بقلم: أحمد الحباسي
يخطىء من يظن أن الشيخ راشد الغنوشى قد انسلخ عن الاخوان و عن الفكر التكفيرى للاخوان و عن بقية ادبيات الاخوان و بالذات عن مفاهيم السمع و الطاعة و التقية و التمكين التى تمثل فى حد ذاتها الاساس الذى يريتكز عليه بنيان ” الجماعة ” ، لاحظ معى أن الشيخ و رغم ما نقل عنه اثر المؤتمر العاشر للحركة من تحول ” جماعته ” من الدعوى الى السياسى فانه لم ينقطع عن ابداء اراء هى اقرب الى فكر الاخوان من قربها من مفهوم مدنية الدولة و فصل الدين على السياسة و عدم الانتماء الى جهات خارجية فيها من هو متهم دوليا بالارهاب و من رفعت عنه جنسية بلاده و من هم مطلوبون للعدالة بتهمة ممارسة الارهاب و الدعوة اليه و استعماله طريقة عنيفة للوصول الى الحكم و قلب الانظمة القائمة ، الضرورات تبيح المحظورات.
و فى هذا السياق يعتقد كثير من المحللين و المتابعين عن كثب لحركة النهضة و بالذات بعد سقوطها العنيف من الحكم اثر اعتصام الرحيل الشهير أن الاشارات الايجابية التى لم تتعدى القول و التى صدرت عن قليل من القيادات هى مجرد ذر رماد على العيون و محاولة مدنسةلكسب الوقت و التهرب من المحاكمة السياسية و القضائية بسبب تهم تتراوح بين ممارسة الارهاب و ضرب مؤسسات الدولة و نهب اموال الدولة يضاف اليها طبعا جرائم الرش فى سليانة و اغتيال المناضلين شكرى بلعيد و محمد البراهمى و لطفى نقض.
سنكتفي بسرد بعض الوقائع و نترك للمتابع الكريم حرية الربط و الاستقراء و الاستنتاج بحيث نشير الى أن حركة النهضة التى تدعى وقوفها الى جانب القضية الفلسطينية و ترفض التطبيع مع العدو الصهيونى هى نفسها التى تتحالف علنا مع النظام القطرى الذى يقر علنا ايضا بعلاقته المتينة مع الكيان الغاصب و بهذا المعنى يجب التذكير ان محمد مرسى الذى كان يبالغ فى تهديد اسرائيل عندما كان يقف على منصات الخطابة ايام حسنى مبارك هو نفسه الشخص الذى كتب تلك الرسالة القبيحة لشمعون بيريز مبتدئا بالقول ” عزيزى شمعون بيريز كم أتطلع الى … ” ، الرسالة متوفرة على النت لمن يريد مزيد التثبت من الامر ، نأتى الان الى وثائق ويكيليكس الشهيرة و ما كتبته عن علاقة الحركة بجهات امريكية معروفة بصداقتها و ميولاتها الثابتة لجانب اسرائيل و زيارة ماك كاين السيناتور الامريكى الى حركة النهضة باتت معلومة و تستحق فتح هذا الملف بالطبع ، فى نفس السياق لا تنكر النهضة علاقة الود القوية مع جاكوب والس السفير الامريكى السابق بتونس و المعروف بخدمته المتفانية لصالح الكيان الصهيونى ، فى علاقة بهذا الامر يتفهم البعض الان لماذا رفضت الحركة التعليق على اغتيال الشهيد محمد الزوارى من طرف الموساد و لاح عليها كثيرا من الارتباك المهين بدليل التصريح الذى ادلى به شيخها المعارض لنشاط الشهيد و هو نشاط يخدم القضية الفلسطينية على فكرة .
هناك اسئلة عديدة تحوم حول علاقة حركة النهضة بالصهيونية العالمية و بالذات بمنظمة ايباك و هى احدى اكبر منظمات و اخطر اللوبيات التى تتحكم فى الادارة الامريكية و تخدم مصالح الكيان الصهيونى ، فى هذا السياق يقول الكاتب رفعت سيد احمد فى مقال بعنوان ” ما الذى يجمع راشد الغنوشى و برهان غليون و الايباك ” ترى ما الذى يجمع بين الزعيم التونسى الإسلامى (راشد الغنوشى) ، ورئيس ما يسمى بالمجلس الانتقالى السورى : د. برهان غليون ، وبين منظمة إيباك الصهيونية ؟ هل هو كراهية الاستبداد العربى والثورة عليه ، أم هى المصلحة والمحبة والعلاقات الدافئة مع أعداء الأمة من الصهاينة والأمريكان ؟
مناسبة هذا السؤال هو ما تداولته الأنباء خلال الأيام الماضية عن قيام راشد الغنوشى بتلبية دعوة معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الذى أسسته وترعاه منظمة إيباك الصهيونية بالتنسيق مع المخابرات الأمريكية ، وإلقاءه محاضرة فى المعهد يعلن فيه – قولاً وسلوكاً – التطبيع مع العدو الصهيونى ؛ أما برهان غليون والذى يرأس المجلس الانتقالى السورى الذى كونته جماعة الإخوان المسلمين بدعم علنى من المخابرات التركية والفرنسية ، فلقد قال فى حوار غاية فى الأهمية مع صحيفة (وول ستريت جورنال) بأن مجلسه إذا جاء لحكم سوريا سوف يقطع علاقاتها بالمقاومة اللبنانية والفلسطينية والعراقية ، وسوف يقطع العلاقات مع إيران (لأنها علاقات غير طبيعية) وفقاً لكلامه ، و(أنه سيقود أوسع عملية لإعادة توجيه السياسة السورية تجاه تحالف مع الدول الخليجية الموالية لواشنطن) وأنه سيسعى إلى استرداد الجولان بالحوار والتفاوض ليوقع اتفاقية تماماً مثل اتفاقية (كامب ديفيد) ، والسؤال الآن .. ما الذى يجمع هؤلاء الثلاثة (الغنوشى – برهان – إيباك) فيما قالوه أو فعلوه خلال الأيام الماضية ؟ الإجابة سنسجلها فى النقاط الموجزة التالية :
لقدكنا ممن أحسنوا الظن بالدكتور راشد الغنوشى ، إلا أن ما ارتكبه من جرم وطنى قومى وإسلامى ، خلال الأيام الماضية ، متمثلاً فى قبوله لدعوة مؤسسة (إيباك) الصهيونية ، ومعهد دراسات الشرق الأدنى لزيارة واشنطن والجلوس إلى عتاة المحافظين الجدد فيها ، وإعلانه من هناك أنه لا عداءاً مطلقاً مع إسرائيل ، وأن تونس الجديدة لن يتضمن دستورها أية إشارات بالعداء للكيان الصهيونى وأنه لم يعد يتفق مع مقولة إيران بأن أمريكا هى الشيطان الأكبر ؛ هذا الانهيار الأخلاقى والسياسى لدى الرجل وكنا نظنه – وهو أول من يعلم حجم الجرائم الأمريكية والإسرائيلية ضد الفلسطينيين والعرب طيلة الـ 65 عاماً الماضية – سيكون أكثر تعاطفاً مع الحقوق الفلسطينية التى يأتى على رأسها حتمية العداء للمشروع الأمريكى الصهيونى ، وحتمية أن تقوم الثورات الجديدة بمساندة المقاومات العربية وفى طليقتها المقاومة الفلسطينية بأضعف الإيمان وهو مخاصمة المشروع الأمريكى – الصهيونى ، إلا أن السيد راشد الغنوشى وعند أول إشارة من اللوبى الصهيونى فى واشنطن – الذى يبدو وكأنه الراعى الرسمى لبعض ثورات الربيع العربى – ذهب إلى هناك مهرولاً ، ومرحباً بالعدو الصهيونى ، ولاعناً المقاومة التى طالما تغزل فيها هو وشيخه (القرضاوى)صاحب اشهر الفتاوى لاباحة التدخل الاجنبى واكسابه شرعية اسلامية يرفضها اصغر طفل يفهم فى الاسلام ؛ فإذا بالمقاومة اليوم عبء عليه ” ، لعله بجمع كل هذه الشواهد و الادلة يفهم المتابع لماذا يصر مرشد حركة النهضة على طلب اطلاق سراح الاخوان محمد مرسى.
القرضاوي : ” من يعادي قادة قطر ليس مسلما ” …هذا ما يقوله كبير الاخوان فى قطر و ما يقوله شيخ الاخوان فى تونس من أن داعش تمثل الاسلام الغاضب ليس مختلفا عن ذلك الا من حيث المعنى و السياق فالشيخان يلتقيان مثلا حول ضرورة اطلاق سراح محمد مرسى عزيز شمعون بيريز و قائد الكتائب الارهابية التى تضرب الشعب و الجيش المصرى و تسيل الانهار من الدماء البريئة و يلتقيان حول شارة رابعة التى تمثل فى ذاتها مشروعا مشبوها لا يقل خطورة عن النجمة السداسية الصهيونية التى تذكر العرب بالتاريخ الاسود للحركة الصهيونية فى التقاء غريب مع التاريخ الاسود و الدموى لحركة الاخوان منذ نشأتها على يد الشيخ حسن البنا و ما تلى ذلك من علاقة مع الصهاينة و الانكليز و الامريكان و تخللها من خيانات للثورة المصرية الوليدة و اغتيالات طالت كل من يعارض هذا الفكر المنغلق الحاث على الكراهية و الانقسام ، ما لم يفهم البعض اليوم لماذا يتغافل شيخ الاخوان فى تونس عن كل المعتقلين السياسيين فى العالم و يتغافل عن متابعة مصير الالاف من سجـــناء الفكر و قضايا التحرر فى دول العالم و يصر الحاحا على حصر تدخله المشبوه فى القضايا التى يكون رموز الاخوان طرفا فيها ، الظاهر ان لحقوق الانسان تفاسير متعددة فى عقل الاخوان و الظاهر انه كما ان داعش تمثل الاسلام الغاضب فان محمد مرسى يمثل الاسلام المغضوب عليه ، بالنهاية نحن أمام فكر يرفع علامة رابعة التى تختصر الدهاء و اللؤم و الخديعة و عقل ينتمى الى مشروع دمر الامة العربية و اهداف معادية لمدنية الدولة تريد بهذا الشعب شرا.
شارك رأيك