بقلم أحمد الحباسى
صدقني عزيزي المتابع، “هم” لا يدافعون عن أحد مجانا، في الحقيقة هذه المنظمات المشبوهة التي زرعتها دوائر وزارة الخارجية والمخابرات المركزية الأمريكية وخصصت لها مليارات الدولارات تدافع عن قضايا معينة وتخصص جهودها لمسائل خاصة جدا وتنشط في أوقات حددتها الجهات الممولة المذكورة.
وحتى نفهم أكثر نذكر المتابع الكريم ببعض التسريبات التي رشحت مؤخرا وتحمل تصنيفاً سرياً جداً حول خطة عمل أمريكية محددة لتمويل ما يسمى بهيئات المجتمع المدني في يوغوسلافيا السابقة (قبل تفكيكها) للتعجيل بإسقاط نظامها، ليس من اجل كرامة الإنسانية كما ادعى الأمريكان،
ولكن من أجل هدف خبيث هو أمركة الشرق الأوربي وإسقاطه في قبضة أمريكا بالهيمنة علي فلب القارة العجوز ثم الانطلاق حتى حدود موسكو … الوثيقة السرية تحمل عنوان : “دولة صربية ديمقراطية”. و تحمل ختم مؤسسة البلقان/المخابرات المركزية الأمريكية، و صدرت بتاريخ 16 ديسمبر 1998،كجزء من الحملة المعلنة والمستترة لتحقيق الأهداف الإستراتيجية الأمريكية في منطقة البلقان…
نفس هذا المشروع تقول عديد الدراسات و التقارير والتسريبات الإعلامية انه يتم تنفيذه في المنطقة العربية وبالذات في تونس ويعترف بعض المسؤولين الأمريكيين بحاجتهم إلي ضخ المال المشبوه لهذه المنظمات ويعتقد كبار مسؤولي الاستخبارات أنه سيكون هناك حاجة لإخفاء الدور الأمريكي في مثل هذه الأنشطة لأن الشعوب العربية ستفقد الثقة بهذه الدكاكين المشبوهة وبالتالي لن تقبل بدعم واشنطن العلني للمدارس الدينية مثلاً.
وذكر أنه ضمن برامج الحرب الباردة في الخمسينيات كان يتم اختيار شبان وشابات من عدة بلدان في أوروبا الشرقية في وقت مبكر وتقدم لهم المساعدات سرا من أموال وكالة المخابرات الأمريكية في أثناء دراستهم الجامعية وكان الأمل أن يصعد هؤلاء إلى مراكز مهمة وحينها تكون أفكارهم المناوئة للشيوعية لها تأثيرها في بلدانهم…
هذا ما حصل بالضبط في تونس قبل و بعد الثورة بالأساس و لعل تكاثر هذه المنظمات بهذه السرعة مثير للغرابة و يطرح أكثر من سؤال حول الجهات الخارجية الممولة وحول الأهداف والطرق المتبعة لتحقيق هذه الأهداف.
يصف البعض هذه المنظمات بالطابور الخامس ويؤكدون أن تونس أمام نوع جديد من الجاسوسية ظهر بوضوح في آخر نظام بن على وأيام ما بعد الثورة. هذه القضية أصبحت هاجساً مرعبا للدول و الحكومات العربية… فهذه المنظمات مطلوبة من حيث دورها الاجتماعي و الإنساني و القانوني لكن الاختراق الأجنبي الذي بات يستهدفها لتحويلها إلى طابور خامس يخدم أجندات خارجية هو الذي يطرح أكثر من سؤال مزعج و لعل أكثر ما يقلق هي عمليات التمويل و ضخ بعض الجهات الأجنبية للأموال لتحقيق أغراض سياسية معينة.
سُئل أحد كبار مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية: كيف استطعتم تلغيم كل هذه المنظمات المدنية ضد دولها ؟ فأجاب بجملتين فقط : “أصحابها عبارة عن عاطلين عن العمل يبحثون عن الشهرة”!، فقد اختارت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من ضاقت بهم السبل و من تعطلت ملكة الوطنية لديهم و من باعوا ضمائرهم للشياطين فتم تمويلهم وتدريبهم وغسل أدمغتهم تماما كما يتم لدى الجماعات الإرهابية التكفيرية وها هم اليوم يمثلون نفاقا ما يسمى “بالمجتمع المدني” و يسعون بكل الطرق إلى فرض الأجندات الأجنبية تحت يافطة حقوق الإنسان أو معارضة التعذيب (وإن وجب هنا عدم التعميم لأن هناك منظمات وطنية عديدة غير تابعة لأية جهة).
بطبيعة الحال هناك حالة تشابك مصالح مرعبة بين مشروع الإسلام السياسي و مشروع تفتيت المنطقة العربية، خاصة بعد سقوط بغداد سنة 2003، وبعض المشاريع الخليجية المتواصلة التي تهدف إلى ضرب الاستقرار في بلدان عربية معينة، تشابك المصالح هذا هو الذي فرض وجود مثل هذه الزواحف المميتة بحيث تم تمكينهم من بناء كيانات وهمية تحت أسماء براقة كثيرة حتى تكون المظلة “القانونية” التي يتم فيها تنزيل الأموال الخليجية والصهيونية، هذا الطابور الخامس لا يختلف كثيرا عن الطابور الخامس السوري المتمثل فيما سمي بالائتلاف السوري المعارض والمتكون من بعض الطفيليات السياسية المسمومة التي أرادت دول الخليج و إسرائيل وأمريكا أن تكون مجرد عصابة يتم استخدامها لضرب النظام السوري بعلة البحث عن مصالح الشعب السوري.
تقول وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلارى كلينتون إن “أمريكا اتجهت منذ سنوات قليلة إلى إستراتيجية جديدة وهي استخدام القوة المدنية لأن الصواريخ تخلق المقاومة والرفض أما القوة المدنية فطابور خامس من المنافقين يعملون على تحقيق مآرب أمريكا من الداخل بضرب الثوابت والدين، وزرع الثقافة الأمريكية والتطبيع والانبطاح، تساعدهم في ذلك المنظمات الدولية”.
تضيف الوزيرة الأمريكية السابقة “يجب توجيه تلك المخصصات التي كانت للجيش إلى أولئك المنافقين المحليين ولا يجب الاقتصار على العلاقات الدبلوماسية بل يجب استخدام الدبلوماسية الشعبية، فالسفير الأمريكي علاقته ليست فقط بالدولة بل عليه بناء علاقات مع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والأفراد الفاعلين”، لاحظنا عينات من هذا التدخل بواسطة سفراء أمريكا و فرنسا على وجه الخصوص، تواصل السيدة كلينتون: “وهذه القوة المدنية يجب إسنادها بالقوة العسكرية إن لزم الأمر”.
إذن يعمل هذا الطابور الخامس تحت غطاء المنظمات المدنية المحلية، على فرض الثقافة العالمية الجديدة، ونقل المعلومات إلى المنظمات الدولية التي تدير مؤامرة تفتيت الدول العربية لان هناك من اعتبر أن هذه الدكاكين هي الأقدر على رصد التغيرات داخل مجتمعاتها بطرق شرعية وعلنية، وهو ما سيسمح للأجهزة الاستخباراتية من الحصول على المعلومات الضرورية عن تلك البلدان بقليل من الجهد والمال وهى معلومات ضرورية ليست فقط للاستعداد لأية تغيرات سياسية قد تحدث بتلك البلدان، بل أيضاً إمكانية إجهاض أو توجيه تلك التغيرات بما يخدم مصالح البلدان المعنية.
تحدث البعض عن هؤلاء المحامين المشبوهين الذين يسربون ملفات التحقيق مع الإرهابيين إلى جهات خارجية و طرحت أسئلة عديدة حول من يمول هؤلاء المتآمرين على امن الدولة ولماذا لا يتم الالتجاء إلا لهؤلاء المحامين بعينهم في كل قضايا الإرهاب ولماذا ينتمي هؤلاء المتاجرون بالذمم لنفس المنظمات التي تنشط تحت يافطة مشبوهة تسمية “حقوق الإنسان” وكانت أهم الأسئلة لماذا لا تتدخل جهات امن الدولة و حكومة الحرب لكشف المستور وهل هناك ضغوط دولية تمنع تدخل الحكومة بل لماذا لا تفتح تحقيقات معمقة داخل مجلس نواب الشعب فى ملف منظمات المجتمع المدني وبالذات تلك المعروفة بعلاقتها بالتمويل الأجنبي و بخدمة أغراض دنيئة لم تعد خافية على احد ،
نحن نعلم الظروف الغامضة التي نشأت فيها منظمة “حرية و إنصاف” و ندرك علاقة هذه المنظمة التي كان بعض قيادات حركة النهضة و حراك تونس الإرادة من أهم أعضائهما و علينا أن نتساءل بعفوية تامة ما علاقة هذه المنظمة بالتمويل الأجنبي و لماذا لم يفتح تحقيق في الغرض و هل أن هناك روابط خطيرة بين هذه المنظمات و الجماعات الإرهابية تجعلها تسخر هذا الجيش من المحامين للدفاع عن القتلة وهل أن حقوق أبناء المؤسسة العسكرية و الأمنية الذين تم اغتيالهم من طرف هذه الجماعات الإرهابية ليست لهم حقوق إنسان من المفروض أن تدافع عنها هذه المنظمة من بين منظمات مشبوهة وحين يبدو أن الجهة الممولة لنشر ثقافة الديمقراطية في العالم العربي والدفاع عن حقوق الإنسان هي نفسها الجهة الممولة لأعتى الأسلحة المستخدمة ضد الشعوب العربية نفسها هنا نفهم كل ما يخطط لهذه الأمة من مؤامرات تنفذها للأسف بعض الأيادي القذرة التونسية.
شارك رأيك