بقلم أحمد الحباسى
ربما يظن البعض أن هناك فرق بين فكر حركة النهضة برئاسة السيد راشد الغنوشى و فكر حزب التحرير برئاسة السيد رضا بلحاج و ربما يظن البعض من باب الترف الفكري المبالغ فيه أنه لا علاقة للإخوان المسلمين بمناصري حزب التحرير في تونس أو في بقية البلدان العربـية و ربما نهاية هناك من يظن أن حزب التحرير التونسي يختلف عن بقية أحزاب التحرير في بقية البلدان العربية ،
الواقع أن فكر هؤلاء موحد حتى في كثير من التفاصيل الصغيرة و الجميع يعملون في نفس الاتجاه و على نفس الوقع و الوتيرة كل ذلك لغاية معلنه و هي إنشاء دولة الخلافة و لعل حزب التحرير هو الحزب الوحيد الذي يتحدث عن الأمة و الخلافة بمفهوم جامع لكل الأمة و لذلك أعد منذ سنوات و بإصرار شديد برنامجا دسما بلور فيه الفكر الإسلامي المتعلق بالخلافة .
و حمل الدعوة بشكل يقول أنه سيعيد ثقة المسلمين بإسلامهم مع إعداد العدة إلى العمل على تغيير مناهج التعليم و القيام بكل الحملات المشبوهة لتغيير الدستور فى هذا الاتجاه كمقدمة أولى للوصول لهذا الغرض ، ربما لم ينتبه البعض غالى أن حملات نقابة التعليم على وزير التربية السابق و الحالي تأتى في هذا الاتجاه و ربما لم يفهم البعض إلى حد الآن أن نقابة التعليم هي جزء من تنفيذ مخطط حزب التحرير لضرب التعليم الحالي لتعويضه بالتعليم على طريقة حزب التحرير و حركة النهضة المخاتلة .
من المثير للاهتمام و المتابعة أن يخف و يقل الحديث حول حزب التحرير منذ اشهر بل من الواضح أن هناك إرادة سياسية خفية تريد التعتيم على مسالة حزب التحرير لأسباب باتت مجهولة و غير مفهومة على النطاق السياسي و الأمني لكن ما يقوله المحللون في هذا الموضوع خطير و خطير جدا على اعتبار أنه لا يرجى خيرا من مثل هذه الجماعات ” الدينية ” المتطرفة خاصة في وضع أمنى هش تعيشه تونس بما فيه من إرهاصات ثورية و تحركات اجتماعية مشبوهة.
و تدخل أجهزة مخابرات و أموال نفطية و مشاركة أدوات إعلامية معروفة بخدمتها للمشاريع الغربية و الصهيونية يضاف إليها وضع متفجر في ليبيا و عدم قدرة الجانب التونسي على ضبط الأوضاع على الحدود ، هذا الوضع يجعلنا نتساءل بخوف شديد : أين هو حزب التحرير ؟ ماذا يفعل حزب التحرير ؟ لماذا خفت الصوت و الحديث حول حزب التحرير ؟ من يمول حزب التحرير ؟ من يقف وراء حزب التحرير و ما هي أهدافه الخفية ؟ ما هو مستقبل هذا الفكر التكفيري الإرهابي الدموي ؟ ما علاقة حزب التحرير ببعض القيادات في اتحاد الشغل المتهمة بتوتير الأجواء و إثارة الفوضى داخل البلاد ؟ هل يمثل الحزب خطرا على المدى القريب ؟ لماذا اختفى نشاط الحزب بمثل الزخم الذي عاشته تونس في الأيام التي سبقت صعود حزب النداء إلى الحكم ؟ هل هناك تفاهمات خفية بين الحكومة و بين الحزب ؟ من تدخل بين الطرفين لإطفاء فتيل الأزمة التي كادت تؤدى إلى حل الحزب منذ اشهر قليلة ؟.
يعتقد حزب التحرير أن مطلب الخلافة و عودة الخلافة هي العقيدة التي لها الأولوية على جميع جوانب العقيدة الأخرى بحيث يصر الحزب على أن مسألة عودة الخلافة الإسلامية ليست شعارا بل عقيدة تطغى على العقيدة و أن كل شؤون الدين معطلة مرهونة بقيام الخليفة واستعادة منصب الخليفة ، هكذا بدون لف أو دوران ،
و إذا طبقنا مفهوم السياسة الذي نعرفه بكونه فن الممكن و ليس فن المستحيل فان حزب التحرير قد ربط حياة و مصير و مصالح الأمة بيوم إنشاء الخلافة و هو حلم لن يتحقق و هو حلم إبليس بالجنة ، إن رهن مصير الشعوب باستعادة منصب الخلافة هو حرث في البحر و منطق سقيم لا يمكن أن يتحقق لان الإسلام دين علم و عمل و ليس دينا منغلقا رافضا مستبدا محنطا لا يقبل الحوار و غير قابل للتعايش مع الأفكار و الأديان و المعتقدات المختلفة الأخرى ،
إن ما يحصل من عنف على يد الجماعات الدينية التكفيرية المتطرفة التي تنتعش و تعيش على فكار حزب التحرير و حركة النهضة و من شابهها في القول و الفعل هو الذي يدمر الأمة و يجعلها تزيد من رفضها لمثل هذه الأفكار السقيمة التي لا تؤدى إلا لخراب الأوطان و زيادة التوحش بين البشر و نشر العنف و التطرف المؤدى إلى تقسيم المجتمعات و إثارة الفوضى ، لقد بلغ الغلو و الغرور الفكري لدى هذا الحزب مراحل سلبية بحيث اعتبر القائمون عليه كل عمل إسلامي موقوفا على عودة الخلافة و لا تقوم قائمة لهذه الأمة المنكوبة حتى يعود الخليفة و يأخذ بشؤون الرعية المسلمة و هي تخاريف لا تخرج إلا من عقول بائسة خارجة عن منطق الزمن الذي نعيش فيه .
من هراء قول حزب التحرير اعتبار كل المسلمين آثمين لأنهم يرفضون حسب ترهاته تنصيب خليفة للمسلمين و لا يسندون القوم من هذا الحزب الباحثين على إنشاء دولة الخلافة ،
و من عجب الدنيا أن يعتبر هذا الحزب التكفيري المنغلق نفسه وصيا على المسلمين لمجرد أن تمكن البعض من قيادته من بعض الآيات و السور دون فهمها الصحيح كما يعتقد كثير من العمائم البيضاء الصالحة ، لذلك و نحن في دولة القانون و المؤسسات نتساءل بعفوية و بكثير من الأسف لماذا تخلى القضاء عن دوره في مقاضاة هذا الحزب الخارج على قانون الطبيعة البشرية و على النمط المجتمعي الإسلامي التونسي المعتدل و أين تحريات المباحث في خصوص ما يحف بهذا الحزب من أسرار و خفايا ندرك بالفطنة و التجربة أنها خفايا مرعبة مشينة تمس من امن الدولة و من حسها الاجتماعي و الثقافي ، فهل هانت الدولة إلى هذا الحد حتى سامها كل مفلس فكرى ،
ان هيبة و قوة الدولة لا يمكنها أن تضعف إلى الحد الذي تترك فيه الحبل على الغارب لكل فاسد أو خائن أو عميل أو مجرم باسم الدين ، إن حزب التحرير المرتبط بأحزاب أجنبية إرهابية مشبوهة من نفس النمط و التوجه قادر في الوقت المناسب على ضرب مؤسسات الدولة و إنهاك كيانها بعمليات جراحية عسكرية إرهابية تتدرب عليها أفراده في مخيمات و تجمعات باتت معروفة للمخابرات الداخلية و الخارجية ، هذا الأمر يجرنا للتساؤل حول مصادر التمويل و معرفة الخط السياسي و البحث حول من يقفون وراء هذا الفكر المدمر .
لقد شاهدنا منذ فترة و لا نزال رايات سوداء كتب عليها “لا اله إلا الله محمد رسول الله”.. هذه الرايات طبعا لا علاقة لها بالرسول الأكرم صلى الله عليه و سلم و لا بالدعوة إلى مكارم الأخلاق و بث ثقافة الخير بل هو شعار و راية عفنة تسلح بها الفكر التكفيري للجماعات الإرهابية من باب التعتيم المقصود و المبيت على النيات العنيفة لهذه الجماعات الخارجة عن قوانين البشرية ، شاهدنا بأم العين رجالا ملتحين و منقبات و شعارات بذيئة غاية في التطرف و الغلو الفكري إضافة إلى تصريحات عنيفة اللهجة تهدد السلم الاجتماعية و تهز من هيبة الدولة ،
يتحدث البعض بأن ما شهدناه و سمعناه هو تحقيق لما يختزنه حزب التحرير في باطنه من تطرف و رفض للتعايش السلمي و لهذا فان هذا الحزب المنغلق المثير للجدل الذي تقترن ممارساته في اغلب الأحيان بممارسة العنف خاصة في مواجهة سلطة الدولة يجب أن يحاسب الحساب العسير حتى لا يتغول و تصبح السلطة عاجزة أمام جحافل المنتسبين إليه من القتلة المأجورين و المتطرفين الموتورين و الخائنين لمفهوم الولاء الوحيد لتونس و العابثين بالراية الوطنية التي ضحى من اجل خفقانها عالية آلاف الشهداء ،
ان ما تعيشه تونس من ازمات متواصلة منذ الثورة إلى الان يجعلها في غنى تام عن أزمات مدمرة اخرى تستهدف الوطن فى اسسه و مكاسبه و مستقبله الديمقراطى و السياسى و على جميع الضمائر الحية طرح كل الاسئلة المطلوبة حول هذا الحزب و العمل على مواجهة مشروعه العنيف بكل الطرق السياسية و الثقافية
شارك رأيك