود مثل هذا الحكم في دولة معينة. ذلك أن الحكم المحلي يقتضي كذلك لامركزية سياسية يتم فيها إعطاء المحليات صلاحيات تشريعية وقضائية وتنفيذية – بالإضافة إلى الصلاحيات الإدارية ولا تتوفر اللامركزية الإدارية والسياسية إلا في الدول المركبة التي توجد فيها عدة دول داخل دولة كما هو الشأن بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وهي سمة من سمات النظم الفدرالية التي تتمتع فيها المحليات بسلطة التشريع والتنفيذ والقضاء والإدارة وذلك في الحدود التي يرسمها الدستور.
وغالبا ما يكون وجود الدول الصغيرة سابقا للدولة الموحدة لها أي أن تتجه بعض الدول الصغيرة إلى الإنضمام إلى إتحاد دولي يضمن لها سياسة موحدة مع إحترام حكمها المحلي.
لهذا من الواضح أن الحديث عن حكم محلي في تونس هو من قبيل السفسطة السياسية التي تستعير كلمات فضفاضة من شأنها أن تعمق حيرة المواطن العادي وذهوله أمام صعوبة إستيعاب ما يدور حوله من نقاشات سياسية وفي بعض الأحيان قانونية حول طبيعة الحكم في تونس مما دفع البعض إلى تسمية مجلة الجماعات المحلية “بدستور المحليات” وفي ذلك هروب للأمام في إتجاه حلم قد يراود بعض السياسيين في تونس ويتمثل هذا الحلم في الوصول بتونس إلى مرحلة الحكم المحــــــــلــــي الـحــقــيـــقـــــي « Local Gouvernent ».
وفي هذا الإطار لابد من التأكيد أن ما يدفع له هؤلاء السياسيين لا يعدو أن يكون حلما لا يجد له إطارا قانونيا لا في الدستور ولا في مجلة الجماعات المحلية وكل ما نرجوه هو أن يتم توضيح المفاهيم وان لا يستعمل النقاد والإعلاميون والمحاورون السياسيون عبارة الحكم المحلي وتعويضها بعبارة لامركزية إدارية حتى تتضح الرؤيا عند المواطن العادي وعند متتبعي الشأن العام وحتى يزول الخوف الغير مبرر من تفتت الدولة بإعتماد الحكم المحلي المزعوم.
مستشار المصالح العمومية بوزارة الصحة
شارك رأيك