بقلم فرحات عثمان
هكذا إذن انتهت مشاركة الفريق الوطني لكرة القدم في مونديال روسيا بانهزامٍ عريضٍ في مقابلته الثانية؛ ولعلّها تكون أعرض في المقابلة الأخيرة.
لم يكن هذا مستغربا، وقد تكهنّا به قبل المقابلة الأولي، لا لفريقنا التونسي فحسب، بل ولكل الفرق العربية الإسلامية؛ وذلك لسماحها لنفسها بمسخ الدين، إذ خلطت الرياضة لا بالإيمان فقط، بل وبالمتاجرة به والتظاهر والرياء.
عقاب الله للمدجّلين بالدين:
بعد هذا الانسحاب المخزي، يمكننا القول أنّه كان في قساوة الجرم المرتكب في حق الدين والرياضة. وكما سيتجرأ بعضهم من المتزمّتين، ممن لا يفقه من دينه إلا اللمم، فيقول أن هذا الانسحاب هو عقاب الله للتونسيين الذين لا يتمسّكون بدينهم، نقول أنه فعلا العقاب الإلهي، لكن في الاتجاه المعاكس تماما، إذ هو عقاب هو العلي القدير الذي لا يُستبله، فلا يقبل بالتدجيل في دينه ولا بالمتاجرة به، ولا بالحال المزرية التي أصبح عليها الإيمان عند المنافقين به.
إن الإيمان الصحيح محلّه القلب، فلا يُعرض للتباهي به وللنفاق. فقد رأينا كل شيء في روسيا إلا الرياضة؛ كما أصبحنا نرى كل شيء على أرضية ملاعبنا إلا ما يفرضه الدين، أي تعاطي ما نفعل بالنزاهة والحرفية. فهذا الذي يفرضه الدين قبل الشعائر التي تنبقى خالصة لله، لا مراءاة فيها.
إن الممرن الوطني، بل وكل الإطار التقني، لم يقم بواجبه في تأهيل اللاعبين بدنيا ونفسيا لمقابلات رياضية، إذ كان همّه التظاهر بالتقوى وكأنها مما يجب إظهاره والتجاهر به خلافا لما يفرضه الإسلام، دين التواضع والمثل الأسنى.
هذا هو المسخ للدين الذي عاقبه الله في روسيا، إذ الله عادل، لا يظلم الناس ولا نقيرا. فهلاّ انتهينا من التلاعب بالدين واستبلاه الناس، بل والله العلي العظيم أيضا، بنفاقنا في دينٍ لا يقبل به، إذ الله يعلم خافية القلوب ولا يخدعه المتظاهر بالتديّن لمنفعة آنية؟
ضرورة الكفّ عن مسخ الدين:
المؤمن الحق في الإسلام الصحيح هو الذي لا يظهر تقواه لا بالقول ولا بالفعل، إذ لا هدف لذلك إلا المراءاة؛ إنه يحرص على العمل الذي يتخفّى فيه عن أيّ تبجّحٍ، فلا يأتي من الفعل إلا ما فيه الاحترام التام لقواعد العمل الممتهن وما يقتضيه من ضميرٍ وحسن أداء.
والرياضة، خاصّة المحترفة، هي أولا وقبل كل شيء الأداء حسب المتعارف عليه من قواعد معيّنة معروفة عالميا، ومن تصرّفٍ نزيهٍ يكون فيه الاعتماد على النفس وعلى لياقةٍ بدنية تتطلب المجاهدة ورفض كل ما من شأنه الإخلال بها. فكيف ينجح اللاعب المسلم في الحفاظ على لياقة بدنية بدعوى احترام الدين في شهر رمضان فيصوم ويهدر قواه وحظوظه في النجاح في اللعب حسب كل مؤهلاته البدينة على أرض الميدان؟
إنه يقوم بهذا للتظاهر فقط لا احتراما للدين الذي لا يفرض عليه ذلك. وهذا، حقيقة، ليس من الاحترام الصحيح للإسلام الذي ما كان متزمّتا أبدا في تعاليمه، كما جعله البعض ممن يدّعي الإيمان به فشوّهه وأفسد تعاليمه السمحة. إن ديننا مكّن من كل الوسائل الضرورية، ومنها آلية التكفير، حتى لا يتعلل المؤمن بما ليس يرفع عنه واجبه تجاه ما يؤدّيه، إذ واجبه هو أن يحسن ما يتعاطاه من كسبٍ أو نشاطٍ حسب القواعد المتعارف عليها عالميا. هذا هو المعروف الحقيقي؛ أما ما نفعل باسم الدين، فهو المنكر الذي يرفضه الإسلام!
هكذا إذن مسخنا في روسيا ديننا فعاقبنا الله على ذلك وعلى الزج به في تجارة مقيتة هو ودينه في غنًى عنها. فهلاّ اكتفينا عن هذا التظاهر بتقوى مخادعة والمغالطة بحس ديني فاسد؟
طبعا، هناك من سيقول أيضا أنه لم يكن بالإمكان في روسيا أفضل مما كان من اللاعب التونسي لتواضع مردوده. عندها نقول أن هذا لا يمنع من الكف، على الأقل، عن التدجيل بالدين والالتزام برفع هذا المستوى علميا؛ أو حتّى الامتناع عن المشاركة إلى أن نلتزم بقواعد اللعبة وننتهي عن المخادعة والتلاعب بمشاعر الناس. فعلينا إن نتعلّم الكلام في الأمور كما هي، ونسهر على الإتيان بما تفرضه الرياضة، لا بما لا يسمح به لا الدين ولا الرياضة؟
شارك رأيك