بقلم الجزائري: عمّــــــــار قـــــردود
أفادت صحيفة “بيلد” الألمانية الأكثر قراءة في البلاد أن النيابة العامة الفدرالية أعلنت ،أمس الخميس، أنه يُشتبه بأن يكون رجل تونسي أوقف في ألمانيا، حاول تصنيع سلاح بيولوجي خطير مستخدماً سمّ “الريسين” القاتل، لكنها أشارت إلى أنه لا يوجد ما يكفي من العناصر التي تتيح القول ما إذا كان ينوي الانتقال إلى الفعل أم لا.
وأوقف “سيف الله. ه” المشتبه به التونسي البالغ من العمر 29 عاماً، بعد أن داهمت القوات الخاصة الألمانية شقته في كولونيا الكائنة في مبنى سكني مكون من 15 طابقًا مرتدين أقنعة مضادة للغازات السامة. وبحسب بيانات الشرطة، تم وضع أطفال الزوجين تحت رعاية الجهات المختصة في مدينة كولونيا. ،الثلاثاء الماضي، حيث عثرت على “مواد سامة” غير معروفة، لكن تبيّن لاحقًا أنها “الريسين”.
وقالت النيابة العامة الفدرالية الألمانية في بيان لها “ابتداء من منتصف ماي-الماضي- باشر (سيف الله. ه) التزوُد بالمعدات والمواد اللازمة لصنع الريسين. واشترى بشكل خاص من شركة تبيع بالمراسلة على الأنترنت ألف حبة من الريسين ومطحنة قهوة كهربائية”.
ونقلت “دوتشه فيله” عن مصدر قضائي أمس، أنه لا يوجد أي دليل على “وجود مخطط محدد لتنفيذ أي اعتداء” أو لـ “انتماء هذا الشخص إلى جماعة إرهابية”.
وكان ناطق باسم المدعي العام الألماني “أندري فاسبيندر” أكد الأربعاء الماضي أن المحكمة الاتحادية أصدرت قرار التوقيف الاحترازي بحق المتهم بعد ضبط مادة الريسين السامة في مسكنه. وأوضح الناطق أن الادعاء يحقق أيضًا في اشتباه مبدئي بأن الرجل كان يحضر لجريمة عنف خطيرة تهدد أمن الدولة، لكنه لفت إلى أنه ليس هناك اشتباه قوي في هذا الجانب.
وحتى الآن فإن الشخص التونسي الموقوف متهم بانتهاك القانون الألماني حول حيازة الأسلحة الحربية، لكن مع عدم وجود عناصر ملموسة عن انتمائه إلى مجموعة “إرهابية” فهو غير ملاحق بالإعداد لارتكاب اعتداء ما.ويعتبر “الريسين” السم الأقوى نباتيًا، وهو أقوى بستة آلاف مرة من “السيانور”.
ويصنف معهد الأبحاث “روبرت كوخ” هذه المادة التي يسهل الحصول عليها من بذور شجرة الخروع على أنها “مادة حربية بيولوجية محتملة”، ومن ثم فإن هناك قيودًا على تجارة وتداول المادة الخالصة بموجب اتفاقية الأسلحة الكيماوية لعام 1997، ووفق جريدتي “كولنر شتات انتسايغر” و”اكسبريس” الصادرتين بمدينة كولونيا، فإن المشتبه به ربما يكون قد دخل إلى ألمانيا في نوفمبر 2016، ولم يظهر له نشاط ملفت للشرطة. وتابعت الجريدتان أن سلطات الأمن تلقت إفادة عن الرجل وجرت مراقبته بعد ذلك حتى القبض عليه.ووفق معلومات وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، فإن السلطات لا تستبعد وجود خلفية إرهابية وراء حيازة هذه المواد.
و في مطلع جوان الجاري تمكن الشاب التونسي المشبوه من صنع كمية غير معروفة ما دفع السلطات الألمانية إلى التدخل لأنها كانت تراقبه منذ مدة و عن كثب.
وأشارت صحيفة “بيلد” أن ألمانيا تلقت بلاغًا عن المشتبه به من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إيه” لكن مكتب الادعاء الفدرالي رفض التعليق على الأمر.واعتقل الرجل التونسي مع شريكته التي أطلقت في وقت لاحق.
وكانت السلطات الفرنسية أعلنت في ماي الماضي إفشال اعتداء بالمتفجرات أو بـــ”الريسين” في باريس. واعتقل شاب مصري في العشرين من عمره والتحقيق معه جار.ولا تزال ألمانيا في حالة تأهب تحسبًا لأي اعتداءات إرهابية بسبب عدد الهجمات الكبير التي تبناها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في البلاد.وقد نفذ أخطرها في ديسمبر 2016، تونسي في الثالثة والعشرين من عمره هو أنيس عامري الذي نفذ اعتداء بشاحنة على سوق للميلاد في برلين. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” مسؤوليته عن الهجوم الذي أسفر عن 12 قتيلاً.
ماهو سمّ “الريسين” القاتل؟
يعرّف الريسين بأنه بروتين سام يستخرج من بذور الخروع، ونظرا لأنه مادة قاتلة عند التعرض لها بشتى الطرق فقد تحول من زيت نباتي إلى سلاح فتاك وقاتل، فهو يتسبب في حالة من التسمم يصعب علاجها في غياب دواء قادر على التصدي لمفعولها المميت.
المصدر الأساسي للريسين هو الخروع وهو شجرة تزرع في جميع أنحاء العالم، أوراقها في شكل راحة اليد ولها ثمار تحتوي على لوزة زيتية يستخرج منها زيت نباتي له فوائد عديدة، أما البذور فتحتوي على 50 بالمئة من وزنها زيتًا ومنها يستخرج “الريسين” السام.
وما يجعل “الريسين” من السموم بالغة الخطورة هو سرعة انتشاره في الجسم وتأثيره الشديد على جهاز المناعة؛ فهو قادر على تثبيط إنتاج البروتينات مما يؤدي إلى موت الخلية لأن جُزيْئًا واحدًا من “الريسين” داخل الخلية قادر على إيقاف نشاط 1500 ريبوسوم في الدقيقة ليقتل الخلية، وبالتالي قصور الأعضاء الذي يؤدي إلى الموت، فالإنسان الذي يتعرض للريسين قد يموت في فترة تتراوح بين 36 إلى 72 ساعة ويعتمد ذلك على طريقة وصوله للجسم.
كما أن أعراض التسمم بالريسين تعتمد أيضا على طريقة التعرض له فإذا تم استنشاقه فسيعاني الشخص من صعوبة في التنفس وعرق شديد ووصوله لرئتيه يسبب تلفهما واحتجاز الماء بهما نتيجة التعرض لبيروسول الريسين بعد استنشاق رذاذه، وينخفض لديه ضغط الدم وآخر مرحلة قاتلة ستكون توقف التنفس تمــاما، وإذا دخــل الريسين للجسم عن طريق العــروق أي بالحقن فسيـــؤدي إلى نــزيف داخلي حــاد وإلى النخر وهـو الموت المبكر لخلايا الجسم وفي مرحلة أخيـرة تتوقـف أعضاء الجسم عـن العمـل، أمـا الطريقة الثالثة للتعـرض للريسين فتكـون عـن طريق الابتلاع أي مـن خـلال الجهاز الهضمي ما ينتج تهيجا بـه ولاسيمـا بالمعـدة والأمعـاء ويصــاب الضحيـة بالتقيـؤ وانخفـاض ضغـط الـدم والجفــاف الحـاد خاصـة بسبـب الإسهال الدمــوي وفـي مرحلة نهائية يعاني الشخص المُسَمّـَمُ مـن قصـور الكـبـد والطحـال والكلـى.
وأقل طرق الاحتكاك بالريسين فتكا وسرعة في القتل تلك التي تكون عن طريق الجلد حيث يتأخر تأثيره ساعات أكثر من بقية الطرق فيكون بذلك مفعوله بطيء وأقل سُمّية نظرًا للوقت المستغرق للولوج داخل الجسم وخاصة داخل الدم.
والتسمم بتناول بذور الخروع ليس بسبب مادة (RCA) السامة بالريسين لأنها لا تستطيع النفاذ من جدار المعدة لداخل الجسم، ولا تؤثر علي خلايا الدم الحمراء، بل عن طريق الحقن بالوريد بجعل كراته الحمراء تلتصق ببعضها لتنفجر، فجرعة مقدارها واحد ميلّيغرام كافية لقتل شخص بالغ بعد أن تسبب له الجفاف الشديد وقلة البول وانخفاض ضغط الدم.
يزرع نبات الخروع بشكل واسع في الهند والبرازيل والصين لإنتاج الزيت، ويعتبر سم الريسين من السموم الشائعة إذ يمكن تحضيره والحصول على كميات ضخمة منه بسهولة لأن شجيرات الخروع تزرع في كل مكان.
كما يمكن تصنيعه من النفايات المتبقية من الإنتاج الصناعي لزيت الخروع. ويمكن تحضير هذا السم في شكل سائل يمكن تجفيفه ليصبح مسحوقا يتطاير بالهواء وهو متوفر كبودرة وكحبوب تذوب في الماء.
ويُشار إلى أن “الريسين” استخدم مخبريًا كدواء وكمادة تضاف لبعض العقاقير للقضاء على الخلايا السرطانية عند المصابين بمرض السرطان، وهناك عدة محاولات بحثية للعلاج بمادة الريسين السامة ولاسيما في مجال التقنية الحيوية والهندسة الوراثية، وذلك للاستفادة من قدرته على تثبيط إنتاج البروتينات، الأمر الذي جعل العلماء يحاولون استخدامه في علاج السرطان، كما بينت بعض التجارب المخبرية أن الريسين يمكن أن يصبح علاجا يوصف للمرضى في حالة زراعة النخاع العظمي.
وفي حال التعرض لسم الريسين يكون لكل حالة مرضية يحدثها في جسم المصاب علاجها الخاص، مثل وجود الماء في الرئة وعلاج التسمم الغذائي لو دخل الريسين عن طريق الجهاز الهضمي، وذلك لأنه في الوقت الحالي لا يوجد علاج يحمي الجسم ويجنبه مضاعفاته، والمصاب بسم الريسين عن طريق الجلد يعزل ويغتسل بمحلول متكون من 10 بالمئة من مادة هيبوكلوريت الصوديوم والماء والصابون، وفي حالة التسمم الغذائي يعطي المصاب جرعات من الفحم النشط يتبعه تناول محلول سترات الماغنسيوم أو سلفات الماغنيسيوم أو يجري غسل المعدة.
وأصبح الريسين المستخرج من الخروع سلاحا يستعمل اليوم لا للعلاج بل للقتل ولاغتيال الأشخاص وقد انتشرت عدة أخبار عن استعماله لاغتيال الرئيس الأميركي باراك أوباما وعن استعماله في الحروب، كما أن هناك مخاوف من أن يستعمله الإرهابيون في تنفيذ جرائم قتل جماعي.
شارك رأيك