اعلن المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة”، مؤخرا عن اخر اصداراته والمتمثلة في 3 مؤلفات ودراسة : الدماغ والديانات، دراسات أدبيّة: مباحث، أشكال وشخصيات وغواية الجهاد الشباب المخذول والعنف ورحلة اليوسي.
رحلة اليوسي:
يمثّل الكتاب مرجعا أساسيّا في مجال أدب الرحلة بوصفه إبداعا يتخطى سرد السيرة الذاتيّة مدوّنا الوقائع التاريخيّة بأبعادها السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، ففي هذا السياق تؤكّد مضامين المؤلّف تعدّد الرحلات الحجيّة البريّة بسبب صراع العثمانيين والإسبانيين في السواحل المغربيّة من أجل الهيمنة على مضيق صقليّة . وعليه تكون رحلة اليوسي(16901691م) مدوّنة معرفيّة وتاريخيّة للباحثين، من مؤرّخين وأنتروبولوجيين وسياسيين الخ
ولأنّها وثيقة مفعمة بحقائق تجمع بين الجغرافيا في شكل دليل سياحي، والتاريخ بما تضمّنت من توثيق للأحداث، لذلك اعتبرها المحقّق أحمد الباهي أحد أهم الفنون الأدبيّة التي ميّزتبلاد المغرب منذ المرحلة الوسيطة ، قائلا في هذا الصدد “يمثّل هذا الكتاب حلقة مهمّة فيسلسلة الرحلات الحجيّة والحجازيّة التي دوّنها المغاربة بمناسبة قيامهم بفريضة الحجّ أو طلب العلم” .
الدماغ والديانات:
هل يمكن للشأن الديني أن يكون مبحثا للمقاربة العلميّة؟ أيّ مشروعيّة للدين خارج الدماغ البشري؟ ما الفرق بين الذوات المولعة بالفهم والكيانات المهووسة بالإيمان؟ هل يمكن للدينأن يكون علما؟
تلك هي الإشكالات التي يطرحها المؤلّف للتمييز بين قلق السعي إلى التفسير العلمي وطمأنينة الاعتقاد، منطلقا من التمييز النيتشوي بين ” الذين يريدون أن يفهموا وأولئك الذين يرغبون في أن يؤمنوا”، فالدماغ البشري وفقا للمعنيين بالفهم “يمثّل حسب الكاتب” تتويجا لتطوّر طويل جدا للكائن الحي”، منطلقه في ذلك فروع علم البيولوجيا، خاصّة بيولوجيا النمو، والبيولوجيا التطوّريّة ، كذلك علم الحفريات، وعلم الأحياء، إذ تمكّن طاولةالتشريح العلمي برأي الطبيب رفيق بوخريص من “مشاهدة التغيّرات التشريحيّة التدرجيّةفي الدماغ بوضوح” ، ويكون ذلك عبر “مراجعة السلسلة الحيوانيّة، من أدمغة الحيواناتالأكثر بدائيّة إلى الدماغ البشري” .
لقد نجحت المقاربات العلميّة في رسم خرائط أوّليّة للدماغ تؤكّد حسب المؤلّف طبيعة الروابط الكهربائيّة والناقلات العصبيّة التي تحكم مكوّناته المختلفة، حيث مكّنت بحوثالعلماء من تحديد ” التكيّف الوظيفي التطوّري” للبنية الدماغيّة، كما تقوم عديد المجموعاتالبحثيّة بجهود متواصلة من أجل رسم الخارطة الدماغيّة الدقيقة . وعليه يميّز الكاتب بينالأطروحات المثاليّة المسلّمة بالوعي كظاهرة “مختلفة تماما عن الجسم المادي”، والمقاربات العلميّة المدركة للفكر كنتاج لنشاط الخلايا العصبيّة في الدماغ وطبيعةتفاعلاتها الفيزيائيّة والكيميائيّة، لنستخلص الهوّة بين التأويل الميتافيزيقي والفهم العلمي .
دراسات أدبيّة: مباحث، أشكال وشخصيات
اهتمّ الكاتب في الجزء الأوّل بالآداب الفرنسيّة ونماذج أدبيّة مغاربيّة لأدباء ومبدعين فرنكوفونيين مثل الجزائري رشيد بوجدرة والمغربي محمّد خير الدين والروائي التونسي مصطفى التليلي، متناولا خصوصيات تلك الأعمال الرافضة للنزعة الامتثاليّة تأثّرا بالأعلام الغربيّة التحديثيّة، كنصوص سبعينات القرن العشرين حيث ظهرت إبداعات تجاوزيّة للمدوّنة الأدبيّة السائدة، فالآداب والفنون وفقا للمؤلّف آليّة نصر على القوى الساعيّة إلى سحق الإنسان والاعتداء على كرامته .
وفي سياق براكسيسيّة النص الأدبي قاومت تلك الأعمال الأدبيّة حسب الكاتب الأوتوقراطية ومظاهر التطرّف والسلوك البطرياركي دفاعا على قيم الحريّة والمواطنة، وللبرهنة على وجاهة مقاربته انطلق الأستاذ بوقرّة من التجربة الجزائريّة خلال ثمانينات وتسعينات القرن العشرين حينما قاد “التطرّف الديني” إلى حرب أهليّة ، فلم تكن نصوص رشيد بوجدرة وياسين كاتب ورشيد ميموني مجرّد فنون للمتع الاستيتيقيّة حسب المؤلّف، بل كانت نقديّة لأزمات اقتصاديّة وسياسيّة واجتماعيّة واستعماريّة .
وخصّص الجزء الثاني للدراسات البروستينيّة والفن الأدبي، حيث يمثّل الأثر رحلة في تضاريس روائع الفنون وعلاقتها بالكوميديا الإنسانيّة، إلى جانب إشكالات أسطورة الخلق الفني والأبعاد الإستيتيقيّة، ومسيرة البحث عن الزمن المفقود لدى الروائي والمبدع الفرنسي مارسيل بروست، الذي عاش أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين .
غواية الجهاد الشباب المخذول والعنف
قـد يقود المأزق النفسي إلى سلوكيات تتخطى المتوقّع وأفعال عنيفة غير متخيّلةتستوجب طرح الأسئلة التاليّة:
لماذا يقرّر شاب في لحظة ما التخلي عن كل شيء من أجل غواية الجهاد؟ كيف تستقطبه المنظّمات الإرهابيّة؟ لماذا تنجح مجموعات الموت في مصادرة حقّه فيالحياة عبر شعارات الشهادة وطريق اللّه و الجهاد؟ هل من مبرّرات لسيكولوجيّةالانتقام؟
يجيب الكتاب على هذه الأسئلة متضمّنا مقاربات علميّة تشخّص طبيعة المآزقالنفسيّة المتمثّلة في سيكولوجيات محبطة وإمكانيات ذهنيّة تتّسم بالفراغ نتيجةلواقع أسري لم يحسن الإحاطة التربويّة ونسيج اجتماعي مهمّش للفعل الثقافيولم يوفّر مقوّمات الوجود السوي لشبابه . ومن الطبيعي أن ييسّر هذا الواقعمهام المنظّمات الإرهابيّة كي تقوم برسالتها التخريبيّة والتدميريّة مستثمرةفئات مخذولة سياسيا واقتصاديا ومعرفيا، لذلك يدعو الكتاب إلى ضرورة معالجةالظاهرة بنجاعة كي ننقذ الشباب والعالم من إثم التعصّب الديني والإرهاب العابرللحدود .
شارك رأيك