بقلم أحمد الحباسي
صاحب الوجه الملائكى الصبوح وزير خارجيتنا التونسي ذو المقام العالى لم نسمع له توضيحا أو مجرد امتعاض او بعض الكلام الدبلوماسي المباح على خلفية ما يحدث فى فلسطين من مجازر مرعبة طالت الشعب الفلسطيني، ربما كان سعادة الوزير الهمام مشغول “بقطط أخرى”
كما يقول المثل الفرنسى المعروف و لكن من حقنا و نحن الذين لم نربح من هذه الثورة العفنة سوى ما يطلق عليه جزافا بحرية التعبير أن نعلى الصوت بالاستنكار و الامتعاض لموقف سيادته ولهذا الصمت المريب الذى يؤكد مرة اخرى أن الوزير و الوزارة لا يتحركان إلا بعد خراب مالطا و بعد أن تقع الفأس فى الرأس و بعد ان تجف الدماء و تخفت الأصوات المنادية بمحاكمة القتلة الصهاينة.
وزير خارجية الثورة يجب أن لا يكون دمه باردا الى هذه الدرجة و لا أن يشتبه علينا بوزراء خارجية بريطانيا العظمى المعروفين ببرودة الدم القاسية و المفرط فيها فنحن نحتاج فيما نحتاج بعد هذه الثورة الذبيحة الى شخص يحمل جينات قومية عربية من أصول جنوب المتوسط بما تشير اليه الكلمة من دم فائر لا يقبل أن يغتال الشعب الفلسطينى بدم بارد دون أن تكون للسياسة الخارجية التونسية ردة فعل مناسبة تفضح الغطرسة الصهيونية وتشد من أزر عائلات الشهداء الذين تركهم النظام العربى على قارعة الطريق فى سياق هرولته للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
وزيرنا للخارجية لا نجده دائما فى المكان و الزمن المناسب و هو يشبه بعض اللاعبين الذين لا يتمتعون بالحس التكتيكي كما يقال بلغة كرة القدم فتراه هناك حين يجب أن يكون هنا وهنا حيث يجب أن يكون هناك. ولعل افتقار السيد الوزير طاب ذكره إلى الحس التكتيكي ليس حالة عارضة لأن مواقفه السابقة تؤكد أنه بعيد عن التقاط اللحظات الدبلوماسية التى يجب أن يكون له فيها رأى يعيد للدبلوماسية التونسية المهدورة كرامتها زمن حكم حركة النهضة شيئا مما فقدته من هيبة بذل الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة كل جهده لتلميع وترسيخ صورتها بين الأمم المتحضرة.
كان على سيادة الوزير من باب انقاذ ما يمكن انقاذه من السياسة الخارجية التونسية التي تم الزج بها عنوة في أتون المؤامرة القذرة على سوريا زمن حكم الاخوان من حركة النهضة في تشابك مع الأغراض الصهيونية الخليجية المتآمرة أن يفعل كل شيء لتستعيد هذه الدبلوماسية بريقها الخافت ولن يستطيع فعل ذلك وتحقيقه بعيدا عن العودة الى الاصل وهو الجهر بمساندة القضية الفلسطينية والوقوف الى جانبها والعمل على مزيد تعرية الغطرسة الصهيونية.
هذا الجهر بالصوت يجب أن يكون واضحا غير متردد ولا ملتبسا إزاء الإدارة الأمريكية الرعناء التي نفذت قرارها الهجين بنقل سفارتها إلى القدس، هذا الجهر يجب أن يتجاهل ما يسمى “بالمصالح” و”العلاقات القديمة” لان المبادئ ونصرة القضية الفلسطينية ترقى على كل الإعتبارات الضيقة.
أمريكا هذه أيها السادة والسيدات لم تقدم لتونس لا معونة ولا موقفا مساندا ملموسا ولا ننتظر منها غير الضربات تحت الحزام و الطعنات من الخلف وأمريكا هذه مع إسرائيل أحببنا أم كرهنا وأمريكا هذه هي من دمرت العراق ودمرت سوريا وليبيا وهي من قضت على الجامعة العربية وعلى معاهدة الدفاع العربي المشترك ومن وصفت حزب الله بالمنظمة الإرهابية ومن سعت إلى إسقاط كثير من الأنظمة العربية المعادية للوجود الأمريكي الصهيوني في المنطقة وأمريكا هذا البعبع الكبير هي من هزمت في الفيتنام ومن هزمت في خليج الخنازير ومن هزمت في لبنان بعض ضرب سفارتها هناك وسقوط المئات من القتلى بل أمريكا هي من هزمت في سوريا اليوم بعودة روسيا إلى الشام وإلى موازين القوى العالمية في المنطقة العربية،
صحيح أمريكا تملك كثيرا من عناصر القوة على أكثر من صعيد و لكنها بنفس الوقت “تملك” كثيرا من عناصر الضعف بدليل تراجع مواقفها الصاخبة أمام كوريا الشمالية واضطرارها إلى حفظ ماء وجهها في ملف الصواريخ الكورية وحتى مع إيران فان كل هذا الصخب الذي تحدثه حول إعادة النظر في المعاهدة النووية الموقعة لا يخرج عن الجعجعة الفاضية كما يقال لأن الدول الأوروبية تخرق الوصاية الأمريكية نتيجة ما تعانيه من أوضاع اقتصادية وما يوفره سوق إيران من مجال استثمار خيالي، نقول هذا حتى يفهم سعادة الوزير هذه المرة على الأقل أن الدول لا تكبر إلا بالمواقف الكبيرة.
نحن نحتاج إلى دبلوماسية فاعلة و لا إلى موظف سفارة برتبة وزير لأن تونس باتت معزولة تماما عن العالم بعد أن بذلت حركة النهضة ما في وسعها في هذا الغرض الدنيء، لا أحد يأتي إلى تونس من كبار القوم و من الدول ذات الوزن وتلك التي نحتاجها في حالة الضيق التي تمر بها البلاد على أكثر من صعيد كل ذلك لان سيادة الوزير لم يخطط جيدا لمثل هذه المسائل وبقى يتعامل مع المستجدات الداخلية والخارجية كما تتعامل الشعوب العربية مع رؤية هلال رمضان،
في عهد وسائل الاتصال الخارجي والفضاء الدولي المفتوح أصبح من العيب أن تبقى تونس الثورة بلدا مهجورا ومجهولا كل ذلك لأن هناك سفراء لا يشتغلون على العلاقات العامة وهناك وزير خارج الخدمة يتعامل مع الأحداث والتطورات كما تتعامل بعض شركات النت في تونس مع حرفائها الذين نجد صدى امتعاضهم وغضبهم على الصفحة الرئيسية لتلك الشركات الناهبة لمال المواطن بدون مقابل بمباركة موصولة من حكومة الحرب سيئة الذكر،
نحن نتذكر صهر مرشد الإخوان المدعو رفيق بوشلاكة الذي تولى شأن وزارة الخارجية و ضبطوه في وضعيات يندى لها الجبين في الساعات الأخيرة من الليل بما سمي بفضيحة الشيراتون غايت التي اجتهد قضاء نور الدين البحيرى في طمسها وردم معالمهما حتى باتت نسيا منسيا، هذا الصهر كان أميا في الجغرافيا بحيث لم يكن يعلم مساحة تونس أو أين تقع غزة و يظهر والله أعلم أن وزيرنا الحالي فقير في الجغرافيا بحيث لا يعلم أين تقع بعض البلدان المهمة القادرة على انتشال تونس من “الكورينتى” كما يقول صديقنا البجبوج لا فض فوه.
شارك رأيك